هل الإنسان مخير أم مسير؟ جد موضوع مهم طالما كثر حوله النقاش وكثرت حوله الآراء وتعددت وجهات النظر. فهناك من يقول أنه من الموضوعات التي بحثت باستفاضة ونحن لا نختلف في ذلك، لكن لأن هذا الموضوع من الموضوعات المهمة والتي لا يمكن بحال من الأحوال إغلاق دفاتره، والسبب في غاية البساطة لأنه موضوع يخص الإنسان وبما أن الإنسان موجود، إذن ستظل هذه القضية شغل كل ذي بصيرة الشاغل. وفي معالجتنا للموضوع ولهذا المشكل، لن نذهب مثلما ذهب الجبريون، أن لا حرية للإنسان علي الإطلاق، وأنه لا يمتلك من أمره شيئا، وغنما هو مجبر في أفعاله جبرا مطلقا.
ولن نذهب خلف المعتزلة التي قررت أن الإنسان خالق لأفعاله، أي أن الإنسان حر وأن أفعاله من تلقاء ذاته لا أحد يملي عليه إملاءات.
ولا أن نساير الأشاعرة الذين قالوا أن الله خالق للأفعال والعبد كاسب لها أي ارتباط إرادة الإنسان بإرادة الله، لأننا نري أن هذه جبرية مقنعة.
ولا نسير خلف الصوفي الذي جعل العبد بين يدي الله كالميت في يدي الغاسل يقلبه كيفما يشاء. وإنما سنحاول أن نقول رأينا بكل موضوعية، نحن أبناء القرن الحادي والعشرون، عصر التقدم العلمي والتقني والانفتاح الثقافي -ولن أقول الانفلات الثقافي- والسموات المفتوحة وثورة المعلومات والإتصالات والبعثات العلمية إلي دول الغرب والتعرف علي عادات وتقاليد قد تتعارض مع عاداتنا وتقاليدنا لكن، هل الإنسان اختلف هل قيمه اختلفت هل مبادئه تغيرت، هل لأنه لا يرآه أحد أن يفعل ما يشاء في أي وقت يشاء هل بمجرد أن تقلع به الطائرة من بلده وتحط به في بلد أوربي مثلا أن يترك هويته وثقافته وقيمه ومبادئه من حيث أتي، ويلبس ثياب جديدة ليست علي مقاسه بدعوي الحرية والمدنية والمواكبة، نحن لا نرفض المواكبة والتقدم والتعلم والانطلاق للامام، ولكن ما نرفضه هو الامعية فقدان وانسحاق الهوية، نحن نعرف الكثير ممن سافروا إلي بلاد الغرب ذهبوا وتعلموا وحصلوا علي أعلى الدرجات العلمية وكان من الممكن أن يفعلوا مايحلوا لهم ولا أحد يراهم لكنهم حافظوا علي شخصياتهم وهوياتهم، هل معني ذلك أن هؤلاء ليس لديهم حرية وليسوا أحرار. في أيامنا هذه وأرد على من يقول أن هذا الموضوع قتل بحثا، نسمع هذه الكلمة التي للأسف توظف توظيفا خاطئا عند كثيرين (أنا حر،أنا حرة، نحن أحرار). نعم يا سادة أنتم أحرار ولا أحد ينكر عليكم هذه الحرية، لأن الله كفلها لك فإذا كان الإله كفل لك حرية الاعتقاد لا اكراه في الدين، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، وكذلك أعطاك حريتك في حمل الأمانة التكليف، إنا عرضنا الأمانة علي السموات والأرض والجبال فاشفقن منها وحملها الإنسان. والأمانة مسؤولية، فالحرية مسؤولية، فنجد الشباب وخصوصا شباب الجامعات وأخصهم بالذكر لأننا يوميا نتعامل معهم ونتفهم مشاكلهم،عندما تحاورهم في مسألة ثانوية كاللباس مثلا. لم تلبس البنطال مقطع، أو الفتاة لماذا ترتدين هذا الزي الذي لا يتناسب مع الجامعة. تجد الرد حاضرا نحن أحرار. يا سيداتي وسادتي، يا أبنائي الأعزاء، كل من يصل إليه نداءي. هل الحرية أن نفعل ما نشاء في أي وقت نشاء، هل الحرية أن نتخلي عن قيمنا عن مبادئنا التي نشأنا عليها، عن عاداتنا وتقاليدنا، عن ديننا. وإذا قلنا ذلك نتهم بالرجعية وعدم المعاصرة والمواكبة لروح العصر ونتهم بالتخلف.، المعاصرة الحقيقية والمدنية الحديثة ليس في التقليد الأعمى وانما في التفوق العلمي والتقني واحداث صحوة علمية مبنية علي أسس حديثة ليستفيد منها وبها واقعنا المعيش. لابد أن يكون لدينا خطاب توعوي للشباب دون الصد والترهيب فهذا الأسلوب لا يصلح في هذه الأيام وستزداد الفجوة. وحتي إذا ناقشناهم في موضوع خطير لماذا أنت اعتنقت الإلحاد ونزعة اللادين يقول أنا حر يا بني هذه ليست حرية وفي إحدى الحوارات التليفزيونية المذيع يسأل الشاب عن رأيه في الزنا يقول هذه حرية ويقول له المذيع هل ترضاه لأختك يقول إذا رضيت وهذه حرية -لا تنزعجوا -القضية أكبر من الانزعاج، القضية تحتاح تكاتف الأيدي وتضافر الجهود لإعادة الهيبة والقيمة للحرية المسؤولة، وذلك عن طريق خطاب تجديدي توعوي تثقيفي، فالحرية مكفولة ولكن هناك شروط وضوابط لها فأنت حر إذا لم تؤذ جارك، إذا لم تؤذ مجتمعك، فأنت لا تعيش منفردا وحتي إذا كان ذلك كذلك. فأنت لست حرا تتفنن في إيذاء نفسك. ورب سائل يسأل ويقول هذه جبرية أن تضع ضوابط للحرية أجابهه بسؤال هل تريدها حرية مطلقة تفعل ما تشاء. يا بني هذه ليست حرية وإنما فوضوية عبثية هل تريد أن تقضي وتفني حياتك عبثا. إن أردت فافعل ما شئت ولد تخجل حتي إن لم تخجل أمام الاخرين هل لا تخجل أمام نفسك وإن لم تخجل أمام نفسك فاذهب حيث تشاء بحريتك، التي أرى أنها لن تقودك إلا إلي التيه والضلال.