ما زالت أزمة مسرحية «المومس الفاضلة» للكاتب المسرحى الفرنسى الشهير جان بول سارتر «1905 - 1980»، تتصدر مُحركات البحث الإلكترونى حتى الآن، ما بين القبول والرفض، لمجرد طرح فكرة تقديمها مرة أخرى من جديد، فيرى بعض الفنانين المسرحيين أنَّ هذا العمل قُدِّم من قبل سابقًا ولم يحدث مثل هذه الضجة التى يشهدها رواد السوشيال ميديا ومواقع التواصل الاجتماعي، التى لا يجد توصيفًا مُناسبًا لها سوى «زوبعة فى فنجان»، نظرًا لأن العمل حتى الآن لم ينتج ويدرج فى أى خطة بمسارح الدولة، أو حتى الشروع فى إنتاجه، بينما هاجم الآخر وعلى رأسهم النائب أيمن محسب عضو مجلس النواب، عنوان المسرحية معتبرًا أن العرض لا يتناسب مع مجتمعنا المصري.
تفجرت الأزمة في أثناء حفل توقيع كتاب «سميحة أيوب.. سيدة المسرح العربي» للدكتور عمرو دوارة، ضمن فعاليات مهرجان شرم الشيخ الدولى للمسرح الشبابي، التي أسدل الستار عنه في 11نوفمبر 2021، عندما تناول مؤلف الكتاب بعض المواقف التوثيقية لبعض ذكريات سميحة أيوب وخاصة مع المخرج حمدى غيث عن دورها فى مسرحية «المومس الفاضلة» حتى وافقت على تجسيد شخصية الغانية «ليزي»، فالعرض يتناول قضية التفرقة العنصرية بأمريكا، إلا أن الفنانة إلهام شاهين انبهرت من الحديث حول فكرة العمل، واقترحت تقديم هذه المسرحية، وطالبت الفنانة سميحة أيوب بما أنها قدَّمت هذا العمل قبل سابق لإخراجه، ويكون عودة لـ«شاهين» للمسرح من جديد، ومن هنا اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعى لمجرد طرح فكرة تقديمه من جديد فلاقت موجة من الرفض.
البوابة نيوز تلتقي بمجموعة من المسرحيين والأكاديميين، لشرح حقيقة هذه المسرحية وتفاقم الأزمة.
مسرحيون يكشفون حقيقة «المومس الفاضلة».. وهجوم برلمانى على إعادة تقديمها
عمرو دوارة: افتعال أزمة «المومس الفاضلة» مجرد «زوبعة فى فنجان»
قال المؤرخ المسرحى الدكتور عمرو دوارة: إنه خلال حفل توقيع كتابه «سميحة أيوب.. سيدة المسرح العربي» ضمن فعاليات مهرجان شرم الشيخ للمسرح الشبابى فى دورته السادسة، بحضور كوكبة من المسرحيين والفنانين من مختلف الأجيال وعلى رأسهم الفنانة إلهام شاهين، وعرض أهم تفاصيله، مشيرًا إلى صدق الفنانة سميحة أيوب فى كتابتها لذكرياتها المسرحية، واعترافها بتراجعها عن موقفها المتشدد من مسرحية «المومس الفاضلة»، للفلسفى الوجودى الفرنسى جان بول سارتر، بسبب عنوانها الصادم، وذلك بفضل توجيه مخرج المسرحية الفنان حمدى غيث، الذى نجح فى ذلك الوقت إقناعها بالمشاركة ببطولة العمل بمشاركة الفنانين حسين رياض، وحسن البارودي، وتوفيق الدقن، وعمر الحريري، التى قدَّمهتا فرقة المسرح القومى عام 1958.
