كل سنة ومصر بخير يبدأ المواطنون المصريون الأقباط من الأربعاء الرابع والعشرين من نوفمبر صوم الميلاد المجيد بحسب طقس الكنيسة القبطية الأرثوذكسية هو صوم انقطاعى من الدرجة الثانية يمتنع فيه الصائمون عن تناول أى شىء فترة من الوقت ثم يفطرون فيه على أطعمة نباتية، ويمتنعون تماما عن أكل اللحوم ويسمح فيه بأكل السمك - كنوع من التخفيف لكثرة الأصوام خلال السنة- كافة أيام الأسبوع ما عدا يومى الأربعاء والجمعة وأيضا «البرمون» الاستعداد.
صيام الميلاد يسبق عيد الميلاد مباشرة فترة الصوم 43 يومًا تعود إلى الأربعين يومًا التى صامها موسى النبى كى يتسلم الشريعة، أما الثلاثة أيام الأخرى فقد أضيفت إلى مدة الصوم في عهد البابا أبرام البابا الـ62 للكنيسة القبطية، حيث يصوم المسيحيون تذكارًا للثلاثة أيام التى صامها الأقباط حينها لنقل جبل المقطم يتخلل صوم الميلاد شهر كيهك القبطى والمعروف بـ«الشهر المريمى» لما فيه من تكريم للسيدة العذراء، وهو مشهور بصلواته وطقوسه وألحانه وتسابيحه الجميلة التى يطلق عليها «سبعة وأربعة».
طقس الصوم من بداية الصوم إلى أول كيهك على أن يكون بالألحان السنوية بإضافة قسمة صوم الميلاد وجملة ختام الصلوات الجماعية الخاصة بصوم الميلاد أيضًا، الطقس الكيهكي الذي يبدأ من شهر كيهك حتى برامون عيد الميلاد المجيد يمتاز بالإيقاع المبهج لاستقبال طفل المذود ممزوجًا بالخشوع لإعداد النفس بالتوبة لتستطيع أن تشترك مع الملائكة في عرس السماء والأرض بطفل المذود.
ابتداءً من شهر كيهك تبدأ الصلوات بالألحان الكيهكية، فتقال الذكصولوجيات الكيهكي في باكر وعشية، وقطع الرومي والمعقب في عشية يوم الأحد، والإبصاليات الواطس «على طريقة العليقة» أو الإبصاليات الآدام «على طريقة مديحة آجيوس أوثيئوس»، ويقال مرد المزمور ومرد إنجيل «تينتي نيم بي شيري تي إسموس» للأحد الأول والثاني، وتين إتشيسي إممو» للأحد الثالث والرابع، كذلك يقال في التوزيع الليلويا الكيهكي ومدائح على طريقة مردات الأناجيل.
إذا لم يكن في شهر كيهك أربعة آحاد سابقة للبرامون، يحسب آخر أحد من هاتور على أنه الأحد الأول من كيهك والأحد الأول من كيهك يكون هو الأحد الثاني وهكذا حتى تتم الأربعة آحاد الخاصة بشهر كيهك والتي تتحدث عن الأحداث السابقة لميلاد الرب يسوع وهي على التوالي: البشارة بمولد يوحنا المعمدان، والبشارة بميلاد رب المجد، وزيارة العذراء مريم لأليصابات، وميلاد يوحنا المعمدان مدته 43 يوم ينتهي دائمًا في 29 كيهك أي 7 يناير «ويقع في 28 كيهك في السنوات الميلادية الكبيسة».
تاريخ الصوم
تؤكد دراسة أثرية للدكتور حسين دقيل الباحث المتخصص في الآثار اليونانية الرومانية أن قدماء المصريين كأمة من الأمم، شُرع الصوم عندهم كما شرع لغيرهم عرفوا شعيرة الصوم، ومارسوها في أعيادهم كنوع من التقرب إلى المعبود ويضيف الدكتور حسين دقيل أن الصوم كان متنوعًا عند قدماء المصريين ما بين الواجب والمستحب والتطوع، فقد عرف المصريون القدماء الصوم ثلاثة أيام من كل شهر من أجل الحفاظ على صحتهم!!.
كما كانوا يصومون احتفالًا بأعياد وفاء النيل والحصاد وبداية السنة الجديدة، وكان هناك نوع آخر من الصوم؛ يسمى بصوم الانقطاع، وكان يستمر لمدة 70 يوما يحرم فيه تناول أي شيء عدا الماء والخضر.
