الأحد 24 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

البوابة لايت

«زاوية سلطان».. قصة قباب وأضرحة تحكى أسرار التاريخ على ضفاف النيل فى المنيا

زاوية سلطان
زاوية سلطان
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

أمواج من القباب المصفوفة يفوح منها عبق التاريخ في مشهد يدهش ويبهر الناظرين، وتحتل تلك القباب المكانة الثانية بعد البقيع الثاني لقرية البهنسا التي تضم عددا كبيرا من أضرحة ومقامات الصحابة، والتابعين وتحتضن عددا كبيرا من أضرحة علماء التفسير الذين قدموا تفاسير للقرآن الكريم، وآخرين مازالت تتردد أصداء معجزاتهم على مسامع المريدين من طالبي تحقيق الأمنيات هى «زاوية سلطان» بمدينة المنيا.
تقع زاوية السلطان على الضفة الشرقية للنيل على بعد نحو 7 كيلومترات وكانت تسمى حبنو عاصمة الإقليم السادس عشر من أقاليم مصر العليا أما الاسم الحالي للمنطقة هو زاوية الأموات بسبب تشييد سكان المنيا الحديثة مقابرهم التي تعلوها القباب.
وتضم المنطقة العديد من الآثار التي تعود إلى عصور مختلفة مثل العصور الفرعونية، واليونانية، والرومانية ومن أبرز آثار المنطقة هى بقايا هرم”حبنو” المدرج، وهو عبارة عن قاعدة هرم ملكي مهشمة من حجر الجير، ويرجح تاريخه أنه من عصر الأسرة الثالثة ويوجد بالمنطقة تل من قطع الفخار والطوب يعرف باسم الكوم الأحمر.

مقبرة رئيس الكهنة وكاتب الملك
ومن أهم المقابر بالمنطقة مقبرة «خنس» وهو حاكم العاصمة ومن ألقابه رئيس جميع الكهنة ومرشد الأرض وحاكم القصر العظيم، وكذلك مقبرة نفر سخرو وترجع هذه المقبرة إلى عصر الدولة الحديثة وكان نفر سخرو يشغل وظيفة كاتب الملك، والمشرف على صوامع مصر العليا.

مقابر عائلة محمد باشا سلطان
وأهم ما يميز قرية زاوية سلطان هى مقابر عائلة محمد باشا سلطان والمشيدة على الطراز الإسلامى وبأيدٍ فرنسية، على مساحة 1750 مترًا مربعًا منحوتة في الصخور والجبال يتوسطها فناء واسع محاط بساتر خشبى يضم بين جنباته الكثير من الشخصيات المهمة ومنهم والدة الفنان جميل راتب «نائلة هانم سلطان» شقيقة محمد سلطان باشا تلك المقابر تحولت إلى مزار شعبى لأبناء المحافظة، فمن تأخذه قدمه لزيارة المقابر بزاوية سلطان، لا بد أن يلقى نظرة على التحفة المعمارية التى تضم كبار رجال السياسة وهو محمد باشا سلطان أول رئيس مجلس نيابى أسس في مصر وعمر باشا سلطان وزوجته والدة الفنان جميل راتب، وهدى شعراوى محررة المرأة المصرية وهى ابنة محمد باشا سلطان وزوجة الثائر المعروف على باشا شعراوى وأحد أعضاء الوفد المصرى مع سعد باشا زغلول.
وتوفي محمد باشا سلطان توفى عام 1883 ميلادى-1301هجرى ومن أبرز الأضرحة الموجودة بها ضريح ابنته «أسما» ويتميز بزخارف كتابية رائعة والست «حسنملك» وضريح هدى شعراوى وتضم المجموعة مباني جنائزية عبارة عن قباب وأضرحة وتراكيب دفن ومبانى مدنية عبارة عن سلاملك وحرملك للإقامة ومخازن وبئر للمياه، والمباني من الحجر والطوب الأحمر، وقد ذكرها شامبليون، ووصفها بأنها تضم عددا من المقابر العتيقة التي لا يزال المسلمون يدفنون موتاهم فيها على الضفة اليمني للنيل وأكد حارس المقابر أن زيارة مقبرة «محمد باشا سلطان» ليست قاصرة على الأسرة فقط، وإنما الجميع يأتى لزيارتها من الخارج حتى إن هناك وفودا أجنبية وسائحين يأتون إلى تلك المقبره ليشاهدوا هذا الصرح العظيم.

