الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

مصريون عرفتهم فى باريس «١٦» أمين فخرى عبدالنور.. روح مصرية وفرانكفونية خالصة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

 

أقباط مصر يحملون من روح الوطن أجمل ما فيه من صفات ومعان وفهم لأبعاد روح المصريين ويحملون أيضا فى جيناتهم قدرة فائقة على التعامل مع حضارة الغرب- وخاصة فرنسا- والإفادة بكل ما هو إيجابى فيها؛ من أجل مصلحة الوطن ويحضرنى هنا مثال الراحل الكبير أمين فخرى عبدالنور.

 

من يعرف أسرة فخرى عبدالنور يدرك معنى الوطنية المصرية فى أبهى وأجل معانيها، ففخرى عبدالنور هو المناضل الوطنى الكبير زميل سعد زغلول فى ثوره ١٩١٩، وهو أيضا أحد أبرز وجوه هذه الثورة ونعرف جميعًا فى مصر أسرة «عبدالنور» من خلال أبناء «فخري»، وكلهم من الطبقة السياسية المصرية، ومنهم المحامى الوفدى الكبير سعد فخرى عبدالنور وأمين فخرى عبدالنور، موضوع هذا المقال الذى أكتبه بمشاعر فياضة؛ لأنى عرفت الرجل عن قرب وأصبحنا أصدقاء، بل إخوة، رغم أنه كان يتجاوزنى فى السن بأكثر من ثلاثين عامًا، لكن كان لأمين عبدالنور قدرة عجيبة على بسط محبته على الناس واعتبار كل مصرى عضوًا فى أسرته.

 

عرفت أمين عبدالنور أولا فى باريس فى أواسط الثمانينيات، حيث كنا- نحن الاثنين- عضوين فى مجلس إدارة جمعية أصدقاء قناة السويس الفرنسية، وعندما عملت فى مكتب جريدة الأهرام فى شارع ماربوف بالقرب من الشانزليزيه، كان أمين يقطع المسافة بين فندق بيدفورد، الذى كان ينزل فيه منذ أكثر من ٤٠ عاما، نفس الفندق، ونفس الغرفة، وكان يقطع هذه المسافة بين الفندق الواقع فى شارع لاركاد حتى مكتبى، وهى مسافة تقترب من الثلاثة كيلو مترات سيرًا على الأقدام، حتى يصل إلى مكتب الأهرام يبدأ زيارته بجولة فى مكتبتى، ثم نتحدث مطولًا ونخرج للغداء، وأسير معه فى الاتجاه العكسى عائدًا إلى فندقه، حيث ألتقى زوجته السيدة الفاضلة الشهيرة بـ«نينا» أعطاها الله الصحة وطول العمر، وكانت الشاعرة والكاتبة الفرنسية الشهيرة من أصل مصرى أندريه شديد من أقرب صديقاتها.

 

كان أمين عبدالنور معروفًا فى الأوساط الصناعية والثقافية فى مصر وفرنسا، وكان وحده جسرا فاعلا مساهما بشخصه وماله فى أى نشاط يدعم هذه العلاقات، ومنها على سبيل المثال لا الحصر تمويله إصدار كتاب عن اللسان سيمونين فى مصر مع الباحث الفرنسى فيليب رينيه، ومنها مساهمته فى تمويل الجامعة الفرنسية فى مصر، ولا يكاد يمر سفير فرنسى على القاهرة دون أن يلتقى أولًا بأمين فخرى عبدالنور، إذ إنه كان يعتبر عميد الفرانكفونيين المصريين وأهم أعلام خريجى مدرسة الجيزويت العريقة.

