سحبت دول مجلس التعاون الخليجي (السعودية – الإمارات – البحرين) سفراءها من الدوحة احتجاجاً على ما وصفته (تدخلاً من قطر في الشئون الداخلية لدول مجلس التعاون الخليجي بشكل مباشر أو غير مباشر) على حين امتنعت الكويت عن الاشتراك في قرار السحب كونها الدولة/ الرئيس في القمة العربية القادمة الوشيكة، وهي الدولة التي تقوم بجهود وساطة للتوفيق بين القاهرة والدوحة.. وبعيداً عن اللغط السائر الدائر حول ذلك القرار غير المسبوق الذي ينذر بطرد قطر من مجلس التعاون، وعزلها تماماً عن شقيقاتها، وبعيداً – كذلك – عن آثار القرار المحتملة – إقليميا ودوليا – سواء بالتأثير على التنسيق السعودي/ القطري في دعم المعارضة السورية، أو إثارة موضوع تعامي قطر عن خطورة التأثيرات الإيرانية على القوى الشعبية في الخليج، أو تداعيات تصدع العلاقات الخليجية – القطرية على سياسات تصدير الغاز والبترول في المنطقة، أو تلك الظلال التي يلقيها القرار على المباحثات المرتقبة بين جلالة الملك عبد الله بن عبد العزيز خادم الحرمين مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما.. فإن زاوية استلفتتني في المشهد وهي المتعلقة بذلك التحرك السريع المتكافيء لنبيل العربي في مواجهة تلك الأزمة على نحو لم يظهر في تصرفات الأمين العام لجامعة الدول العربية من قبل.
وإذا نظرنا إلى مواقف نبيل العربي السابقة على الجملة لن نحتاج إلى كثير من الفراسة في تبين الدوافع القطرية التي حركته دائماً.. ولمَ لا وهو في منصبه وفوق مقعده الذي يتقاضى عنه 450 دولاراً في اليوم، جراء دعم قطري، بعدما اعترضت الدوحة وبعض الخرقاء والعملاء من نشطاء عملية يناير2011 (مؤيدين بمساندة بعض مجالس الحكماء والائتلافات الثورية) على ترشيح مصر للدكتور مفيد شهاب أميناً عاماً للجامعة، ثم رشحت مصر الدكتور مصطفى الفقي فاستماتت قطر في رفض ذلك الخيار، ورشحت بنفس القدر من الاستماتة نبيل العربي وكان لها ما أرادت، وتعددت مآثر الرجل القطرية منذ أن برك على مقعد قيادة الجامعة ومنها سابقة عقد 15 اجتماعاً للأمانات المساعدة بالجامعة في الدوحة وليس في القاهرة (دولة المقر)، ثم أنه أطلق وعداً من النوع الذي يطلق عليه (وعد من لا يملك لمن لا يستحق) بأن يكون آخر أمين عام مصري لجامعة الدول العربية، وأن ينفتح الطريق بعده لاختيار أمين عام من بلد آخر (وهي أمنية مزمنة لقطر حاولت تحقيقها بترشيحها اسما قطريا في مواجهة مصطفى الفقي) فكان الضغط الذي أفضى إلى سحب مصر لاسم مرشحها، وقبول ترشيح نبيل العربي مكانه نزولاً على الرغبة القطرية، ثم تتابعت مواقف العربي من أزمة سوريا، والتي كانت – قولا فصلا – تمهد الطريق أمام أحد فصائل الأزمة في مواجهة الجيش والنظام السوري، ونبيل العربي قبل ذلك هو الذي أدلى – وقتما كان وزيراً لخارجية مصر قبل اعتلائه مقعد الأمين العام لجامعة الدول العربية – بتصريح مخجل وأليم وصف فيه الموقف المصري من الهجوم الحمساوي الإجرامي عند معبر رفح عامي (2008) و(2009) بأنه: "جريمة حرب" كي يسترضي الإخوان عندما قفزوا إلى المشهد بعد وقائع عملية يناير، وحين رغب فى إسعاد قطر.. يعنى الرجل – وهو وزير خارجيتنا – كان يرغب في تقديمنا إلى المحكمة الجنائية الدولية، أو هو (بذلك التصريح) كان يمهد لأطراف أخرى أن تسحبنا إلى المحكمة الجنائية الدولية، وعلى هامش تلك الزاوية فإن سؤالاً يتبادر إلى الذهن حول الموقف الذى سيأخذه نبيل العربى ما إذا نفذت منظمة حماس تهديداتها باقتحام الحدود المصرية وفرضت فتح المعبر بصفة دائمة أمام حثالة ورعاع هذا الفصيل الإرهابي والاجرامي، وهو ما واجهه الجيش المصري بتحذير عنيف يقول: "لو تحركوا شبراً واحداً سيكون آخر يوم لهم فى الوجود".. هذا المشهد – بالذات – يدعو للتساؤل عن موقف نبيل العربى من ذلك الملف إذا ضرب الجيش المصرى أى اعتداء على سيادتنا عند الحدود مع غزة.
