الأربعاء 04 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

عن القمح والتغير المناخي ورغيف الغلابة!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

لن يكون على الحكومة الاكتفاء برفع سعر رغيف الخبز لمواجهة أزمة الغذاء العالمية وارتفاعات الأسعار الناجمة عن أزمات الطاقة والتغير المناخى ووباء كورونا (كوفيد19)، فقد أصبح عليها اتخاذ خطوات من شأنها تغيير نمط استهلاك المصريين وثقافتهم بشأن مائدة الطعام.
كلنا يذكر حديث الرئيس عبدالفتاح السيسى بشأن اتجاه الدولة إلى رفع سعر رغيف الخبز المدعم، هذا الحديث الذي جاء استشعارًا لجملة من التغيرات والتحديات التي تحيط بتغيرات وتحولات دولية، وبوادر أزمة غذاء في مناطق مختلفة من العالم نتاج تغيرات المناخ وأزمة كورونا.

ووفق تقارير دولية كان سعر طن القمح العالمى قد وصل إلى نحو 294 دولار عندما تصدى الرئيس لقضية سعر رغيف العيش فيما اعتمدت الحكومة 230 دولار لطن القمح فى موازنتها للعام الحالى 2021-2022.
وقبل أيام أكد تجار مصريون فى تقارير صحفية أن متوسط سعر طن القمح فى البورصات العالمية قد وصل إلى نحو 330 دولار حيث تفاوتت الأسعار بحسب الأصناف والبلدان المصدرة بين 329 و336 دولار وهو ما يجعل مسألة زيادة سعر رغيف الخبز المدعم ضرورة حتمية خاصة إذا علمنا أن مصر تنتج نحو 9 ملايين ونصف طن سنويًا بعد زيادة رقعة الأراضى المخصصة لزراعة القمح لتستورد أكثر من 50% من إجمالى احتياجاتها التى تقترب من سقف 20 مليون طن.
بحسب د. على مصيحى وزير التموين تذهب 10 ملايين طن من القمح لإنتاج الخبز البلدى فيما يتم استهلاك العشرة ملايين المتبقية فى منتجات أخرى.
التغيرات المناخية الحادة -والتى دخلت مصر فى نطاق حزامها إن جاز التعبير- تسببت فى نقص معدل الإنتاج العالمى من القمح وغيره من المنتجات الزراعية ما دفع العديد من الدول المصدرة للقمح إلى اتخاذ إجراءات تقيد عمليات التصدير إلى الأسواق العالمية خشية زيادة حدة التأثيرات السلبية للتغير المناخى خلال السنوات القادمة ومن بين تلك الدول روسيا أكبر موردى القمح لمصر والتى قامت بفرض رسوم إضافية تقيد عمليات توريد القمح إلى الخارج.
وطبقًا لتقارير دولية يستهلك العالم نحو 790 مليون طن من القمح سنويًا فيما لا ينتج سوى 780 مليون طن، ما يعنى أن هناك عجزًا الأمر الذى دفع مدير برنامج الغذاء العالمى لإطلاق تحذير من تعرض ملايين الأشخاص حول العالم إلى مجاعة محققة.
التغير المناخى وما أسفر عنه من نقص فى الإنتاج الزراعى رافقه هذا العام موجة تضخم عالمية بسبب تأثيرات وباء كورونا على الاقتصاد العالمى من ناحية، وأزمة الطاقة التى أدت إلى ارتفاع أسعار الغاز والبترول إلى مستويات غير مسبوقة وكل ذلك كانت له تداعياته السلبية على أسعار النقل والشحن ومن ثم الغذاء.
تقول وكالة بلومبيرغ أن منطقة الشرق الأوسط تستورد وحدها 30% من إنتاج القمح العالمى، ومن المعلوم بالضرورة أن الدول العربية ومن بينها مصر تعتمد على القمح ومنتجاته من خبز وغيره فى الوجبة الرئيسة لشعوبها، وصحيح أن الدولة المصرية قد تنبهت مبكرًا بأزمة الغذاء العالمية التى نحن بصددها فأطلق الرئيس المشروع القومى للصوامع والذى يستهدف استيعاب وتخزين كميات أكبر من القمح لتقليل نسبة المهدر والفاقد من ناحية، ولعقد صفقات استيراد بأسعار مقبولة تفاديًا للارتفاعات المتلاحقة، كما أطلق فى ذات السياق المشروع القومى للمخازن اللوجيستية التى تستوعب مخزونًا أكبر من مختلف السلع، وتأتى الخطوة الشجاعة بمراجعة سعر رغيف العيش المدعم فى سياق هذه الإجراءات إلا أن كل تلك الخطوات لن تكون كافية مع احتدام الأزمة العالمية الناتجة عن التغيرات المناخية والمعدلات غير المسبوقة بشأن أسعار الطاقة ناهيك عن التأثيرات السلبية لوباء كورونا.
ثلاثة مليارات دولار هى فاتورة استيراد مصر للقمح غير أنها ليست الوحيدة المرشحة للزيادة، ذلك أن التغيرات المناخية تسببت فى ارتفاع كلفة إنتاج القمح ناهيك عن باقى المنتجات الزراعية فهى تتسبب من ناحية فى نقصان المنتج، وفى ارتفاع معدل استهلاك مياه الرى لمختلف المنتجات الزراعية وفى القلب منها القمح، وتمثل ارتفاعات درجات الحرارة سببًا رئيسًا لهذه الزيادة.
السؤال.. هل يجدى الاكتفاء برفع سعر رغيف الخبز حتى لو وصل إلى معدل 65 قرش تكلفة انتاجه وهو ما لن يحدث قطعًا؟!
قولًا واحدًا.. حتى لو توفر المال لشراء كل ما نحتاجه من القمح دون أعباء إضافية على موازنة الحكومة فإن ذلك غير كاف لأنك ببساطة قد لا تجد فى السوق العالمية ما يكفى من كميات؛ لذلك ليس من غنى عن التوسع فى رقعة الأراضى الزراعية المخصصة لإنتاج القمح العمود الفقرى لمائدة المصريين إلا أن هذا الإجراء أيضًا ليس كل شئ، فنحن أمة يزداد تعدادها السكانى بمعدلات فائقة السرعة إن جاز التعبير أى أن معدلات الاستهلاك فى زيادة سنوية مضطردة.
ما نحتاجه إلى جانب الإجراءات الحكومية المتبعة بشأن ما يعرف بتنظيم النسل -والذى قد تضطر الحكومة إلى اتخاذ إجراءات أكثر صرامة لتحقيقه- حملات توعية تستهدف تغيير نمط استهلاكنا للقمح ومنتجاته، فثمة أصناف من المأكولات والحلويات التى قد نسرف فى استخدامها وهناك بالفعل توصية من منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) بضرورة أن تعمل الدول العربية خاصة، على تقنين استخداماتها للقمح وتغيير الثقافة السائدة لدى شعوبها فى نمط استهلاكهم لهذا المنتج الحيوى والذى يمثل عنصرًا رئيسًا من عناصر الأمن القومى الغذائى سيما وأن الخبز يمثل عنصرأ أساسيًا لغذاء هذه الشعوب.
فى مصر العديد من مراكز الأبحاث والجهات الحكومية المعنية التى تملك مئات الدراسات والتقارير العلمية والميدانية التى تشخص المشكلة والكفيلة بمعاونة الحكومة لإعادة صياغة أولويات أجندة المائدة المصرية بما يعمل على ترشيد استهلاكنا من القمح حتى نتفادى شبح الجوع الذى بات يهدد الكثير من الشعوب حولنا.