يؤمن الفلسفي الوجودي الفرنسي جان بول سارتر، بأنه يتعين على الإنسان أن يكون هو نفسه حرا، وأن يحدد لنفسه هدفا ويسعى إلى تحقيقه، إدلاء أهداف فيما وراء وجوده، بل ما يحدده هو لنفسه، ورغم شهرته كفيلسوف وأديب وكاتب مسرحي وسينمائي، فإن أبرز ما يميزه هو طرحه لنظرية الوجودية وارتباطها بشكل كامل لا انفصام فيه كأنهما وجهان لعملة واحدة، فالوجودية هي جان بول سارتر، وكذلك العكس، وهذه الفلسفة تقوم أساسا على النظرة إلى الإنسان الفرض الذي ترى أن الوجود هو أهم صفاته وأنه غاية بذاته ولا أهداف ما وراء لوجوده، بل هو الذي يحدد أهدافه بنفسه وتؤكد من جهة أخرى أن حرية الإنسان مطلقة ولا حدود لها.
تأثر "سارتر" في كتاباته الأخيرة بماركس وحاول أن يخلق نوعا من الفرضية الاجتماعية، التي وإن كانت لا تذوب في المجتمع فإنها لا تسعى إلى الانفصال عنها، وإذا كانت الحرية واقعها هي الخطوة الأولى في فلسفته، فإن استخدامه لهذه الحرية وتصرفه بها، أي الالتزام هي الخطوة التالية، فالإنسان قبل أن يعى حريته واستثمارها أي أنه أقرب إلى الأشياء منه إلى الكائن الحي، إلا أنه بعد أن يعي حريته يمسى مشروعا قيمته المميزة، وكان يفكر بجدية في بناء فلسفته الجادة التي تصلح كدليل وهذا الحياد في هذا العالم المعاصر المليء بالقلق والاضطرابات عن طريق النظر والتأمل في هذا العالم ومكان الإنسان فيه.
درس "سارتر" الفلسفة في ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية، حين احتلت ألمانيا النازية فرنسا انخرط في صفوف المقاومة الفرنسية السرية، وبعد الحرب أصبح رائدا للمثقفين في فرنسا، وقد أثرت فلسفته الوجودية التي نالت شعبية واسعة على معظم أدباء تلك الفترة، التي تميزت شخصيته بانفصاله عنه وبدت وكأنه موضوعات جدال وحوار أكثر منها مخلوقات بشرية، حتى تمير بوضع أبطاله في عالم من إبداعه الأدبي.
كتب "سارتر" عددا من الدراسات التي عالج فيها مسائل الخيال والعاطفة وتوجها بعمله الفلسفي الكبير وهو "الكون والعدم"، كما تميزت موضوعاته الدرامية بالتركيز على حالة أقرب إلى المأذق أو الورطة، ومسرحياته تدور معظمها حول الجهد الذي يبذله المرء لاختيار حياته وأسلوبه كما يرغب، والصراع الذي ينتج عن القوة التقليدية في العالم التقليدي الذي يوقع البطل في مآذق ويحاول محاصرته وإيقاعه به وتشويشه وتشويهه.