"الأقصر بلدنا بلد سواح فيها الأجانب تتفسح".. تلك الكلمات لا تعد مجرد فحوى لأغنية شهيرة ضمن سياق درامي لأحد الأفلام الخالدة في تاريخ السينما، إنما أصبحت تلك الأغنية أسلوب حياة يعبر عن مدينة تعد من أشهر المدن التاريخية في العالم، كما تم اختيارها كعاصمة للسياحة العالمية منذ عدة سنوات، وهي الأغنية التي تتردد حاليا بشكل مكثف بالتزامن مع إعادة فتح طريق الكباش.
تلك المدينة التاريخية كانت في حاجة لقبلة الحياة، بعد مرورها بأزمة عصيبة لازمتها خلال العشر سنوات الماضية، وتحديداً بعد اندلاع ثورة 25 يناير، حيث مر القطاع السياحي بالمحافظة، بفترات صعود وهبوط وتراجعت نسب الإشغال السياحي بشكل كبير، وهو ما دفع الدولة في إطار جهودها في بناء "الجمهورية الجديدة" إلى السعي لعودة المحافظة التاريخية لرونقها وسابق عهدها، وانتشال أهلها من تلك الأزمة الطاحنة عبر تنفيذ جهود متتالية لاستعادة الوجه الحضاري للأقصر وإقامة العديد من المشروعات السياحية التي تسهم في حل تلك الأزمة، وعلى رأسها مشروع تطوير مدينة الأقصر وتزيينها وإعادة إحياء طريق الكباش التاريخي.
4 سنوات متواصلة من العمل الشاق، منذ إعطاء الرئيس عبد الفتاح السيسي، إشارة البدء لإعادة العمل بهذا الطريق في عام 2017 بعد أن توقف العمل به في عام 2011، لتتوالى بعد ذلك الخطوات نحو تمهيد الطريق وإعادة إحيائه من جديد، والذي من شأنه أن يحول الأقصر إلى متحف مفتوح، يعطى للمدينة رونقا جذابا وصورة بصرية تأسر قلوب زوارها، خاصة سائحي الخارج لتفاجئهم المدينة بزيها الجديد.
ومنذ عام 2017 وحتى عام 2021 لم تتوقف تلك الجهود، لتكلل اليوم بالافتتاح الرئاسي لطريق الكباش بمدينة الأقصر، في حفل عالمي يقام على أرضها يضاهي حفل موكب المومياوات الملكية، وينتظره الملايين حول العالم، وتستعد له المحافظة التاريخية منذ عدة شهور مضت، حيث يعد يوم 25 نوفمبر 2021 ميلاد جديد لمدينة الأقصر.
وتعيش الأقصر، حالة من التأهب، استعدادا لحفل افتتاح «طريق الكباش»، حيث استكملت المحافظة أعمال التطوير، ورفع كفاءة الشوارع والميادين الرئيسية، وجرى وضع اللمسات النهائية الخاصة بأعمال التجميل وتزيين الميادين بالزهور والورد، خاصة في طريق الكورنيش الذي تم منع حركة السيارات عليه، وتغيير اتجاهات الحركة المرورية للشوارع الداخلية، وتجميل المنطقة المجاورة لمعبد الأقصر، والممتدة إلى طريق الكباش، وزراعة المساحات الخالية بجوار الطريق بأشجار النخيل.
كما انتهت وزارة السياحة والآثار من وضع اللمسات الأخيرة على الطريق، وتركيب اللوحات الخاصة في معرض الصور الدائم على جوانب الطريق، و على الجزء الأسفل الجديد من الكورنيش، أو ما كان معروفا سابقا بـ "مرسى وزارة السياحة والآثار"، والممتد لمسافة ١٧٠٠ متر، وضع أبناء وبنات الأقصر من أساتذة وطلبة وطالبات كلية الفنون الجميلة بجامعة الأقصر، بصماتهم من خلال ٢٨ جدارية، تروى كل منها قصة من تاريخ الفراعنة وحياتهم المنزلية ورحلات الملوك عبر النيل، ومراسم دفنهم والحروب التي خاضوها والاحتفالات وأدوات الموسيقى والمعابد مثل معبد حتشبسوت.