مقبرة هدى شعراوى مزار سياحى يحكى تاريخ مصر بالذهب

وفى حضن جبل زاوية سلطان تقع مقبرة هدى شعراوى أول امرأة قادت أول ثورة نسائية في مصر بنيت من الطراز الرفيع تبدو كمتحف أو قصر يشبه قصر محمد على باشا أو قصر عابدين ذلك البناء الشاهق الذى يقع في أحضان جبل زاوية سلطان أو كما يسمونه زاوية الأموات والتى تعد من أكبر المدافن في مصر والتى يحيطها مدافن الأقباط والمسلمين والمقبرة مقامة على مساحة 1750 مترا ونحتت في الصخور والجبال المحيطة بالمقبرة من اتجاهين يتوسطه فناء واسع محاط بساتر خشبى من الخشب ليكون متنفسا يتوسط بين مقبرة هدى شعراوى ومقابر نظار محمد باشا سلطان والسلامليك والحرامليك وبها أكثر من مشربية ونوافذ من الخشب وعلى طراز إسلامى رفيع لأنها كانت وأبيها يعشقان الفن التشكيلى والرسم وهى مكونة من طابقين الأول بدروم يجمع مقتنيات هدى شعراوى من الجوائز والأوسمة ومؤلفاتها طيلة حياتها السياسية والاجتماعية على مدى أكثر من نصف قرن.
أما الطابق الثانى تصعد له من خارج المبنى على سلم منحوت في الصخر والقبر مبني من الطوب الأحمر المكوى والرملة والحمرة والفحم الأسود والجير والحجر الصخرى تعلوها قبه سماوية مزركشة بالألوان والمقبرة مطلاة بماء الذهب والألوان والرسوم ذات الطابع الإسلامى ومحاطة بالرخام والجرانيت الايطالي الذى أتى به محمد سلطان باشا حين كان رئيس مجلس الأعيان عن صعيد مصر في منتصف القرن الـ 19 وكانت هدى شعراوى تجلس في مقبرة العائلة لعدة ساعات وأحيانا كانت تأتى بصحبة أعضاء الاتحاد النسائي المصرى الذى كونته بعد ثورة 1919.
 