وتابع، أنَّ الفنانة سميحة أيوب حينما أعادت قراءة المسرحية اقتنعت بوجهة نظر مخرج العمل حمدى غيث، حتى وافقت على تجسيد شخصية العاهرة «ليزي»، فالمسرحية تتناول قضية التفرقة العنصرية بأمريكا، وتوضح أن موقف السياسيين كان أكثر سلبًا وتدنيًا فى مقابل ذلك الموقف الشريف لتلك «المومس» التى احتفظت بإنسانيتها ورفضت المشاركة فى تقديم شهادة زور لتلصق تهمة القتل بأحد الزنوج الأبرياء، كما طلب منها إنقاذ أحد كبار المسئولين البيض ابن "سيناتور" بمجلس النواب الأمريكى من عقوبته.
وأضاف دوراة، أنه بمجرد إعلان الفنانة إلهام شاهين إعجابها بفكرة العمل ورغبتها فى العودة للمسرح من جديد بهذا النص الذى يصف بالجرأة لمجرد استماعها للحديث وهى لم تقرأ النص، فاقترحت على الفنانة سميحة أيوب أن تقوم بإخراجه لها، خاصة وأنها المتحمسة لتلك الشخصية، التى أجادتها ببراعة قبل سابق، وأشارت «أيوب» فى إحدى حواراتها مع الناقد رجاء النقاش فى بداية ستينيات القرن الماضي، إلى «المومس» البريئة الشريفة التى أرادت أن تتطهر من الإثم والخطيئة، حتى نجحت فى الكشف عن حقيقتها الإنسانية الراقية برفضها التزييف تمامًا.
ومن هنا تفجرت القضية لمجرد إعلان «شاهين» رغبتها فى تجسيد ذلك الدور كل تلك الضجة التى وصلت لمجلس النواب، والذى تصور أن أمامه كثيرًا من القضايا المهمة والهموم الآنية التى يجب أن يتفرغ لها لصالح جماهير الشعب التى انتخبتهم، لذلك يعترف «دوارة» أنه المتسبب الرئيسى لتلك الأزمة المُفتعلة حول مسرحية «المومس الفاضلة»، التى لا يجد توصيفًا مُناسبًا لها سوى «زوبعة في فنجان»، نظرًا لأن العمل حتى الآن لم ينتج ويُدرج فى أى خطة بمسارح الدولة، والشروع فى إنتاجها وأن كل تلك الزوبعة والمهاترات لا تعدو إلا مُجرد محاولات ساذجة لركوب الموجة ولفت الأنظار واستغلال وتوظيف لاهتمام أجهزة الإعلام.
وأوضح دوارة، أنه سجَّل بعض الحقائق الموثقة عن تلك المسرحية ومن بينها: أنه قد سبق تقديمها كذلك فى البرنامج الثقافي الثانى حاليًا بنفس العنوان، للمخرج محمد توفيق، وشارك فى بطولة العمل كل من: سناء جميل، وسعد أردش، وملك الجمل، وآخرون، مشيرًا إلى أن الأديب فتحى رضوان وهو أول وزير لوزارة الإرشاد القومى «وزارة الثقافة» بعد ثورة يوليو 1952، ألَّف مسرحية تحمل عنوان: «مومس تؤلف كتابا»، ونشرت فى أكثر من طبعة، وقدمت عدة مرات بفرق الهواة، والمسرح الجامعى أيضًا خلال الستينيات، وتستمر منصات التواصل الاجتماعى فى الاشتعال بين مؤيد ومعارض، ومن المدهش إعلان بعض المخرجين قرارهم بإخراج هذا النص أو ذاك قبل الحصول على نسخة ودراستها، وتطوع البعض الآخر بالدفاع عن «سارتر» واستعراض بعض معلوماتهم عنه.
