قضت المحكمة الإدارية العليا فحص الدائرة الخامسة فى العام الحالى 2021 فى الطعن رقم 46175 لسنة 61 ق عليا بإجماع الاَراء برفض الطعن الذى أقامه محافظ البحيرة ورئيس الوحدة المحلية لمركز ومدينة شبراخيت وتأييد الحكم الصادر لصالح ذوى الإعاقة المتعاقدين مع الإدارة فى الأعمال الحرفية من محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية الدائرة الأولى بحيرة برئاسة المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة بوقف تنفيذ قرار رئيس الوحدة المحلية لمركز ومدينة شبراخيت بغلق ورشة الرخام التي تمتلكها الوحدة المحلية ويديرها المدعي من ذوى الإعاقة بعقد بينهما بمناصفة الإيراد , وما يترتب علي ذلك من أثار أخصها إعادة فتح الورشة الخاصة بأعمال الرخام ، وألزمت الإدارة المصروفات وأمرت بتنفيذ الحكم بمسودته دون إعلان .
وتعود وقائع قصة القضية فى يوم كانت القاعة تمتلئ بالمتقاضين تقدم العامل من ذوى الإعاقة (س.أ.ع) ووقف أمام المحكمة وقال للقاضى الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة سيدى القاضى :( الوحدة المحلية لقرية محلة فرنوي بمركز ومدينة شبراخيت تعاقدت معى للعمل في ورشة أعمال الرخام التابعة للوحدة المحلية واتفقنا فى العقد بالنصف همة 50% وأنا 50% واستحضرت معى 22 فرد للعمل بالورشة وكنت ملتزم معهم طوال مدة العقد
ويضيف: لكن فوجئت بقرار رئيس الوحدة المحلية يغلق إداريا الورشة بالقوة الجبرية بحجة أن ورشة الرخام بدون ترخيص ! والورشة ملك الوحدة ومأجراها ليا والعقد سارى ) ثم سأله القاضى : الإدارة بتقول أن الورشة مقلقة للراحة ومضرة بالصحة , هل اتخذت كافة الإجراءات اللازمة لحماية البيئة فأجاب العامل المعاق ( أنا بستعين أثناء تقطيع وتلميع الرخام بماكينات حديثة الصنع تعمل بالمياه ولا تسبب أي مشاكل أو أضرار بالبيئة أو صحة المواطنين ، والماكينات دى اشترتها على حسابى بمبالغ مالية كبيرة )
ثم قال للقاضى ( أنا معاق وبعول أسرة كبيرة العدد والورشة هي مصدر رزقى الوحيد ويعمل بها أكثر من 22 عامل الورشة بالنسبة لهم المصدر الوحيد لرزقهم ولأسرهم وأنا بطلب الرحمة قبل العدل ) . فنطق القاضى بالحكم لصالح المعاق ومعه 22 من العمال فى حالة فرحة بالدموع برجوع مصدر رزقهم .
(7) مبادئ لحماية ذوى الإعاقة المتعاقدين مع الإدارة فى الأعمال الحرفية :
وأكدت المحكمة برئاسة القاضى المصرى الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة على (7) مبادئ لحماية ذوى الإعاقة المتعاقدين مع الإدارة فى الأعمال الحرفية هى :
1- الدستور المصري 2014 أولي ذوي الإعاقة والأقزام اهتماماً لم تشهده مصر من قبل بستة نصوص دستورية
2- توفير فرص العمل لذوى الإعاقة أصبح حقاً دستورياً ملزماً لجميع سلطات الدولة وأجهزتها الإدارية لدمجهم مع غيرهم من المواطنين
3- الحق الدستورى فى التزام الدولة بضمان حقوق المعاقين حقق ثماره علي فئة كانت مهمشة لمدة سنوات طويلة
4- الدستور أنشأ المجلس القومي لذوي الإعاقة كياناً اعتبارياً مستقلاً يُؤخذ رأيه فى مشروعات القوانين المنصفة لكل مصري اختبرته السماء بإعاقة ما .
