عقد مركز آفاق اشتراكية ندوة لمناقشة رواية "نادي المحبين" للكاتب صبحي موسى، شهدها عدد من الكتاب والنقاد والمثقفين الذين قرأوا الرواية، وأثارت لديهم العديد من الرؤى النقدية.
وقام بمناقشتها كل من أستاذ الأدب المقارن في جامعة حلوان د. صلاح السروي وأستاذ الأدب الحديث في كلية دار العلوم فرع الفيوم الكاتب الروائي د. محمد سليم شوشة.
الهوية المصرية وتنوعاتها في "نادي المحبين"
في البدء قالت مديرة الندوة الكاتبة الروائية والصحفية بهيجة حسين إن رواية "نادي المحبين" تمثل إضافة جديدة ومهمة إلى منجز صبحي موسى، الذي قامت آفاق اشتراكية بمناقشة أكثر من عمل في إطاره، كان آخرها رواية "صلاة خاصة" التي رصدت تاريخ الأقباط في مصر، ومنجزهم في الثقافة المسيحية ككل، ومأزقهم الذي أودى بهم إلى الوحدة والعزلة.
وأضافت أن موسى يتابع سرده التاريخي عن الهوية المصرية وتنويعاتها التاريخية من خلال روايته الجديدة، لكنه هذه المرة اختار أن يكون مؤرخا للحظة شاركنا جميعا فيها، ليقدم لنا من خلال روايته هذه كواليس ما جرى بعد ثورة 25 يناير حتى 30 يونيو، لنكتشف أننا كنا شهود عيان على الأحداث لكننا لم نكن نعرف ما يجري فيها من وراء الستار، وأنه من خلال ربطه الأحداث ببعضها قدم لنا رؤية عن كيف جرت الثورة الأولى والثانية، وكيف لعب الغرب دورا بارزا في صعود الاسلام السياسي في المنطقة منذ السبعينات وحتى الآن، وكيف راهن عليه في إعادة صياغة شكل المنطقة ككل بعد ثورة يناير، لكن الوعي المصري استرد البلاد من براثنهم واستعادها إلى حوزة الوطنية المصرية من جديد.
المزدوج يصنع التاريخ في "نادي المحبين"
وقال الناقد محمد سليم شوشة إن صبحي موسى قسم روايته "نادي المحبين" فى جزأين كبيرين، هما "الفقد"، و"الاستعادة"، وأنه في الفقد رصد كيف فقدت البلاد وذهبت إلى أيد الاخوان وغيرهم من التيارات الراديكالية الرجعية، وأنها كادت تكون حجر أساس في تفتيت المنطقة ككل وصناعة الشرق الأوسط الجديد، لولا أن الدولة المصرية بمؤسساتها وجماعاتها الوطنية استعادة البلاد من براثنهم سريعاً على النحو الذي رصده المؤلف في الجزء الثاني من روايته.
واضاف شوشة إن "نادي المحبين" ليست رواية سياسية أو عمل تاريخي ذو طابع سياسي، لكنها رواية شخصية،، حيث تقوم في اطارها العام على شخصية أساسية، هي شخصية "المزدوج"، الذي حمل كل التناقضات من أجل المصلحة الشخصية مزيد من النجاح والتفوق، ومن ثم فقد لعب على كل الحبال أو بحسب وصفه لنفسه في الرواية كان راقصا ماهرا على كل الأسلاك، ومن ثم فقد كان مزدوج الجنس، والأخلاق والفكر والوعي، تعامل مع الأمن مثلما تعامل الاخوان والسلفيين، وتعامل مع النظام مثلما تعامل مع القوى الخارجية، وجعل وعيه وفكره في خدمة الجميع، فعمل مع الأمريكان والاسرائيليين والأتراك والقطريين، وكان بمثابة حصان طروادة الذي وصل من خلال عباءته وتنظيراته وسيناريوهاته الفكرية إلى سدة الحكم..