ويوضح خبير الآثار الدكتور عبدالرحيم ريحان طبقًا لما جاء في الدراسة أن الصوم عن قدماء المصريين انقسم إلى قسمين:
صوم الكهنة وصوم الشعب وكان صوم الكهنة يبدأ منذ التحاق الناسك بخدمة المعبد؛ فعليه أن يصوم لسبعة أيام متتالية دون طعام أو شراب، بهدف التطهر من علائق الجسد والنفس ولتجهيزه للمهام الروحية التي تلقاها، وذكر بعض الباحثين أن هذا القسم من الصوم قد يمتد إلى 42 يومًا.
ويتابع الدكتور «ريحان» أن صوم الكهنة كان يبدأ منذ طلوع الشمس وحتى غروبها، وكان يشتمل على عدم مباشرة النساء ويقضونه في التطهر والنسك والتعبد أما صيام الشعب فكان لمدة أربعة أيام من كل عام تبدأ عندما يحل اليوم السابع عشر من الشهر الثالث من فصل الفيضان وهو صوم كامل يمتنع فيه الصائم عن الطعام والشراب والنساء من طلوع الشمس وحتى الغروب.
دلالات ربانية على حب الله سبحانه لمصر المحروسة، وللشعب المصرى المبارك، شعب ووطن ذكروا في كل الكتب المقدسة من توراة وإنجيل وقرآن، لا أعتقد أنه يوجد شعب في العالم له علاقة بالصوم مثل الشعب المصرى، وصدق أو لا تصدق أن المصريين مسلمين ومسيحيين يصومون «467» يوما من السنة التى تبلغ أيامها ما بين «365 - 366» يوما في كتاب «فقه السنة - العبادات، المجلد الأول»، أن المسلمين إضافة إلى شهر رمضان المعظم، يصومون: ثلاثة أيام في شهر شعبان «13 - 14 - 15»، ووقفة عرفات يزيدون اختياريا إلى عشرة أيام، وفى شوال الستة أيام البيض، وأول ونصف رجب والسابع والعشرين منه، بالإضافة إلى «104» أيام اختياريا، وهى الاثنين والخميس، ليصل الإجمالى ما بين «147» يوما يزيدون اختياريا إلى «201» يوم.
أما صوم الأقباط فهو: «55» يوما الصوم الكبير، وثلاثة أيام يونان، «43» يوما الصيام الصغير، و«40» يوما صيام الرسل، و«15» يوما صيام العذراء، ومن الممكن أن يزيد صيام العذراء اختياريا إلى «21» يوما، إضافة إلى يومى الأربعاء والجمعة ليصل عدد الأيام إلى «256» يوما ممكن أن تزيد اختياريا إلى «266» يوما، وهكذا يبلغ إجمالى صوم المصريين مسلمين ومسيحيين «406» أيام، وفى حالة الزيادات التقوية التطوعية تصل أصوام المصريين «467» يوما من «365» يوما، أى أن المصريين يصومون أزيد من أيام السنة بنحو «100» يوم؟!.
ترى ما السبب الذى يجعل الشعب المصرى يصوم بهذه الإعداد من الأيام؟ ترى هل هى حب لله ورسله، أم تقوى للرحمن أو خشية من عقابه؟ أم أن الأمر يرتبط بشدة المظالم التى مر بها هذا الشعب على مختلف العصور، فلم يعد أمامهم سوى الزهد والتوكل على الله في طرح هذه المظالم، أم أن قيم الحرمان النسبى والتحديات الكبيرة الاجتماعية دفعت مقدرات الشعب على الانقطاع عن الطعام؟ كل تلك المناحى جعلت المصريين يرتبطون بالصوم روحيا ودينيا، وارتباط ذلك جليا بالهوية المصرية منذ عصور الفراعنة وحتى الآن، المصريون المسلمون رغم أنهم من أهل السنة، لكنهم يصومون عاشوراء ويحبون آل البيت، ويتقربون من الأعتاب، كما أن الصيام في المسيحية ليس سرا من أسرار الكنيسة القبطية السبعة، لكنه يرقى إلى مرتبة السر.
كما أن التاريخ يذكر أن انتصارات المصريين كانت تحدث دائما في صيام رمضان مثل، معركة عين جالوت والانتصار على التتار، ومعركة حطين والانتصار على الصليبيين واستعادة بيت المقدس وصولا إلى نصر العاشر من رمضان وهزيمة العدو الصهيونى.