إمام المفسرين.. «القرطبى» اختار المنيا وعاش ودفن بها
كانت مصر عبر تاريخها محط رحال العلماء في مختلف الفنون والعلوم، فكثير منهم فيها سكنوا وتعلموا ودفنوا لتكون مقاماتهم مقصدًا للناس يأخذونها منها العبرة والعظة، ويتذكرون مآثر علماء الإسلام الأعلام ومن هؤلاء العلماء الأكابر الذين تشرفت بهم مصر وعاشوا فيها، ودفنوا فيها، الإمام القرطبي، إمام أهل التفسير الذي يعد كتابه «الجامع لأحكام القرآن» من أشهر كتب التفاسير الأربعة لأهل السنة.
واختار الأمام المفسر شمس الدين أبوعبدالله محمد بن أحمد بن أبوبكر الشهير بالإمام القرطبى إمام المفسرين مدينة المنيا لتكون قبلته بعد أن سقطت الأندلس وعاش بها حتى رحيله في 9 شوال 671 هجرية، حيث أقيم له مسجد يحمل اسمه بمدينة المنيا على مساحة 500 متر، وضريح على مساحة 200 متر بقرية زاوية سلطان شرق النيل بمركز المنيا وكانت دروسه ومجلسه يحضرها مريدو العلم والفقه من كل الأقطار المصرية.
ويعد القرطبى صاحب أشهر التفاسير القرآنية تفسير «الجامع لأحكام القرآن» ووُلد «القرطبى»، في بداية القرن السابع الهجري بمدينة قرطبة بالأندلس وكانت الأندلس في ذلك الوقت منارة إسلامية كبرى توسع في دراسة الفقه والقراءات والبلاغة وعلوم القرآن وعند سقوط الأندلس رحل القرطبي منها واختار المنيا لتكون موطنه الجديد، وعاش الإمام الزاهد بالمنيا وكانت له حلقات الدرس في الزاوية الشهيرة بمدينة المنيا وأعيد بناء الزاوية لمسجد كبير يعد مقصدا من مقاصد المتصوفين.
واختار الشيخ «القرطبى» منذ أن قدم لمصر محافظة المنيا لتكون موطنه واختار العلم والفقه وكان المسجد يأتي إليه مريدي العلم من كل الأقطار ورغم أن داخل المسجد ضريح اختلف البعض في أن الامام نقل جثمانه من زاوية سلطان إلى المسجد.
وضريح «القرطبى» له مكانة كبيرة لدى أبناء محافظة المنيا والمتصوفين حيث يحرص المتصوفون على إقامة مولد كبير له في التاسع والعاشر من شهر محرم من كل عام وعرف عنه الزهد والورع فأثنى عليه المؤرخون لتحليه بتلك الصفات الحميدة ومن العلماء العارفين الورعين، الزاهدين في الدنيا، المشغولين بما يعنيهم من أمور الآخرة، واستمر طوال مدة بقائه في مصر ينهل من العلوم ويجتهد في التأليف والتصنيف، فقدم للأمة الإسلامية مؤلفات عظيمة من أهمها على الإطلاق كتابه «الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمن من السنة وأحكام الفقه والفرقان»، وعاش الإمام القرطبي بصعيد مصر حتى توفي بالمنيا في ليلة عاشوراء من العام 371 هجرية وقام تلامذته ومريدوه بدفنه فيها.

أضرحة الأولياء
هناك عدد كبير من المريدين يقصدون أضرحة زاوية سلطان، إذ أنها تضم المئات من أضرحة ومقامات العارفين بالله وأصحاب المقامات من أصحاب الكرامات وأبناء الطرق الصوفية خاصة الطريقة الرفاعية، التي تضم عددًا كبيرًا من مقامات أبنائها، من المريدين، منهم من يقصدهم لتحقيق حلم الإنجاب، والتفوق في الدراسة منهم الشيخة سلمى، الإمام القرطبى، الشيخ عبدالفتاح الناظر، وآخرون، مازالت معجزاتهم يتناقلها الصبية والشيوخ في مجالسهم، راغبين في زيارتهم للوقوف على أعتاب العارفين.

ضريح الشيخة سلمى
ومنها ضريح «الشيخة سلمى»، الذي يقع ببطن الجبل الشرقي بقرية زاوية الذى يقبل عليه عدد كبير من الأهالى ويقال إن قصة الشيخة «سلمى» تعود للعصر الروماني، عندما حاول اشخاص اغتصابها، وأنها رفضت وسرعت إلى الجبل للهروب منهم، وخلال ذلك انشق الجبل وابتلعها ثم انغلق مرة أخرى، ومن وقتها يظهر كل شهر كمية من الدماء مكان ابتلاع الجبل لـ«سلمى».
وأكدت الخادمة، أن الشيخة المبروكة، ينظم لها احتفال كبير كل عام خلال أيام عيد الأضحى المبارك، ويحضره الآلاف من أبناء المحافظة والمحافظات المجاورة للتبرك بها، وأنه في أيام السنة يقصده الكثير من محبيها وأصحاب العلل لمطالبتها بالتدخل وشفاء عللهم أو رزق العانس والعاقر منهم ويعد تواجد ضريح الشيخة سلمى بالمنطقة الجبلية لقرية زاوية سلطان، رواجًا اقتصاديًا بسبب الإقبال الكبير عليها من الزوار، وإقبالهم على محلات البيع المتواجدة بالقرية، والذي يؤكدون أن مقام الشيخة سلمى يعد من الأسباب الرئيسية لحركة البيع والشراء لهم.