أبو العلا السلاموني: ما يحدث تخلُّف ثقافي تقوده نُخبة متطرفة
قال الكاتب محمد أبو العلا السلاموني: إن ما حدث حول موضوع «المومس الفاضلة» دليلٌ على تخلُّف ثقافى فى المجتمع تقوده نُخبة متخلفة ومتطرفة لا تعي معنى الثقافة أو الفن، وإنما هى تؤمن بأفكار سلفية مُتخلفة عفى عليها الدهر تمامًا، مثلما حدث مع المستشار أحمد على ماهر، ذلك الرجل المفكر المستنير الذى يواجه تراث التخلف والتطرف والإرهاب، فتهاجمه طيور الظلام والقوانين المُهترئة التى تحكم عليه بالسجن لمدة 5 سنوات مع الأشغال، تصوره رجل فى هذا السن بعد أن كان ضابطًا بالقوات المسلحة، وخاض عدة حروب بداية من يونيو والاستنزاف وحرب أكتوبر المجيدة حتى أصيب فى هذه العمليات فداءً للوطن وحماية أراضيه.
وتابع: أنَّ علي ماهر تفرَّغ لدراسة التراث ومحاولة تنقيته مما يشوبه من تطرف وعنف وإرهاب، فإذا به يواجه من جماعات التَّخلُّف والتَّطرذُف والإرهاب وينتج عنه السجن، بينما هو المفكر الذى يمثل فكر ثورة 30يونيو 2013 ضد هذه الجماعات المتطرفة ومواجهة أهل الشر الذين يعبثون بفكر وثقافة المجتمع المصري.
أحمد عبد الرازق أبو العلا: المسرحية تتضمن قيمًا فلسفية أبرزها الصدق ومواجهة العنصرية
أشار الكاتب والناقد المسرحى أحمد عبد الرازق أبو العلا، إلى عدة نقاط بخصوص مسرحية «المومس الفاضلة» للفرنسى جان بول سارتر، الأولى: تتعلق بالعنوان الذى تُرجم به العمل، هناك ترجمات مختلفة له، فمرة وجدناه «البغى الفاضلة»، والأخرى «المومس الفاضلة»، وبناءً على ذلك يرى أن العنوان الذى أثار حفيظة البعض، يمكن تغييره بما لا يضر بموضوع المسرحية، ولقد حدث هذا كثيرًا مع عناوين روايات تحولت إلى أعمال سينمائية، بل وحدث مع نصوص أجنبية حين عرضت فى مصر لمتطلبات تجارية أو فنية، فمسألة تغيير العنوان واردة، ولا مشكلة بشأنها، والنقطة الثانية: أنَّ معظم الذين رفضوا وتسرعوا فى الرفض -من النُخبة- لم يقرأوا النص، ليعرفوا موضوعه بما وجَّه الرأى العام توجيهًا خاطئًا وتتحمل النخبة الرافضة نتيجة ذلك.
أمَّا النقطة الثالثة: تتعلق بطبيعة مجتمعنا، بفكره السلفى الواضح، ورفضه -للأسف- لكل ما هو مدني، أو علماني، هذا المجتمع ينبغى علينا أولًا أن نُخاطبه بالطريقة التى لا تؤدى إلى نفوره من أحاديث النخبة، بأن نوضح له الأمور بعقلانية، ولا نوجه له الاتهام بتخلّفه أو اللوم بعودته إلى الوراء، وذلك لأن تحولات كثيرة حدثت، خلال السنوات الماضية، ورسخت فى أذهان الناس قيمًا متباينة، لم تكن موجودة فى مجتمعنا من قبل، وعلينا جميعا -إذا كان لنا دور حقيقى- أن نُصحح الطريق، ونواجه نتائج تلك المتغيرات بطريقة تحكمها إستراتيجية وسياسة واضحة.