كما انتشروا في المنطقة ككل خالقين حالة الفوضى الخلاقة التي تبناها الأمريكان منتظرين تفتيت الدولة المركزية، وسقوطها وظهور عالم جديد.
وكد إن موسى قدم عالماً مهماً جعل فيه ذات السارد معادلا موضوعياً أو مقابلا فنيا للوطن، حيث ما يقع عليه من انتهاك هو مماثل لما يقع على الوطن، ومن ثم ففقده لأمواله وممتلكاته كان مقابلا لفقد البلاد أو ذهاب السلطة للإخوان، ومتوافقا في نفس الزمن معها، وكذلك استعادته لممتلكاته كان موازيا لاستعادة البلاد وسلطتها من بين أيديهم، وأن الكاتب قدما تحليلا نفسيا مهما لشخوصه، خاصة الشخصية الرئيسية، وأن "نادي المحبين" واحدة من الأعمال الكاشفة للحظة عصيبة في تاريخنا الحديث، وأننا بحاجة إلى مزيد من الأقلام كي تقدم رؤيتها لهذه اللحظة، وأن الشذوذ الجسدي الذي وقعت فيه الشخصية الساردة لم يكن هدفا في ذاته، لكنه كان مقابلا للشذوذ الفكري الذي وقع فيه الاخوان وغيرهم.
ولفت الى أن الكاتب ذهب إلى أن الشذوذ الجسدي أهون وأقل ضرراً، لأن الشذوذ الفكري يؤذي الأمة ككل، ويفقدها هويتها ومسارها الوطني.
"نادي المحبين" وشخصية البطل التراجيدي
وقال أستاذ الأدب المقارن بجامعة حلوان د. صلاح السروي إن رواية "نادي المحبين" هي الرواية الثامنة لصبحي موسى، وتأتي في إطار مشروع واضح المعالم، حيث يستخدم التاريخ للدفاع عن الهوية وليس البحث عنها، كما أنه يتعامل مع التاريخ بوصفه الوعي الباطن في العقل الجمعي، وأن الشعوب سرعان ما تلجأ إلى هذا الوعي لينقذها سريعاً ساعة الأزمات، وهذا ما حدث مع المصريين أثناء الثورة، كما حدث أيضا بعد سقوط البلاد في يد الإخوان.
واضاف السروي إن شخصية الباحث والمفكر التي مثلت الشخصية الرئيسية في النص هي شخصية البطل التراجيدي، ذلك الذي يخطئ خطأ بسيطاً فيعاقب عليه عقابا مضاعفاً، وهذا ما حدث من السارد، وإن كانت هذه الشخصية معادلا موضوعيا للوطن، ومن ثم جاءت المقابلات بشكل دائم وثري بينها وبين البلاد في لحظاتها الحرجة، وخرج البطل منتصرا في النهاية على نحو ما يحدث في الأفلام المصرية أو التصور الشرقي للنهايات السعيدة.
واوضح إن السرد في الرواية سرد دائري، يبدأ من حيث ينتهي، وأن الفترة الزمنية لعمل السرد كانت عامين، الأول ما قبل صعود الإخوان وهو زمن الفقد، والثاني ما بعد صعود الاخوان للحكم، وهو عام الاستعادة الذي تم تتويجه بثورة 30 يونيو، وأن شخصية السارد هي شخصية كاشفة لكل ما جري في الكواليس، وأنه قدم رؤيته ليس فقط خلال هذين العامين، ولكن خلال فترة حكم مبارك كاملة، وكيف تغلغل الاخوان إلى كل مفردة في البلاد، وكيف تراجعت الثقافة التنويرية متيحة لهم الدخول في مزيد من المجالات وكسب كثيرا من الأرض كل يوم.
وأكد السروي أن السرد تمتع بلغة بسيطة وسهلة وناعمة، وأسلوب سلس بعيدا عن المعاضلة، رغم أن الرواية تنتمي إلى ما يسمى بالرواية المعرفية أو المعلوماتية، لكنه قدم معلوماته ومعارفه ببساطة شديد، دون غوص في التفاصيل الخلافية، فضلا عن أن السرد اشتمل على إيقاع سريع لاهث وشيق، مما يجعل القارئ لا يترك النص من يده قبل أن ينتهي من قراءته، رغم اتساق الجغرافيا التي تبدأ من مصر إلى فرنسا وأمريكا وتركيا ولندن وغيرها، واتساع الزمن وتعدد طبقاته.
