فى آخر تطور للأحداث بالمشهد الليبى، دخلت المليشيات والمجموعات المسلحة بغرب البلاد على خط أزمة الانتخابات بتنظيمها استعراض عسكري بالآليات والعربات المسلحة وراجمات الصواريخ في مدينة الزنتان، وقامت في اليوم التالي بإغلاق العديد من مراكز فى مدن الزاوية والغريان وظليتن والخمس.
وترافق مع تلك التحركات إعلان رئيس الحكومة المؤقتة عبدالحميد الدبيبة رفضه إجراء الانتخابات وفق القوانين الحالية.
فى السياق أطلق صادق الغريانى المعروف في ليبيا بمفتى الإرهاب والدم عبر قناة التناصح التى تبث من تركيا دعوى لقادة المليشيات المسلحة ومن أسماهم بثوار ليبيا بإصدار بيانات موقعة بالسلاح ضد الانتخابات المزمع إجراؤها فى 24 ديسمبر القادم.
وتأتي دعوى الغريانى مترافقة مع تهديدات قادة المليشيات بالعودة إلى المربع صفر وإعلان الحرب مجددا إذا مضت المفوضية العليا للانتخابات فى اجراءتها نحو الإنتخابات الليبية وفق للقوانين التي تسمح لكل من المشير خليفة حفتر وسيف الإسلام القذافي بخوض الانتخابات الرئاسية، وهما المرشحان اللذان يعتبران خصمان سياسيان قويان لتنظيم الإخوان الإرهابي الذى يهيمن علي مدن غرب البلاد عبر ميليشيات ومجموعات مسلحة.
تجدر الإشارة هنا إلى أن القيادى الاخوانى خالد المشرى رئيس المجلس الأعلى للدولة قد أكد فى تصريحات صحفية أن رحى الحرب ستدور مجددا حال فوز المشير خليفة حفتر فى الانتخابات القادمة؛ ويقود المشرى إلى جانب مفتى الإرهاب صادق الغريانى وقادة المليشيات المسلحة حملة لتعطيل العملية الانتخابية برمتها أو تأجيلها إلى أقصى مدى ممكن بحجة عدم وجود توافق حول قوانين الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي أصدرها مجلس النواب الليبي الهيئة التشريعية الوحيدة المنتخبة في البلاد حتى الآن.
ويؤكد هذا الموقف أن قادة تنظيم الإخوان وحلفائه بالغرب الليبى مازالوا يرون أنفسهم الفصيل السياسى الوحيد في البلاد رافضين الاعتراف بوجود أطراف أخرى رغم كل الخطوات السياسية التي اتخذت على مدار عام كامل لفرض الاستقرار وتمهيد الأجواء لمصالحة وطنية شاملة وهى الإجراءات التي بدأت باتفاق وقف إطلاق النار في أكتوبر 2020 وما تبعها من نتائج المباحثات بين أعضاء اللجنة العسكرية 5 + 5 ولجنة الحوار السياسي.
لا يريد الإخوان سوى الانفراد بحكم ليبيا كونها المعقل الأخير في منطقة الشرق الأوسط للتنظيم الدولي الإرهابي وداعميه، ذلك أن قراءة موضوعية لكل ما جرى في ليبيا على مدار عقد كامل تؤكد أن قادة التنظيمات المسلحة والارهابية المتحالفين مع جماعة الإخوان قد ارتكبوا جرائم حرب بحق الشعب الليبى وقاموا بقتل وتشريد الآلاف في العاصمة طرابلس وباقي مدن الغرب ناهيك عن تدمير المنشآت الحيوية والبنى التحتية واستعانة تنظيم الإخوان بالمرتزقة السوريين في محاربة شعبهم باتفاق مشبوه مع تركيا.
كل تلك الجرائم التى ما زالت شواهدها موجوده كفيلة بإعطاء شرعية سياسية لاتخاذ إجراءات من شأنها اجتثاث تنظيم الإخوان وقادتة وعدم الاعتراف به في المعادلة السياسية الليبية ومع ذلك قبلت باقي الأطراف السياسية والفاعلة ببقاء تنظيم الإخوان كطرف وخصم سياسى عبر أدوات وآليات عدة منها الاتفاقيات العسكرية والحوار السياسى الذى يجمع جميع الأطراف.