وأكد أبو العلا، النص موضوعه جيد، ويصلح لتقديمه فى أى مجتمع، لأنه يؤكد على قيم فلسفية مثل «الصدق، والشرف، ومحاربة العنصرية» وكون الكاتب قد استحضر امرأة بغي، فهذا ليس معناه أن القيم التى يشير النص إليها، ويؤكد عليها تذهب هباءً، أو تكون غير مقبولة من امرأة تبيع جسدها، لأن بيع الجسد هنا ليس هو موضوع المسرحية، وليس أيضًا موضوعها هو الدفاع عن البغي أو مهنتهًا، لكن الكاتب أتى بنموذج يرفض سلوكه أى مجتمع، حتى المجتمع الفرنسى ذاته -والذين سافروا وعاشوا فى الخارج يعلمون هذا تمامًا- وهذا النموذج الذى نرفض سلوكه أتى بسلوك عظيم، حين رفضت تلك المرأة طلب الرجل العنصرى الأبيض، الذى يعطيها أجر متعته معها بأن تشهد ضد الزنجى الأسود لتبرأ ساحته، وهنا ترفض طلبه بإباء وتصميم، لأنها لن تشارك فى جريمة إلصاق تهمة القتل لرجل بريء، والنص يشير إلى عنصرية المجرم الحقيقي.
وأوضح أبو العلا، أن نص الرواية يؤكد المرأة البغي كانت أشرف -فى موقفها- من الرجل الأبيض، بطبيعته العنصرية، والمشاهد حين يرى امرأة «مومس» أو «بغي» تفعل هذا بإباء وشرف، إنما يقدم المفارقة، التى تدفعك إلى احترام موقفها بصرف النظر عن مهنتها المرفوضة مجتمعيًا، وأخلاقيًا، هذا هو ما أراده «سارتر» وأراد التأكيد عليه، وهو الفيلسوف الوجودي، المؤمن بالحرية المُلتزمة، لاحظ هنا أن فكرة الالتزام يؤمن بها «سارتر»، شرطًا للحرية، فهو إذن ليس كاتبًا مُنحلًا، حتى نحاكمه على عنوان نص أراد أن يُعطى معنى غير المعنى الذى وصل لمن لم يقرأ النص.
وأشار أبو العلا، إلى النص صالح تمامًا ليُقدَّم على مسارحنا مع تغيير العنوان، بما لا يؤثر على مضمونه، وهنا نكون قد حققنا شيئين أولهما: تقديم نص جيد، وثانيهما: احترام مشاعر مَن يظن أننا نُقدِّم «المومس» بوصفها امرأة فاضلة، والنص لا يشير إلى ذلك من قريب أو من بعيد.
سميحة أيوب: شخصية «ليزي» من الأدوار الخالدة التي لعبتها على خشبة المسرح.. الجمهور الإفريقي شعر بجدية التجربة واستقبلها بوعي وتقدير.. ومَن ينتقدها فهم رجعيون
قالت الفنانة سميحة أيوب: إن دور «ليزي» الذى قدمته فى مسرحية «المومس الفاضلة» للفرنسى جان بول سارتر، على خشبة مسرح الأوبرا فى 1958، يُعد من الأدوار الخالدة التى لعبتها وقدمتها على خشبة المسرح، مضيفة: «أظن أن الفنان يتاح له كثيرًا أن يقدم مثل هذه الأدوار للجمهور، فهى تجربة جديدة فى مسرحنا العربي».
وأضافت «أيوب» أنها عندما كانت تقف على خشبة المسرح فى الليلة الأولى من العرض وهى تمرر بقلم «الروج» على شفتيها، فكانت تخاف من الجمهور، بأنه لا يقبل حركاتها على خشبة المسرح، ويستبخ الألفاظ التى يتطلبها الدور، وكان سبب نجاحها فى هذا الدور هو نسيانها كل شيء على المسرح سوى أنها «ليزي» المومس الفاضلة، موضحة أنها لا تفضل دورًا على دور، فالفنان الأصيل لا بد أن يعيش دوره مهما كان نوعه، مشيرة إلى دور «القديسة» التى قدمته فى مسرحية «دموع إبليس»، فيجب أن يتطور الفنان وتتسع أفقه ولا يجمد نفسه حتى لا ينتهى، فالفنان الصادق عبارة عن موهبة وإيمان وإخلاص.