 

ويهمنى فى هذا المقام أن أنوه إلى أن الرجل كان مخزنًا للذكريات والحكايات لا ينضب أبدًا وكلها حكايات عصر كامل من العلاقات بين مصر وفرنسا، وكان الرجل يسحر الناس بحلاوة لغته العربية وكذلك بسحر فرنسيته. كان جامعًا ساحرًا بين الثقافتين فهو صعيدى عند اللزوم، وهو باريسى حتى النخاع يعرف أسرار الثقافة الفرنسية علما وأدبًا ومطبخًا وعطورًا. فى الواقع كان من النادر أن تعثر فى مسيرتك بين الحضارتين على رجل يحمل كل تراثهما معًا فى وقت واحد مثل أمين عبدالنور.

 

وكان قد اقترب عمره من المائة وقد استقر أخيرًا فى منزله مضطرًا فإذا العالم يأتى إليه فى منزله بالزمالك، كتابًا وشعراء ورجال صناعة وفن. أصبح صالون أمين عبدالنور وشرفته التى حولتها زوجته إلى حديقة عامرة بالورود والنباتات مزارًا تستطيع أن تقول إنك زرت القاهرة إذا مررت على بيت أمين فخرى عبدالنور.

 

وكان كل ما فى بيته- قل متحفه- بالزمالك، حيث كانت جدران المنزل وحيطانه مفروشة- وهو التعبير الأدق- باللوحات المقتبسة من كتاب وصف مصر للحملة الفرنسية وأيضًا مشغولات وصور نادرة وتحف كلها تعبر عن ذوق راق وتاريخ كامل لفرنسا فى مصر وحضور مشع لمصر فى فرنسا.

 

وإذا أردت أن تعرف من هو أمين عبدالنور أنظر ماذا ترك للوطن من أبناء، أحدهم وهو الصديق العزيز منير فخرى عبدالنور يحمل الكثير من صفات والده، بالإضافة إلى خبرة وزارية عظيمة فى خدمة الحقل العام فى بلادنا وأيضا يحمل منير عبدالنور الكثير من صفات والده فى الكرم والجود وعشق الجمال بكل أشكاله شعرًا وأدبًا.

 

وكان ضمن مشروعات أمين فخرى عبدالنور تسجيل تجربته الحياتية مع الكاتب الصحفى الكبير عبدالرحيم على، ووافق أمين عبدالنور على الفكرة، وأعتقد أن أسبابًا صحية حرمتنا من هذه التجربة التى ربما تكون نافعة لأجيال قادمة.

 

لا يمكن أن نتحدث عن أسرة أمين عبدالنور فخرى عبدالنور دون أن نتحدث أيضًا عن سعد أخيه، الذى كان هو الآخر نهرًا من الذكريات والأسرار وقد ساعدنى كثيرا فى كتابى عن «جان كوكتو»، حيث كان هو محامى الأمير محمد وحيد الدين، صديق الكاتب الفرنسى، وهو من أبناء الأميرة شويكار من أحد أزواجها الستة بعد طلاقها من الأمير أحمد فؤاد عندما كان هذا الأخير ولى للعهد فى مصر فى مطلع القرن العشرين وكان سعد فخرى عبدالنور مشهورًا فى أحد أفخم مطاعم باريس، حتى إن هذا المطعم أطلق طبقًا من السلطة الغنية بالفواكه والخضروات أطلق عليها «سلطة المحامى نور» أو«Salade du maître Nour».

 

وعندما طلبت منى أستاذة الأدب الفرنسى الكبيرة بجامعة دمنهور د. نادية أندراوس مساعدتها فى إنشاء مكتبة بأحد الأديرة فى صحراء مصر تحدثت مع سعد عبدالنور فى باريس، فإذا به يساعدنى فى شراء الكتب ثم إرسالها إلى مصر وإذا به يساهم فى أعمال خيرية لمساعدة الناس ليس فقط فى مصر بل فى فرنسا أيضا.

 

فى الواقع نحن أمام نموذج نادر فى العلاقات الإنسانية جسدتها تربيه وأخلاق رفيعة المستوى فى أبناء وأحفاد هذه الأسرة القبطية المصرية الكبيرة أسرة فخرى عبدالنور فتحية لهم جميعًا وأطال الله فى عمر الأبناء والأحفاد منهم.