هل سيعتبر أمين الجامعة ذلك (جريمة حرب) ويجرى ليبلغ عنا المحكمة الجنائية الدولية؟!
ثم أليس نبيل العربى هذا هو الذى – بوحى قطرى أثناء عمله وزيراً لخارجية مصر – نادى باعتبار حلايب وشلاتين منطقة تكامل من دون أن يذكر أنها ستكون منطقة تكامل على جانبى الحدود.. يعنى هو انتزعها (نظرياً) من سيادة مصر وحدها.. وأعطى ميزة نسبية مذهلة لا يمكن تصديقها للسودان!!
ولقد قلبت في أوراقي القديمة عن نبيل العرب فوجدت نصاً دونته عن لقائي الوحيد بالرجل منذ أكثر من ثلاثين عاماً.. كانت المقابلة فى مكتب الأستاذ محمد حسنين هيكل وقد طلب – كريماً – منى أن أعاوده، فلما خففت إليه وجدت عنده السيد محمد إبراهيم كامل وزير الخارجية الأسبق، الذى استقال بعد كامب دافيد، وكان نبيل العربى (وهو على صلة مصاهرة بالأستاذ هيكل) واقفاً إلى جوار باب مكتب الأستاذ هيكل.. وظل واقفاً طيلة اللقاء.. ودونت تحت سطور مقدمة ورقتى عن المقابلة، أن سببها كان فروغ إبراهيم كامل من كتابة مذكراته ورغبته فى نشرها بالجريدة التى كنت مدير مكتبها فى القاهرة – آنذاك – وهى "الشرق الأوسط" الدولية السعودية، وهو الأمر الذى مر بتفاصيل كثيرة بعد موافقة إدارة الجريدة بجدة، فقد أعيدت صياغتها وأصبحت باسمها الذى عُرفت به: (السلام الضائع)، وسجلت أيضا فى تلك الفقرة سطورا عن خوفى من الكلب الضخم (رعد) الذى كان يجلس تحت قدمى إبراهيم كامل فى منزله بشارع جزيرة العرب بالمهندسين أثناء استكمالات إملائي الوزير الأسبق إياها (كما شبكت صورة لى برفقة السيد إبراهيم كامل والكلب رعد مع تلك الأوراق).. ولكن الذي يهمنا هو ما كتبت عن السيد نبيل العربي ضمن تلك الورقة وأنقله – هنا – حرفاً بحرف: "ما أدهشني في تلك المقابلة كلها هو موقف نبيل العربي الذي كان على وشك استلام منصبه كسفير لمصر في الهند.. إذ ارتضى الرجل أن يقوم بإسنادة نص إبراهيم كامل ومحاولة تسويقه (ولو بواسطة الأستاذ هيكل) رغم احتلاله تلك المكانة الوظيفية الرفيعة فى وزارة الخارجية، أى أنه كان يتبنى موقفاً مضاداً لموقف وزارته، ولكنه – مع ذلك – لم يستقل كمثل ما فعل إبراهيم كامل ومحمد رياض حين استقالا لان لهما آراء مضادة ومعارضة للحكومة وللخارجية.. موقف نبيل العربى يبعث على الحيرة وأراه غير منضبط وغير ملتزم على الجملة".
نبيل العربى – أيضاً – هو الذى أرسل القضية الليبية إلى مجلس الأمن ليتيح استخدام القوة تحت الفصل السابع ضد ليبيا ويجعلها إلى اليوم أشلاء دولة مبعثرة قابلة للاضطراب والتقسيم إلى ما لا نهاية.. وهو – كذلك – الذى أرسل ملف القضية السورية إلى مجلس الأمن فأسهم فى تحويل تلك الدولة العربية إلى أنقاض تحت تأثير المساعدات الإقليمية والغربية لقوى المعارضة المتطرفة في الجيش العربي الحر وجبهة النصرة وتنظيم الدولة الإسلامية فى العراق والشام (داعش).
.......................
والآن يتحرك نبيل العربي بشأن مسألة سحب الدول الخليجية الثلاث لسفرائها من الدوحة ولابد أن يثير ذلك التحرك (فى إطار ما ذكرت من ملابسات وسوابق) قدراً من الريبة، فهل سيتدخل الأمين العام لجامعة الدول العربية للصالح العربى العام ضد دولة قطر المجرمة التي تنثر الفوضى فى كل مكان، وتضرب استقرار وسيادة الدول العربية لصالح مخططات دولية وإقليمية منحطة، أم أن تدخله فى أزمة سحب دول الخليج لسفرائها سيكون لصالح قطر، ولتهدئة الأوضاع معها على نحو يمكنها من مواصلة دورها الاإجرامي؟
بعبارة أخرى.. هل سيلعب نبيل العربي في هذه الأزمة دوراً عربياً أم قطرياً؟.. وما الذى تغير كى يقف نبيل العربى فى صف العروبة وقد انتفضت لتساند مصر فى مواجهة المؤامرة الكبرى التي تواجهها فيما الرجل تفاني – فى نمكية – لخدمة قطر منذ اعتلائه سدة القيادة فى جامعة الدول العربية وحتى الآن.