وأكدت «أيوب» الجمهور الإفريقى عندما شاهد العمل آنذاك أحس بجدية التجربة، واستقبلها بوعى وتقدير، وهذا كان سببًا فى إيمانى بأن وعى الجمهور المسرحى قد تطور ونضج.
أمَّا عن الذين يقولون إن تمثيل هذا الدور لا علاقة له بالتطور الفني، وأن هذا العمل يصلح لمجتمع آخر غير مجتمعنا الشرقى ولكنها لا تصلح لنا آنذاك قالت «أيوب»: إنهم رجعيون، فالذين يقولون ذلك ينظرون إلى المسرحية نظرة سطحية، إنها أعمق من ذلك بكثير، وأعتقد أن خير مكان تمثل فيه هو القاهرة، وأن مأساة الزنوج فى أمريكا، التى يعالجها «سارتر» فى هذه المسرحية مرتبطة بنا أشد الارتباط.
وتابعت: أن بعض المغامرين والاستغلاليين الأوروبيين أخذوا من القاهرة الإفريقية بعض سكانها وأرسلوهم إلى أمريكا ليفلحوا الأرض كعبيد، وعندما انتهت مهمتهم بدأوا يتخلعون منهم بهذه الطريقة البشعة، التى تلقي عليها هذه المسرحية الخالدة الأضواء، ومن هذا يتضح أن المشكلة مشكلتنا نحن أبناء إفريقيا، لا سيما أن القاهرة تكاد تكون المكان الوحيد فى القارة المتحررة الآن من قيود الاستعمار، مؤكدة أن مسرحية «المومس الفاضلة» لـ«سارتر» من الأعمال الرائعة التى تدعو إلى تحرير العبيد وتقديمها على المسرح العربى محاولة كبيرة فى هذا الصدد، أمَّا بخصوص ما يدعي البعض الآن أن العمل لا يتناسب مع مجتمعنا المصرى فهم أيضًا رجعيون وغير مثقفين ولن يقرأوا النص نهائيًا.
المومس الفاضلة.. وفلسفة التَّحرُّر
إحدى روائع الفلسفى الوجودى جان بول سارتر، وترجمها من الفرنسية إلى العربية المترجم الدكتور عبد المنعم الحفني، وهى مسرحية من فصل واحد تضم لوحتين فنيتين، تتكون من ست شخصيات وهي: «ليزي»، و«فريد»، و«عضو مجلس الشيوخ»، و«الزنجي»، و«جون»، و«جيمس»، بالإضافة إلى شخصيتين ثانويتين، حيث تتناول الشخصية الإنسانية من ناحية الأخلاق.
قُدِّمت هذه المسرحية فى باريس لأول مرة عام 1946، بمسرح أنطونيو، ولعبت دور البطولة «هيلينا بوسي»، بالإضافة إلى عرضها مرة أخرى فى نيويورك فى العام 1948، وقدمتها فرقة المسرح القومى فى العام 1958، وشارك فى بطولتها كل من: سميحة أيوب، التى لعبت دور «الغانية»، وحسين رياض، وحسن البارودي، وتوفيق الدقن، وعمر الحريري، وآخرون، وإخراج حمدى غيث.
استوحى «سارتر» خلال مسرحيته «المومس الفاضلة» أحداثها من واقعة حقيقة حدثت بالفعل فى الولايات المتحدة الأمريكية فى العام 1931، والتى عُرفت إعلاميًا بـ«فتية سكوتسبورو»، عندما اتهمت سيدتان أمريكيتان تسعة مراهقين من أصول إفريقية باغتصابهما والحكم على ثمانية منهم بعقوبات تتراوح بين الإعدام والسجن لمدة 15 عامًا، دون محاكمات عادلة أو توقيع كشف طبى على السيدتين للتأكد من ارتكاب للواقعة.