وقالت المهندسة مي السعدي مديرة المكتب الفني بالشركة المنفذة لمشروع الكورنيش، إن تلك الجداريات تضم ١١ جدارية مرسومة، واستغرق تنفيذها شهرا ونصف الشهر، و ١٧ من “البوليستر”، وتم تنفيذها على مرحلتين، القطاع الأول يضم ٥ جداريات واستغرق تنفيذها المدة نفسها، بينما القطاع الثاني يضم ١٢ جدارية واستغرقت ٣ أشهر ونصف الشهر، لأن “البوليستر” يتم نحته يدويا على الطين وتشكيله على شاسيهات، ليتزين الكورنيش لزواره من أهالي الأقصر والسائحين والقادمين لمشاركة المدينة احتفالاتها بافتتاح طريق الكباش.
وفيما يخص حفل افتتاح طريق الكباش، والذي من المقرر أن يقام بمعبد الأقصر بحضور الرئيس عبدالفتاح السيسي وبمشاركة حوالي 100 شخصية سياسية ودولية مرموقة من بينهم 35 سفيرا من ممثلي الدول الأجنبية وما يزيد على 50 مراسلا صحفيا من مراسلي وكالات ووسائل الإعلام الأجنبية لنقل فعاليات الاحتفال، كما سيتم تقديم فقرة فنية يشترك بها الفنان محمد حماقي والفنانة أسماء أبو اليزيد في تقديم أغنية تم إعدادها خصيصا للحفل، كما سيتم تقديم عرض من فرقة الأوبرا المصرية بقيادة المايسترو نادر عباسي، وسيشارك ما يقرب من الـ30 طفلا في العرض الخاص بالحفل، وعرض فيلم وثائقي قصير يتحدث فيه عدد من الشخصيات الأثرية التي شاركت في أعمال مشروع طريق الكباش بمقدمتهم الدكتور خالد العناني وزير السياحة والآثار وعدد من شباب الأثريين بالإضافة إلى عدد من الفنانين والشخصيات العامة، ويهدف الفيلم إلى إبراز الوجه الجمالي الخاص بالأقصر، من خلال تقديم مشروع الهوية البصرية ومشروع تطوير الكورنيش.
وقال المهندس أسعد مصطفى مدير مشروع تطوير الأقصر، إنه تم الانتهاء من عدد من المشروعات في هذا الإطار من بينها رصف كل الطرق المحيطة بالمنطقة الأثرية وتم تطوير أكثر من 75 من أحواض الزهور بمسطحات مختلفة، وتم ذلك تحت إشراف دوري من المستشار مصطفى ألهم محافظ الأقصر.
جدير بالذكر، أن طول طريق الكباش يبلغ 2700 متر، فيما يبلغ عدد الكباش المتواجدة ١٠٥٩ كبشا، وتتنوع التماثيل إلى 3 أنواع، النوع الأول يأتي على شكل جسم أسد ورأس كبش وفي مقدمته تمثال صغير للملك توت عنخ آمون، وهو في بداية الطريق ما بين الصرح العاشر لمعبد الكرنك حتى معبد موت وعددها 128 تمثالا، والنوع الثاني يتخذ شكل كبش كامل، رأس وجسم كبش وفي مقدمته تمثال للملك أمنحتب الثالث وعددها 120 تمثالا وموجود في المنطقة الخاصة بمعبد الإله خنسو، والنوع الثالث عبارة عن جسم أسد ورأس إنسان على شكل الملك نختنبو الذي قام بتشييده ويمتد من معبد موت في الاتجاه الغربي للنيل ثم يتجه نحو المحور الجنوبي من معبد الكرنك الممتد حتى معبد الأقصر وهى الأكثر في العدد على طول الطريق ليصل عددها إلى 811 تمثالا.
وكانت وزارة السياحة والآثار، قد قررت السماح للإعلاميين والصحفيين والمصورين من مختلف وسائل الإعلام المحلية والدولية بالتصوير مجاناً داخل معابد الكرنك والأقصر، غدا الجمعة، خلال ساعات الزيارة المقررة لهم للتعرف على ما تم من أعمال ترميم وتطوير وبالتزامن مع فعالية «الأقصر.. طريق الكباش» في ظل انتهاء الدولة من رفع كفاءة البنية التحتية بالمحافظة وتطوير وتجميل الكورنيش والشوارع والميادين لها وتطوير طريق المواكب الكبرى المعروف إعلامياً بطريق الكباش.