فى المقابل لم تتحرك قوات الجيش الوطني الليبى بقيادة المشير خليفة حفتر أقوى المنافسين السياسيين علي الإطلاق إلا من أجل تحرير الأراضي الليبية من سيطرة المليشيات الارهابية والعصابات الإجرامية من شرق البلاد إلى غربها وجنوبها، ومن المفيد الإشارة هنا إلى أن غالبية المجموعات المسلحة التي تديرها جماعة الإخوان في غرب ليبيا تنتمي إلى تنظيمات إسلاموية إرهابية أو عصابات اجرامية تقاسمت فيما بينها أحياء العاصمة طرابلس ومدن الغرب الليبى كمناطق نفوذ لها بحيث لا يستطيع المواطن الليبى العبور من شارع إلى شارع إلا بعد الحصول على إذن من الميليشيا المسيطرة؛ ومن المفيد أيضا الإشارة إلى أن تنظيم الإخوان قد استعان بتنظيمى داعش والقاعدة لشن هجمات مسلحة على مراكز الجيش الوطني الليبى في عدة مناطق أثناء اندلاع الصراع.
من هذا المنطلق يدعم المجتمع الدولي إجراء الإنتخابات دون إقصاء لطرف وهو ما تؤيده غالبية الأطراف السياسية الليبية باستثناء تنظيم الإخوان ممثلا فى المجلس الأعلى للدولة ورئيسه خالد المشرى.
قبيل مؤتمر باريس المنعقد فى 12 نوفمبر الجاري دعا المشرى قادة المليشيات ومن أسماهم ثوار ليبيا إلى الاعتصام أمام مقر المفوضية العليا للانتخابات ومبعوث الأمم المتحدة لرفض إجراء الانتخابات بحجة الاعتراض على القوانين المنظمة لها، لينطلق بعد ذلك إلى تركيا حيث جمعة لقاء مغلق لمدة ساعتين مع رجب طيب أردوغان ترافقا مع تصريحات مستشار أردوغان إبراهيم كلون التى أكد فيها أن التركيز على ضرورة انسحاب القوات الأجنبية مسألة خاطئة وأن تواجد قوات بلاده في ليبيا دعما للاستقرار الامنى والسياسى؛ أعلن المشرى مطالبته تأجيل الإنتخابات لمدة ثلاثة أشهر لحين التوصيل إلى توافق حول القوانين المنظمة لها.
المشرى وتفاديا للعقوبات الدولية والأمريكية التى لوح بها كل من مؤتمر باريس والمسؤولين الأمريكيين قال إنه لن يعرقل الانتخابات ولكنه سيدعو لمقاطعتها من جانب الليبيين كناخبين ومرشحين.
غير أن حديث المشرى المصبوغ بالتعبيرات السلمية وإن تضمن تحريضا صريحا على كل من المشير حفتر وسيف القذافي ما لبث وأن تحول ميدانيا إلى تهديد بالسلاح واجبار مراكز الاقتراع على الإغلاق، ودعوى للحرب يطلقها صادق الغريانى.
الرؤية المصرية والتى عبرت عنها مبادرة القاهرة بضرورة انسحاب القوات الاجنبية وعناصر المرتزقة كافة كشرط أساسي للاستقرار والتوصيل إلى تسوية سياسية دائمة وعمل مصالحة وطنية شاملة تتضح الآن أهميتها وفلسفتها ذلك أن تحركات المشرى في الغرب الليبي إنما تعتمد على التواجد العسكري التركى حيث تخشى أنقرة من إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية تفضى إلى حكومة شرعية تقوم بإنهاء التواجد التركى بكل اشكاله.
السؤال الآن هل ينجح المجتمع الدولي فى فرض إرادته بتوقيع عقوبات ضد جميع الأطراف الداخلية والإقليمية التى تعمل على عرقلة مسيرة الانتخابات الليبية؟! وهل ينجح كل من رئيس المجلس الرئيسى الليبى محمد المنفى ورئيس الحكومة الوطنية المؤقتة عبدالحميد الدبيبة فى اجتياز هذا الامتحان الصعب خاصة بعد إعلان الأخير رفضه إجراء الانتخابات وفق الانتخابات الليبية وفق القوانين الحالية فى موقف يتمثل مع موقف الإخواني خالد المشري.