تدور أحداث العرض حول فتاة ليل تدعى «ليزي» كانت هى الشاهدة الوحيدة على واقعة تعدي رجل أبيض على فتاة ليل داخل القطار، ولكن فى محاولة لتبرئته توجه الاتهامات إلى راكب أسود البشرة، فيضطر إلى الهروب فى محاولة لإثبات براءته، وتتعرض «ليزي» لضغوط شديدة من قبل والد الرجل الأبيض، الذى يعمل «سيناتور» فى مجلس النواب الأمريكي، فى محاولة لجعلها تشهد شهادة زور ضد الرجل الأسود فى المحكمة، وأمام رفضها يهددها بالقبض عليها بتهمة ممارسة «البغاء».
حققت هذه المسرحية نجاحًا كبيرًا جماهيريًا ونقديًا، حتى تحولت بعد ذلك إلى عمل سينمائى وآخر درامي، عُرض فى باريس.
جان بول سارتر.. فيلسوف الوجودية
يؤمن الفرنسى جان بول سارتر، بأنه يتعين على الإنسان أن يكون هو نفسه حرًا، وأن يُحدد لنفسه هدفًا ويسعى إلى تحقيقه، إدلاء أهداف فيما وراء وجوده، بل ما يُحدده هو لنفسه، ورغم شهرته كفيلسوف وأديب وكاتب مسرحى وسينمائي، فإن أبرز ما يميزه هو طرحه لنظرية الوجودية وارتباطها بشكل كامل لا انفصام فيه كأنهما وجهان لعملة واحدة، فالوجودية هى جان بول سارتر، وكذلك العكس، وهذه الفلسفة تقوم أساسًا على النظرة إلى الإنسان الفرض الذى ترى أن الوجود هو أهم صفاته وأنه غاية بذاته ولا أهداف ما وراء لوجوده، بل هو الذى يُحدد أهدافه بنفسه وتؤكد من جهة أخرى أن حرية الإنسان مطلقة ولا حدود لها.
تأثَّر «سارتر» فى كتاباته الأخيرة بماركس وحاول أن يخلق نوعًا من الفرضية الاجتماعية، التى وإن كانت لا تذوب فى المجتمع فإنها لا تسعى إلى الانفصال عنها، وإذا كانت الحرية واقعها هى الخطوة الأولى فى فلسفته، فإن استخدامه لهذه الحرية وتصرفه بها، أى الالتزام هى الخطوة التالية، فالإنسان قبل أن يعى حريته واستثمارها أى أنه أقرب إلى الأشياء منه إلى الكائن الحي، إلا أنه بعد أن يعى حريته يمسى مشروعًا قيمته المميزة، وكان يفكر بجدية فى بناء فلسفته الجادة التى تصلح كدليل وهذا الحياد فى هذا العالم المعاصر المليء بالقلق والاضطرابات عن طريق النظر والتأمل فى هذا العالم ومكان الإنسان فيه.
درس «سارتر» الفلسفة فى ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية، حين احتلت ألمانيا النازية فرنسا انخرط فى صفوف المقاومة الفرنسية السرية، وبعد الحرب أصبح رائدًا للمثقفين فى فرنسا، وقد أثرت فلسفته الوجودية التى نالت شعبية واسعة على معظم أدباء تلك الفترة، التى تميزت شخصيته بانفصاله عنه وبدت وكأنه موضوعات جدال وحوار أكثر منها مخلوقات بشرية، حتى تميز بوضع أبطاله فى عالم من إبداعه الأدبي.
كتب «سارتر» عددًا من الدراسات التى عالج فيها مسائل الخيال والعاطفة وتوجها بعمله الفلسفى الكبير وهو «الكون والعدم»، كما تميزت موضوعاته الدرامية بالتركيز على حالة أقرب إلى المأذق أو الورطة، ومسرحياته تدور معظمها حول الجهد الذى يبذله المرء لاختيار حياته وأسلوبه كما يرغب، والصراع الذى ينتج عن القوة التقليدية فى العالم التقليدى الذى يوقع البطل فى مآذق ويحاول مُحاصرته وإيقاعه به وتشويشه.