5 - لا ينبغي علي الوحدة المحلية أن تستغلق في وجه المعاق باب الرزق وهي عليمة بإعاقته لتضيف إلي حياته ظلمة وعتمة بدلاً من أن تنير أمامه طريق الحياة 6
- العامل المتعاقد مع الوحدة المحلية رغم إعاقته استطاع أن يستجمع حوله إثنتين وعشرين أسرة تعمل بالورشة ترتزق معه اُكل الحياة , وغلق الورشة تمنعهم من كسب رزقهم بالحلال وتشريد أسرهم وزيادة أعداد العاطلين
7- مصادر مهتمة بشئون ذوى الإعاقة : الحكم من أبهى صور التعاون بين القاضى والمشرع , المحكمة عام 2015 ناشدت المشرع قبل التشكيل الأول لمجلس النواب بإصدار قانون موحد لذوى الإعاقة وفى 2018 أصدرت الدولة المصرية القانون ولائحته التنفيذية ملزماً كافة سلطات الدولة
تفاصيل القضية وحيثيات الحكم :
قالت المحكمة برئاسة القاضى المصرى الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة أن الدستور المصري 2014 ، أولي ذوي الإعاقة والأقزام اهتماماً بالغاً ، لم تشهده مصر من قبل ، باعتبار ان هذه الفئة لم يكن لها أي وجود دستوري علي مدي زمني طويل إلا اعتباراً من دستور 2014 ، والذي جاء ليخص المعاقين بستة نصوص دستورية فى مناسبات عدة هى المادة (53) من الدستور التى أضافت إلي صور التمييز بين المواطنين بصدد مبدأ المساواة ولأول مرة التمييز بينهم بسبب الإعاقة
والمادة (55) التى ألزمت الدولة بتوفير وسائل الإتاحة للأشخاص ذوى الإعاقة فى حالة القبض والحبس, والمادة (80) التى ألقت على عاتق الدولة كفالة حقوق الأطفال ذوى الإعاقة وتأهيلهم واندماجهم فى المجتمع, والمادة (81) التى ألزمت الدولة بضمان حقوق الأشخاص ذوى الإعاقة والأقزام، صحيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وترفيهيا ورياضيا وتعليميا، وتوفير فرص العمل لهم، مع تخصيص نسبة منها لهم، وتهيئة المرافق العامة والبيئة المحيطة بهم، وممارستهم لجميع الحقوق السياسية، ودمجهم مع غيرهم من المواطنين، إعمالاً لمبادئ المساواة والعدالة وتكافؤ الفرص.
والمادة (214) التى أنشأت من أجلهم من المجلس القومى للأشخاص ذوى الإعاقة، والمادة (244) التى جعلت الدولة تعمل على تمثيل الأشخاص ذوى الإعاقة تمثيلاً ملائماً فى أول مجلس للنواب يُنتخب بعد إقرار هذا الدستور.
وأضافت المحكمة أن توفير فرص العمل لذوى الإعاقة أصبح حقاً دستورياً على جميع سلطات الدولة وأجهزتها الإدارية لدمجهم مع غيرهم من المواطني ، وتجلى هذا الحق الدستورى فى التزام الدولة بضمان حقوق المعاقين في كافة المجالات وفي هذا تحقيق جزء كبير من أهداف الثورة التي قامت في 30 يونيو 2013 التي أتت بثمارها علي فئة كانت مهمشة من الأشخاص ذوي الإعاقة لمدة سنوات طويلة ، حتى أنشأ لهم المجلس القومي لذوي الإعاقة له استقلاليته الفنية والمالية والإدارية بوصفه كيانًا اعتباريا مستقلا يُحترم وتُؤخذ بآرائه وتوصياته في حسبان المُشرّع لسن القوانين المناسبة المنصفة لكل مصري اختبرته السماء بإعاقة جسدية أو ذهنية ما .
