بدأ الأقباط المصريون الأرثوزكس صيام الميلاد، ولهذا الصيام تاريخ، فهناك من يري أنه بدأ منذ القرن الأول الميلادي في حين يري آخرون أنه بدأ في القرن الرابع، ولكن وفق المؤرخون، استمر الاستعداد لـ"برامون" عيد الميلاد إلى أن جاء البطريرك عبد المسيح 1047 -1077م، فأصدر سلسلة من القوانين وهى تحوى على 31 قانونًا وتنص على المادتين 15، 16 كالآتى: "وكذلك صوم الميلاد المقدس يكون من عيد مارى مينا خمسة عشر يومًا من هاتور 24 نوفمبر إلى تسعة وعشرين يومًا من كيهك 7 يناير.
وإن وافق عيد الميلاد يوم الأربعاء أو يوم الجمعة فيفطروا فيه ولا يصوموا بالجملة، إذا هذه المدة 43 يومًا وتقاليد هذه الحقبة تكتب بأن مدة صوم الميلاد كانت في هذه الحقبة التاريخية أربعين يوما فقط لا غير، وأما للثلاثة أيام التى أضيفت في وقت لاحق، إما لإحياء ذكرى معجزة نقل جبل المقطم، وذلك في العام 969م في عهد البطريرك إبرام بن زرعه "975- 978م" فأصبح عدد أيام صوم الميلاد 43 يوما.
وقوانين البطريرك غبريال بن تريك "1131- 1145م" تنص المادتان 4 و5 كالآتى: "يا إخوتنا تحفظوا في أيام الأعياد، التى هى الميلاد للرب وتكملوه في خمسة وعشرين يومًا، من الشهر التاسع أى 25 ديسمبر للعبرانيين الذى هو التاسع وعشرون من الشهر الرابع الذى للمصريين أيّ 29 كيهك الموافق 7 يناير، بالإضافة إلى ذلك نص القانونيين 39، 40 كالتالى "لا تعملوا في يوم ميلاد المسيح، لأن النعمة أعطيت للبشر في ذلك اليوم بسرعة، ولما ولد الكلمة يسوع المسيح من مريم العذراء".
وفى كتاب مجموع القوانين الكنسية للأحكام الشرعية المسيحية يُسطر لنا الصفى أبو الفضائل ماجد أبو المفضل أسعد أبو إسحق إبراهيم أبو البشر يوحنّا الكاتب المصرى العسّال، ولد على الأرجح في النصف الثانى من القرن الثانى عشر: "وهو الصوم المتقدم للميلاد، وأوله نصف هاتور، وفصحه يوم الميلاد، وصوم اليوم الذى للميلاد غده واليوم الذى للغطاس غده يقصد بذلك اليومين اللذين يسبقان يومى عيدى الميلاد والغطاس ويسمى كل منهما برامون أى الاستعداد.
وازدهر في النصف الأول من القرن الرابع عشر الكاهن شمس الرئاسة أبو البركات ابن كبر، الذى توفى في سنة1324م، ويخبرنا هذا الكاتب في كتابه المعروف بمصباح الظلمة في إيضاح الخدمة عن صوم الميلاد في الباب الثانى عشر: "فرض على المسيحيين عيدى الميلاد والغطاس ولكن دون ذكر المدة".
وفى كتاب الجوهرة النفيسة في علوم الكنيسة للكاتب الأرشدياكون يوحنا ابن أبى زكريا ابن السباع في أواخر القرن الرابع عشر، يخبرنا في الباب الثانى والثلاثين من كتابة كالتالى: "وما صوم الميلاد المجيد لم يكن رتبة في البيعة إلا الأنبا عبد المسيح 1047 – 1077م".
وفى عهد البطريرك الأنبا غبريـال الثامن 1587- 1603م في السنة 1602 تم تعديل صوم الميلاد ومدته 29 يومًا، ويكتب القمص صموئيل تاوضروس السرياني: في مجلة رسالة المحبة، ديسمبر، 1982، ص284: "عقد البطريرك يوساب الثانى 1946- 1956م، مجمعًا وقد وافق على قرارات هذا البطريرك غبريال 1602م وزاد عليها فطر الأربعاء والجمعة الواقعة بين الميلاد والغطاس أسوة بأيام الخماسين المقدّسة".
