أروع إجابة سمعتها من أم بديلة تكفل طفلا من دور الرعاية الاجتماعية إلى جانب طفلها البيولوجي (ابن بطنها). جاءت إجابتها عندما تعرّض طفلها المكفول لنزلة معوية شديدة استلزمت بقاءه في العناية المركزة؛ وكان لابد من نقل دم له على وجه السرعة. وهنا جاء اقتراح طبيبة الأطفال أن يتم نقل الدم من أمّه أو أبيه حسب فصيلة الدم المماثلة للطفل. وردت الأمُّ التي كانت تحمل على كتفها ابنها الثاني (البيولوجي) بأن فصيلة الابن المريض مغايرة لها ولزوجها مما يستدعي شراء الدم من بنك الدم. ظهر القلق على الطبيبة ورأسها يموج بالأسئلة فعجّلت الأم بالتوضيح، قائلة: "هذا ابن بطني وذاك ابن قلبي".
الرد كان تلقائيّا ومعبّرا عن عاطفة جيّاشة تحتضن الطفلين في نفس الوقت وبنفس الدفء، كما أن الردّ رقياّ لا يخدش مشاعر أي طرف، ويُلقّن المجتمع درسا عميقا دون تشنّج أو غضب حول كفالة الأطفال وكيفيّة التصرّف إزاء بعض الأشخاص الذين قد لا ترحم أسئلتهم الفضولية الأسر البديلة وأطفال "قلوبهم"!
وبمناسبة شهر التوعية بالاحتضان الموافق شهر نوفمبر تذكرت هذه الواقعة عندما قرأت حوارا مع سيدة وأم عظيمة تدعى يمنى دحروج صاحبة فكرة إنشاء أول مؤسسة مصرية للاحتضان وكفالة الأطفال وهدفها التوعية بأهمية كفالة الأطفال وصممت حملة عن الاحتضان شعارها "الأطفال مكانها القلوب قبل البيوت، اكفل طفلا وكن له حياة". ووصفت هذه السيدة التحديات والصعوبات التي واجهتها - ويواجهها كل من يفكر في كفالة طفل- ابتداء من رد فعل العائلة والأصدقاء المقربين الذين يرفضون جملة وتفصيلا قرار كفالة طفل/طفلة ويرونه تصرفا خاطئا، بمن فيهم من كانوا يُظهرون الدعم ويوشوشونها لإثنائها عن القرار.
ولم يسلم الأمر من معارضة مدّعي التفقّه في الدين والذين كانوا يفتون عن جهل بأن الكفالة شكل من أشكال التبنّي الذي حرمّه الدين الإسلامي تحت دعوى أنه إذا كانت طفلة (أنثى) فلا يصح أن تعيش في نفس البيت مع زوجها دون قرابة بينهما في الدم؛ وإذا كانت طفلا (ذكرا) فلا يصح أن يعيش معها في نفس المنزل دون قرابة دم.
وكانت السيدة يمنى وزوجها يضطران للرد على نفس الأسئلة يوميًا مرارا وتكرارا حيث أن أبسط المعلومات يجهلها الناس مثل الخلط بين التبنّي الذي يمنعه القانون المصري والكفالة التي تشجع عليها كل جهات الدولة، ويبنون على أفكارهم المُسبقة والمغلوطة استنتاجات ومواقف خاطئة جملة وتفصيلا.
لذلك قررت هذه الأم البديلة الشُّجاعة بدء معركتها لتصحيح المفاهيم وتصويب الأفكار السائدة بإنشاء صفحة على موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك)، ثم إعلان مبادرة تلتها بإنشاء كيان كبير ومؤسسة رسمية للاحتضان وكفالة الأطفال. وكان الهدف عند الانطلاق "شخصيا" لا يعدو كونه تغيير المجتمع القريب من طفلتها المكفولة حتى تخلق لها جوا صحيّا سليما يجنّبها التنمر والعقد النفسية، ثم ما لبثت خلال رحلتها تلك أن اكتشفت أن الهدف أصبح أكبر وأسمى وهو تغيير العالم لكل طفل مختلف في ظروفه التي حرمته من أم وأب بيولوجيّين فعوضته بأن منحتهما إياه مع عالم رحب يحتضنه ويرعاه.
والرسالة هنا لكل زوجين يرغبان في الكفالة: إذا لم يمن الله عليكما بالذريّة، فاكفلا طفلا وكونا على قدر هذا الامتحان الصعب واخلصا في رعايته دون تردد فهو أمانة عائدها محبة مضاعفة وثواب عظيم واستمتعا بكلمة (ماما وبابا) لأول مرة، وبأول خطوة وأول قبلة وأول حضن، وأول ابتسامة تخطف القلب، ولا تحرما أنفسكما من فرحة لا توصف لأول كل حاجة حلوة يعملها الطفل؛ وإذا لم يتيسر لأحد الزواج فليكفل طفلا يهب له حياة، وسيكون فضل الله عليه عظيما؛ ولو أبناؤكما كبروا وأكملتما رسالتكما معهم ومازال لديكم عطاء تمنحوه فاكفلوا طفلا تشيدوا به قصرا لكما في الجنة؛ أو حتى إذا رزقتما بالأبناء فاكفلا طفلا يتربى معهم يكن عونا وسندا لكما ولهم، ولم لا؟ ولتعلما أنه لا فرق بين ابن البطن وابن القلب!
وتذكري أيتها الأسرة البديلة بأنه "ليس مهمّا من يكون من صلبك، المهم أن يكون ابنك/ابنتك تعطيه/ها المحبة الخالصة وتهب له/ها الحياة".