وأنهي حديثه بأن موسى أدهشه بهذا العمل مثلما أدهشه من قبل ب(صمت الكهنة، وحمامة بيضاء، وأساطير رجل الثلاثاء، والموريسكي الأخير، وصلاة خاصة، ونقطة نظام)، وغيرها من الأعمال الجادة التي عمل عليها طوال عشرين عاماً.
آلية التسجيل في "نادي المحبين"
وقال الكاتب والسيناريست محمد رفيع إن صبحي موسى آل على نفسه أن يبحث في التاريخ عن أزمتنا، وإنه أضاف في هذه الرواية آلية التسجيل لما عاشه وما عشناه جميعاً في أثناء الثورة، وهناك كثر من الكتاب تعجلوا في رصد ما جرى في الثورة قبل أن تتكشف لهم الأحداث، فقد كان هنا أطراف ولاعبون كبار كثيرون، وكان من المعتاد أن يتم الانتظار نحو خمسين عاماً كي يتم الافراج عن الوثائق، لكن ثورة الاتصالات جعلت جهات مثل ويكيليكس وغيرها تسرع في الكشف عما جرى في الكواليس، وهو ما ساعد صبحي على تقديم رؤيته الأقرب للواقع وما جرى فيه، لذا لابد أن يقوم المبدع، أي مبدع، بتقديم رؤيته لما حدث.
وتابع: "نادي المحبين" هي أكثر الأعمال جرأة في هذا الاطار، لأنها لم تنتظر مرور خمسين عاماً كي تقدم رؤيتها.
وقال رفيع إن المصريين الآن يكتبون في ثلاثة اتجاهات، الأول هو الكتابة التاريخية التي راجت منذ فترة، حيث يعود الكتاب إلى التاريخ لعلهم يجدون إجابات على الأسئلة التي يطرحها الواقع، والثاني هو العوالم الأسطورية بأشكالها المتعددة هربا من مواجهة العالم، والاتجاه الثالث هو أدب الرعب الذي يحبه الشباب، ويغذي وجوده الإخوان، لأنه يكرس للقيم المتخلفة التي يتبنونها، كما أنه يؤهل الشباب الصغير للعنف الذي يريدون أن يدفعوه إليه. لكن صبحي ترك كل ذلك وقرر أن يقوم بتسجيل الأحداث التي مرت علينا جميعا، ومن يعرف صبحي يعرف أن لديه هم وطني كبير، وأن بنية السؤال من أهم بنياته الفكرية، وهذا ما يظهر طيلة مشروعه الروائي.
"نادي المحبين" تقدم صورة ذهنية خاطئة
قال الكاتب حسن بدوي إنه توقف أثناء قراءته للرواية أمام عدة أمور، رغم أن صبحي كاتب من طراز خاص، فقد قرأت الكثير من الأعمال الروائية، لكن أغلبها يدور في الإطار الذاتي أكثر منه عن الواقع وقضاياه، وقد أرهقتني "نادي المحبين" مثلما أرهقتني "صلاة خاصة".
وتابع؛ لكن إرهاق "نادي المحبين" لم يأت من كثرة المعلومات والأزمنة والشخوص كما في "صلاة خاصة" ولكن من كثرة التقلبات النفسية التي مر بها البطل، وما عاناه من انتهاك وقهر، وأرهقني الغيظ الشديد من هذه الشخصية المستخدمة من قبل الجميع، ورغم إدراكي للواقع أن المجتمع الدولي قادر على استخدام الجميع.
