رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

فيروز أيقونة الفن والحزن والحب والثورة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

“كل سنة وإنتي طيبة”
كنت أنا وزياد بالملجأ بعد أن قطعنا البرنامج  في بيروت 1982 صيفا والحصار الإسرائيلي يدفع بكل أسلحته ولانسمع وصوت القصف الإسرائيلي من البحر والأرض والجو، وصوت فيروز:
سكروا الشوارع عتموا الشارات”
زرعوا المدافع هجروا الساحات
وينك يا حبيبي بعدك يا حبيبي
صرنا الحب الصارخ صرنا المسافات"
سالني زياد  ماذا تحب ان تري  لو نجونا من الموت ؟
أسرعت بالرد: أشوف فيروز قبل ما موت!!
ضحك زياد مجلجلا بحيث غطي صوته كل أصوات اسلحة العدو: حاضر.
هناك في منزلها كان اللقاء، كأنني أسير علي أرض الأحلام والأساطير الفينيقية  ، نظرت إليها ورأيت في عينيها اسم جبيل " بيبلوس "، وأمن بريقها رأيت اكتشاف الكتابة الأبجدية، وكيف كان أجدادي التجار المصريين يؤمون جبيل باستمرار للتزوّد بالخشب والأشياء الثمينة، وجهه المطل بنور غريب جعلني أتذكر كيف تعرف الأجداد المصريون إلى أجداد الفينيقيين من الإله المحلية، واهتموا بشكل خاص بإله المدينة الكبير إيل، بينما اهتمّ " الفينيقيون بالإله المصري " رع" "
وكأنني اسمع في صوتها المرحب بنا صوت الإلهة عشتروت "ربّة الحبّ والخصب والجمال".
جلسنا وبدأت في الحديث وقالت لنا لما لا تسمعون الآن سوي أغنية " سكروا الشوارع" وضحكت فأنارت المكان وسبق الصوت الصدى وحكت قصة اغنية " بأيام البرد وأيام الشتا"  
بأيام البرد وأيام الشتي”
والرصيف بحيرة والشارع غريق"
"لا أنسى الإساءات أبدًا مهما كانت صغيرة، فقبْل زواجي من والدة عاصي في إحدى المرات، تأخر علي بعد أن طلب مني أن انتظره لنذهب معًا للتسجيل، وللصّدفة أمطرت يومها، وكنت قد انتظرت طويلًا تحت المطر.

ولأن ذاكرتي لا تموت ظللت 20 عاما أذكره في كل مناسبة بذلك والانتظار للموعد والانتظار تحت المطر كثيرًا وتبللي بماء المطر وتضيف فيروز:

"فقرر أن يكتب  لي كلمات هذه الأغنية وقدمها  كاعتذار واضح لارتكابه خطأ بحقي، ومن هنا جاءت اغنية":
"بأيام البرد وأيام الشتي
والرصيف بحيرة والشارع غريق
تجي هاك البنت من بيتها العتيق
ويقلا انطريني وتنطر ع الطريق
ويروح وينساها وتدبل بالشتي
بعد أن سمعت الكلمات واللحن، وغنيتها نظرت إلى عاصي وقلت:
“الآن سامحتك”
لن انسى هذا اللقاء.
فيروز وزياد الحب والخلاف:
بدأت العلاقة بين فيروز وزياد من أغنية "سألوني الناس" وكان عمر زياد 15 سنة، وما تلي ذلك من أغنيات مثل: 
حبيتك تانسيت النوم" "سلملي عليه" "عودك رنان" وغيرها أغنيات شكل بها الفنان زياد رحباني هوية جديدة لوالدته جارة القمر فيروز امتدادا لإبداعات الأخوين رحباني
نعود الى أغنية "حبيتك لانسيت النوم "، وكان والدة عاصي على فراش المرض حينذاك يعاني من نزيف في المخ،وغضب الأب خشية من أن تكون الاغنية متاجرة بمرضه، ولكن وكما يقول زياد:
لكن بعد نجاح الاغنية رأي فيا امتدادا لمسيرته الفنية وعادت الابتسامة إلى وجهه.
لكن بدأ الخلاف بعد سنوات بين زياد وأمه بسبب تصريحات له عام 2013 لمجلة " سنوب"اللبنانية قال فيها إن أمه فيروز معجبة بالزعيم جمال عبد الناصر وستالين وحسن نصرالله..
واعتبرت فيروز وشقيقتها ريم أن تلك التصريحات ما كان لزياد أن يعلن عنها دون الرجوع اليها وأنها لم تكن ترغب أن تعلن عن ميولها السياسية. 
وامتدت القطيعة بين الأم والابن ثلاثة سنوات حتي عادت العلاقات بعدها. 
فيروز ومصر وشمسها الذهبي: 
مصر عادت شمسك الذهب تحمل الأرض وتغترب
كتب النيل على شطه قصصًا بالحب تلتهب
لك ماض مصر إن تذكري يحمل الحق وينتسب
و لك الحاضر في عزه قبب تغوى بها قبب
جئت يا مصر وجاء معي تعب إن الهوى تعب
و سهاد موجع قلته هاربًا مني ولا هرب
صرت نجم الحب أحصى إذا أحصيت في الظلمة الشهب
فسمًا بالمبدع سببًا يا حبيبي إنك السبب
الحضارات هنا مهدها بعطاء المجد تصطخب
نقشت في الصخر أسفارها فإذا من صخرك الكتب
مصر يا شعبًا جديدا غدٍ صوب وجه الشمس يغترب

كانت الزيارة الاولي عام 1955،والثانية 1966، والثالثة 1976، وكانت زيارتها الاخيرة 1989 لإحياء حفلتها تحت سطح الهرم.
إلا أن ما يذكر أن بداية المعرفة بين فيروز ومصر كانت في 6 نوفمبر 1954  ،حينما سافر إلى لبنان كما قال لي الراحل الفليسوف محمود امين العالم، وفد فني مكون من نقيب الممثلين يوسف بك وهبي، ومديحة يسري ومحمود ذو الفقار وامينة رزق، والصحفي الكبير صالح جودت، وفي اليوم الثاني للزيارة كان الوفد علي موعد لسهرة مع المطربة الشابة فيروز، وكان ذلك اللقاء هو الاول بين الفنانين المصريين وغنت فيروز لهم بينما كان عاصي يعزف. 
لبنان تعاني من المجاعة ولكنها ستنتصر: 
وهناك أسطورة أدونيس الذي قتل في الغابة بواسطة حيوان ضخم يشبه الثور، والذي تحوّل دمه إلى شقائق النعمان. و" عشتروت " التي تحذر أدونيس بألا يذهب إلى الصيد لكنه لم يأبه لتحذيرها. و"أوربا " الأميرة الفينيقية، اذ أخذوا اسم قارة أوروبا من اسم هذه الأميرة، عندما بسط الثور جناحيه الأبيضين حاملًا الأميرة إلى وسط البحر. وعلم الملك " أجينور " باختطاف ابنته، حبس في قلبه كملك حقيقي، وطلب من " قدموس " أخيها البدء برحلة طويلة لاستعادة شقيقتها "اوربا ".
من الحرب الاهلية الي الحصار الاقتصادي والمجاعة ستنتصر لبنان، عشت فيها اجمل ايام حياتي ةتعلمت الصحافة والكتابة والحب والحزن والثورة.
بحبك يا لبنان يا وطني بحبك
بشمالك بجنوبك بسهلك بحبك
بحبك يا لبنان يا وطني بحبك
بشمالك بجنوبك بسهلك بحبك
“كل سنة وانتي طيبة يا آخر ما تبقي من أيقونات الفن”.