المستحيلات:
يسمى صوم الميلاد بصوم المستحيلات لأنه حدث به مستحيلان وهما: مستحيل أن تلد عذراء، مستحيل أن يتم نقل جبل.
ولهذا يقال إن الطلبات المستحيلة تتحقق ببركة هذه الصيام.
وللسيدة العذراء مكانة روحية كبير في هذا الصيام، ووفق موقع الأنبا تكلاهيمانوت هناك عشرة مستحيلات أيضا للقديسة مريم أم المسيح عيسي ابن مريم:
المستحيل الأول:
السيدة قط لا تسمي عذراء... والعذراء قط لا تدعي سيدة، وقد تصير العذراء سيدة لكن من الاستحالة أن تعود السيدة عذراء..
المستحيل الثاني: من المستحيل أن يصير الذكر أبا بغير أنثي، أو أن تصبح الأنثى أما.... بغير ذكر.. أما السيدة العذراء فهي أم لكن بلا زوج ولا زواج.
المستحيل الثالث:
وإن حبلت العذراء فرضا وهي عذراء.. فمن المستحيل أن تدعها الولادة دائمة العذراوية..
المستحيل الرابع:
إن آدم الأول، جُبل من جُبلة، وحواء الأولي خلقت من مخلوق..
فمن الاستحالة أن يلد المخلوق خالقه...
المستحيل الخامس:
من الميسور على الأرواح أن تري الأرواح وتري الأجساد أيضًا...
أما العذراء فقد أتاحت للأجساد رؤية روحها الطهور بدون جسد..
كما يحدث في ظهورات العذراء....
المستحيل السادس:
لكل روح أن تصعد إلى السماء بعد انفصالها عن الجسد أما العذراء: فقد صعدت بالروح ثم بالجسد...
المستحيل السابع:
من الممكن أحيانا أن عينا تذرف دموع في أفراح أو في أحزان في وقت واحد، أما العذراء مريم فقد ابتهجت كإنسانة لقبولها الخلاص.. وانفطرت كأم عند رؤيتها صليبه....
المستحيل الثامن:
أمومة الأم لابنها تمنع بنوتها له:
أما العذراء الأم هي أيضا ابنه.. والعذراء العروس هي أيضا أخت.. والعذراء الملكة هي أيضا عبدة....
المستحيل التاسع:
لن نخشى على الله إذا دنا منه إنسان، أما العذراء فقد ضربت بهذا المستحيل عرض حائطه، لأنها حملت واحتملت النار الآكلة، دونما تحترق...
المستحيل العاشر:
حملت ابنة حواء مريم بالسيد المسيح بغير خطية
مكانة العذراء في الصلوات بالصيام "الشهر المريمي".
ينتظر الأقباط من العام للعام، «شهر كيهك»، أو كما يطلق عليه شهر الكنوز أو الشهر المريمى، الذى يأتى بنهاية العام الميلادى، لينهى الأقباط المصريون عامهم بالتسبيح، ويبدأون الجديد بالتمجيد..
ويعد شهر كيهك «السابق لميلاد السيد المسيح» هو من أكثر الشهور روحانية، حيث تكثر فيه التسابيح والصلوات والتى تمتد فيها التسبحة الواحدة، لنحو 7 ساعات ليلية، وخصصت الكنيسة لطقوس صلاته، كتابا خاصا يشمل تسابيحه ويسمى «الأبصلمودية الكيهكية».
تقيم الكنائس صلوات على مدى شهر وتسمى باسم «شهر كيهك»، وهو شهر مقدس تهتم به الكنيسة، حيث تقيم الكنائس صلوات تسبحة خاصة تسمى بعدة أسماء منها: «شهر التسبحة، والتسبحة الكيهكية، وتسبحة سبعة وأربعة، وتسبيح الشهر المريمي".
تسمية «تسبحة سبعة وأربعة» تعود إلى عدة أسباب منها أن السبعة ترمز إلى «ثيؤطوكيات» وهي جمع لكلمة «ثيؤطوكية» وتعني تمجيد خاص للعذراء مريم، ومعناها باليونانية «حاملة الإلة»، أما الأربعة فتعود إلى الأربع «هوسات»، وهي جمع لكلمة «هوس»، وهي كلمة قبطية معناها «التسبيح"، أما الأربع هوسات هي تسبحة موسى النبي بعد عبور البحر الأحمر، والذي كان رمزًا للمعمودية.
وكل سنة ومصر بخير.