وأشارت المحكمة أن رئيس الوحدة المحلية لقرية محلة فرنوي بصفته أبرم عقداً مع العامل من ذوى الإعاقة ، وتم الاتفاق بينهما علي أن يقوم الأخير بالعمل في ورشة الصيانة التابعة للوحدة المحلية لقرية محلة فرنوي بشبراخيت , طبقاً للائحة التشغيلية للورشة في مجال أعمال الرخام وليس طبقاً لقانون المحال التجارية والصناعية علي أن يتقاضي 50% من قيمة الإيراد للورشة مقابل عمله ، و50% الباقية للوحدة المحلية لقرية فرنوي
وصدر هذا العقد بعد موافقة سكرتير عام مساعد محافظة البحيرة وفقا لكتابه المرفق بالأوراق , ثم قام العامل ـ وهو من ذوي الإعاقة – باستحضار اثنتين وعشرين عاملاً متخصصاً فى الرخام للعمل معه بالورشة موفياً بكافة الالتزامات تجاه الوحدة المحلية بدفع نسبة ال 50% بانتظام , إلا أنه فوجئ بصدور قرار الوحدة المحلية لمركز ومدينة شبراخيت بغلق ورشة الرخام بحجة إدارتها بدون ترخيص بالمخالفة لأحكام قانون المحال الصناعية والتجارية وغيرها من المحال المقلقة للراحة والمضرة بالصحة والخطرة ، علي الرغم من أن الورشة تابعة للوحدة المحلية لقرية محلة فرنوي طبقاً للائحة التشغيلية للورشة في مجال أعمال الرخام وليس طبقا لقانون المحال التجارية والصناعية
وهو ما يعني أنها تابعة للجهة الإدارية وتعمل طبقاً للقانون ، فضلاً عن خلو نصوص العقد من تكليف المدعي باستخراج ثمة تراخيص بهذا الشأن , وأن الإدارة لم تنفذ العقد طبقاٌ لما اشتمل عليه بطريقة تتفق مع ما يوجبه حسن النية 0مما يكون معه قرار غلق الورشة التى يديرها المعاق مخالفاً لصحيح حكم القانون.
وأوضحت المحكمة أنه ما كان ينبغي علي الوحدة المحلية بشبراخيت أن تستغلق في وجه المدعي باب الرزق وهي عليمة بإعاقته لتضيف إلي حياته ظلمة وعتمة , بدلاً من أن تنير أمامه طريق الحياة , سيما وأنه رغم إعاقته استطاع أن يستجمع حوله اثنتين وعشرين أسرة تعمل فى الورشة وترتزق معه اُكل الحياة
ويكون القرار المطعون فيه مؤدياُ إلى منع المدعي ومن يعمل معه من كسب رزقهم بالحلال وتشريد أسرهم وزيادة أعداد العاطلين ، ومن ثم يتعين وقف تنفيذ القرار الصادر من رئيس الوحدة المحلية لمركز ومدينة شبراخيت فيما تضمنه غلق ورشة الرخام التي يعمل بها المدعي وما يترتب علي ذلك من اثار أخصها إعادة فتح الورشة الخاصة بأعمال الرخام وتنفيذ الحكم بمسودته وبغير إعلان .
وذكرت مصادر مهتمة بشأن ذوى الإعاقة أن هذا الحكم يعد صورة من أبهى صور التعاون بين القاضى والمشرع سجلت المحكمة فى حكمها الصادر فى فبراير 2015 – الذى أصبح نهائياً عام 2021 - مناشدتها حينذاك للمشرع المصري أن يجعل علي القمة من اهتماماته القادمة وقد قارب مجلس النواب علي تشكيله الأول عقب ثورة الشعب في 30 يونيه 2013 فى ذلك الوقت إصدار قانون موحد متكامل لمتحدي الإعاقة يلم شتات جميع المسائل المتعلقة بهم في إطار انسجام تشريعي لدمجهم مع غيرهم من المواطنين ، تقدّر فيه قيمتهم وتيسر لهم سبل الحقوق والرعاية التعلم والعمل من أجل رفعة أوطانهم , وقد عقد البرلمان المصري الجديد أولى جلساته فى 10 يناير 2016
وبعد ثلاث سنوات من تاريخ صدور هذا الحكم أصدرت الدولة المصرية فى ١٩ فبراير سنة ٢٠١٨ قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة الصادر بالقانون رقم ۱۰ لسنة ۲۰۱۸ ونص فى المادة الثالثة من مواد إصداره على أن يعمل به من اليوم التالي لتاريخ نشره .
ثم أصدر رئيس مجلس الوزراء القرار رقم 2733 لسنة 2018 بتاريخ 23 ديسمبر 2018 بإصدار اللائحة التنفيذية لقانون حقوق الأشخاص ذوى الإعاقة المادة متضمناً فى المادة الثانية من مواد إصداره بأن تلتزم جميع الوزارات وغيرها من الجهات المعنية بتطبيق أحكام قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة الصادر بالقانون رقم 10 لسنة ۲۰۱۸ كل فيما يخصه ، بإصدار القرارات التنظيمية اللازمة لتنفيذ أحكام القانون المشار إليه .