وأضاف بدوي أن الرواية بها أمور كثيرة مهمة، لكنني أقول إن الرواية يمكن أن تعطي للأجيال القادمة صورة ذهنية خاطئة عن الأحداث ومن عاصروها، ورغم أن الرواية اقتصرت في رصدها للكواليس على الأروقة العلوية للدول والأجهزة السيادية، لكن هناك جانب آخر في المجتمع لم تتعرض له الرواية وهو البعد الشعبي وحركته الوطنية، كما أن الرواية بها مبالغة شديدة في الاستطراد عن الشذوذ الجسدي، وكأن كل الناس شواذ، فضلا عن المبالغة في دور الفرد/ الشخصية الرئيسية، فضلا عن التقابل الشديد بين الفرد المنتهك والوطن الواقع تحت براثن الاغتصاب، لكن في النهاية كتابات صبحي تثير دائما التساؤل، وتؤسس لمدرسة جديدة في السرد.
وقال الكاتب محمد شمروخ إنه قرأ "نادي المحبين" في 48 ساعة، وأنه اتصل بمؤلفها قبل أن ينتهي من قراءتها، لأنه كقارئ كان مختنقا من الشخصية البطل، حتى أن الرواية تفسخت في يده أثناء القراءة، فلم يتركها من يده طيلة 48 ساعة.
وأوضح أنه لم يكن مختنقا من الرواية بسبب سوء القراءة أو عدم حبه للنص، ولكن من كثرة الفساد والشخصيات الفاسدة.
وقال شمروخ أن موسى لديه جرأة كبيرة أن يجعل الشخصية الرئيسة لنصه شخصية شاذة، بل انه جعله يمارس شذوذه الجسدي والروحي والفكري بدم بارد، حتى أنه أفسد على القارئ القدرة على إدانة الفساد.
وأضاف أن هذه رواية كبيرة ومهمة، شرحت المجتمع المصري والدولي في مفصل مهم من تاريخنا الحديث، وأنها كشفت عن عورات كثيرة في الثقافة المصرية، وطرق وأداء وتعامل المجتمع الدولي مع من يصنفهم بالإرهابيين، في حين أنه يدعمهم في الانتشار والتغلغل والوصول إلى الحكم.
تماثلات المثقف في "نادي المحبين"
أما الكاتب الدكتور حسن هند فقال إن صبحي صمم أن يكتب التاريخ شعراً، فما أطلق عليه إدورد سعيد تماثلات المثقف قدمه صبحي في روايته نادي المحبين، فنحن أمام شخصية مثقف قدم للغرب كل ما يريدونه، فكان بمثابة المستشرقين الذين يمهدون للاستعمار أو يأتون في صحبته، وهذا العمل قدم براءة اختراع لصبحي موسى عما يسمى بالـ " الكفيل أو المعلم الدولي"، وكيف يفرض هيمنته وشروطه، وكيف يدفع بعنصر في موجهة بقية العناصر، وكيف يصل بمن يريده للحكم كما فعل مع الاخوان، وكيف يضغط في تحويل مسار ثورة من الميدان إلى الصندوق.
وأضاف هند أن المثلية في الرواية هي صورة من تماثلات المثقف، فهي ليست مثلية جسدية بقدر ما هي مثلية فكرية، وهي ما يدينه صبحي، فالخطاب الروائي يقول لا يجب أن نفعل هذا، كي لا تكون هذه صورة المثقف، لا يجب أن يكون المثقف في خدمة تهيئة البلاد ووضعها الداخلي لصالح الخارج أو الكفيل الدولي.
وقال إن صبحي قدم رؤيته للكواليس ما جرى بها، وكان لابد أن يكتبها صبحي وغيره من الكتاب، إذ لابد من تفسير لما جرى، فإذا تأخر السياسي تقدم المثقف، وصبحي بأسلوبه الروائي قد رؤيته لكيف صنعت 25 يناير على نار هادئة في الجزء الخاص بالفقد، بينما صنعت 30 يونيو على عجل في الجزء الخاص بالاستعادة، وكيف أتى ذلك كلع في إطار صورة من صور تمثلات المثقف حسبما طرحه إدورد سعيد.