الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ثقافة

نيكولا بوسان.. الرسّام عاشق روما الكلاسيكية

نيكولا بوسان
نيكولا بوسان
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

رغم كونه فرنسيًا، عاش الرسام نيكولا بوسان، الذي كان له تأثير كبير على فن الرسم في القرنين السابع عشر والثامن عشر الميلادي في أوروبا. في العاصمة الإيطالية روما، حيث ساعد الرجل المولود في نورماندي أنه تلقى تعليمًا شمل اللغة اللاتينية التي أضافت إلى معارفه الفنية الكثير.
كانت حياته كصورة مزيجاً كلاسيكياً نموذجياً للنظام والاعتدال وضبط النفس، ولم يكن له من أمارات الفنان غير القليل من أدواته. فلا هو بالعاشق النهم كرفائيل، ولا برجل الدنيا كتيشان، ولا بالعبقري الشيطاني كمايكل أنجلو؛ إنما هو رجل بورجوازي يعني بأسرته ويدفع ديونه.
أظهر بوسان في أولى أعماله "إلهام الشاعر"، والتي أنجزها في إيطاليا، تأثره بالرسام الإيطالي تيتيان. لكنه تحول بعدها إلى المدرسة الكلاسيكية، حيث صارت أعماله أكثر دقة، وتجلت فيها مدى سعة اطلاعه وعمق معارفه، وهو ما ظهر لاحقًا في أعماله "رعاة أركاديا" 1650-1655 و"إليعازر وربيكا" 1648. كما وضع في رسوماته المنظرية -نسبة للمناظر الطبيعية- جوًا من الشاعرية الساحرة مثل لوحة "الفصول الأربعة" المعروضة في متحف اللوفر. كما يُشير جيوفاني بيترو بيلوري، كاتب سيرة حياة نيكولا بوسان. 
ووصف أندريه فيليبيان مواطنه بوسان بأنه "كان مشغولًا دون توقف، بملء كتبه بعدد لا نهائي من الأشكال والرسومات المختلفة، التي لا يمكن إلا لخياله أن ينتجها". 

وبينما جذبت رسوماته انتباه الكثير؛ ولكن لا يوجد دليل على أنه تلقى تدريبًا رسميًا في استوديو فارين.. على الرغم من أن أعماله اللاحقة أظهرت تأثير فارين، خاصة من خلال طريقته في إظهار القصص، ودقة تعابير الوجه، والأقمشة المطلية بدقة، والألوان الغنية. ربما يعود هذا إلى بداية حياته، حيث عارض والديه مهنة الرسم. حتى أنه اضطر للهرب إلى باريس في عام 1612 وكان وقتها لا يزال في الثامنة عشرة.
كان والد بوسان جندياً في جيش هنري الرابع، وبعد أن سكن منزل نيكولا دليزمان عقب معركة إفرى، تزوج ابنة نيكولا. كانت فلاحة لا تعرف كيف تكتب اسمها. تعلم ابنهما حب الحقول والغابات، واقتناص لحظات يسجلها فيها بالقلم الرصاص أو الحبر.
في تلك الفترة جاء الرسام فاران ليزين كنيسة قريبة. وراقبه الفني نيكولا في شغف، وانتزع منه بالملاطفة دروساً في الرسم والتصوير، فلما رحل فاران لحقه إلى باريس ليدرس الفن. وهناك توجت الشهور التي كاد يتضور فيها جوعاً بعثوره على محفورات ريموندي لأعمال رفائيل. هنا تكشف لنيكولا أمران، أولهما أن الخط لا اللون أداة للفن، والثاني أن روما عاصمة الفن. وظل ثمانية أعوام يكافح للوصول إلى هناك، ومرة وصل في رحلته حتى فلورنسا، ولكن الفقر واليأس والعلة ردوه إلى باريس. حاول مره أخرى، ولكن باءت بالفشل، فزحف راجعًا ليدفع ديونه، ويكسب قوته بأشغال تصوير صغيرة في قصر اللكسمبورج. وفي عام 1622 استخدمه الشاعر الإيطالي جوفاني باتيتستا الذي وفد وقتها على باريس ليرسم له رسوماً لقصيدته "ادوني".
لم يكن بوسان عضوًا في نقابة الرسامين والنحاتين الرئيسيين الذين كانوا يحتكرون معظم اللجان الفنية ورفعوا دعاوى قضائية ضد الغرباء مثل بوسان. واعتبروا أنهم حاولوا التعدي على المهنة. لكن ظفرت رسوم بوسان باستحسان الجميع. ورسم صوراً للأشخاص على مضض واقتصد فرنكاته. وأخيراً اكتحلت عيناه برؤية روما في عام 1624.
هناك أوصى به للكردينال فرانشسكو باربريني. قيل له إنه شاب مجنون بالتصوير، بل ومجنون بإيطاليا أيضاً؛ غير أنه لم يجن بصور أئمة فناني النهضة بقدر جنونه بكمال القطع المتخلفة في الساحة الرومانية -الفورم- ولا جن بالصور الجصية المتخلفة في العصور القديمة بقدر جنونه بروما نفسها بآفاقها، وحقولها، واشجارها، وتلالها، وتربها ذاتها.
امتحنه الكردينال باربريني بتكليفه رسم لوحة "موت جرمانيكوس" فسرته النتيجة، وسرعان ما اشتد الطلب على فن بوسان حتى جاهد لكي يلبيه. كان رعاته، سواء العلمانيون أو الكنسيون، يتوقون للصور العارية، فاسترضاهم فترة بعروض لجسم امرأة كتلك التي نجدها في "انتصار ربة الزهر" التي رسمها للكردينال أوموديو، وفي منظر "باخوسي لريشيلو".
بعدما نال وضعه في روما، تزوج بوسان فتاة في السابعة عشرة وهو يناهز السادسة والثلاثين، وقضي عشر سنوات سعيدة معها ثم دعاه ريشيلو ولويس الثالث عشر إلى باريس في عام 1640. ذهب كإنسان حكم عليه بنشر جسده نصفين، ولقى هناك التكريم العظيم، وتلقى معاشاً من ألف كراون ولكنه لم يرتح لمنافسة الفنانين الباريسيين المفعمة بالحقد. فأسرع بالعودة إلى إيطاليا عام 1643مضحياً بمستقبل عريض؛ واشترى بيتاً على التل البنسي بجوار بيت كلود لوران، وهناك عاش حتى مات في 19 نوفمبر 1665 هادئاً مهتماً بأسرته، مستغرقاً في فنه قانعاً بحظه.
وكان بوسان فناناً غزير الانتاج ومن أعماله الشهيرة الأخرى "الطاعون في أشدود" "وقضاء سليمان" "وعميان أريحا" "والزانية" "وعبادة العجل الذهبي" "والعائلة المقدسة على الدرج" "وشهادة يوداميداس" "واغتصاب نساء السابين" "وتدمير القدس" واليهود يجمعون المن" وموسى يـُنقـَذ من اليم" وجنازة فوكيون".