بعين الصحفي اللاقطة، استطاع الزميل الكاتب الصحفي والباحث في الدراسات الإسلامية حسام الحداد أن يقبض على الفكرة التي صادفته في أثناء حديث عارض مع أحد أصدقائه، لكي يخرج لنا هذا الكتاب، الذي فتح آفاقا أكثر اتساعًا وإطلالة أكثر رحابة، على فقه الحكم وأصوله التي وردت في الأثر على لسان أحد أكبر علماء الإسلام، وأحكم حكمائه سيدنا علي كرم الله وجهه.
والكتاب الذي عنونه الحداد "الإمام علي وأصول الحكم –قراءة في عهد الإمام علي لمالك الأشتر"، يقع في 129 صفحة من القطع المتوسط، وصادر عن شركة ودار نشر "إنسان" للدراسات والاستشارات والتدريب والطباعة والنشر، هو كتاب كاشف عن كثير من ملامح الحكم الرشيد، الذي استلهمه الإمام علي من مبادئ الإسلام الحقيقية، وكشف عنها في كتابه إلي وإليه، مالك الأشتر الذي عينه واليا على مصر في ذلك الوقت، ولم يتسنَّ له الحكم.
ورغم أن الكتاب -بحسب مؤلفه- يعد محاولة لمناقشة "العهد" الذي أوصى به علي بن أبي طالب أحد ولاته إلا أن الكتاب طرح أسئلة، وكشف عن قصور كبير في فهم قواعد الحكم الرشيد، التي تبناها أحد الخلفاء الراشدين، وأوصى بها حكام الولايات في عهده، وهي أسئلة بحاجة قصوى إلى إجابات أكثر إشباعا للمعرفة حول نظريات الحكم العربي.
وكان من الواضح احتفاء الكاتب الشديد بهذه الوصايا التي أوصى بها الخليفة الرابع، واعتبرها دستورا للحكم لا يجب الخروج عنه من جانب الحاكم، الذي يتولى أمر المسلمين في ذلك الوقت المبكر من العصر الإسلامي، قبل أن تقع مصائر البلاد العربية فريسة للحكم العضود، الذي استمر معظم العصور.
وأشار الكاتب إلى أن مناسبة البحث عن العهد العلوي إلى الوالي الأشتر، جاء متزامنا مع ما أطلق عليه الغرب عندنا "الربيع العربي"، وهي مناسبة رآها الكاتب ضرورية لإعادة النظر في طريقة حكم الأنظمة العربية التي يدعي بعضها الحكم بمبادئ الاسلام والشريعة، وهو ما يتعارض كثيرا مع ما ورد في العهدة العلوية إلى الوالي الأشتر.
ورأى المؤلف أن ما ورد في المبادئ التي تضمنتها وصايا الخليفة الرابع، تتسق مع المبادئ العامة التي وردت في أنظمة الحكم الحديثة، ومنها مبادئ ومواثيق للحكم الرشيد، التي يجب أن تسود العالم، خاصة العربي، الذي عانى كثيرا من حكم الفرد الذي تنتهك فيه الحريات.
وتوقف مؤلف الكتاب أمام موقف السيد كوفي عنان السكرتير العام للأمم المتحدة السابق الذي أعرب عن إعجابه بهذه المبادئ التي وردت على لسان الإمام علي خاصة عبارة "وأشعر قلبك الرحمة للرعية، والمحبة لهم، واللطف بهم، ولا تكونن عليهم سبعا ضاريا، تغتنم أكلهم، فإنهم صنفان، إما أخ لك في الدين وإما نظير لك في الخلق".
وكان من شدة إعجاب الأمين العام للأمم المتحدة بالعبارة المذكورة أن علق بقوله: إن هذه العبارة يجب أن تعلق على كل المؤسسات الحقوقية في العالم، وأن يتم تدريسها كواحدة من أهم مصادر الشريع للحكم الرشيد.
ولا شك أن هذه الإضاءة الكاشفة للعهدة العلوية تكشف عن مدى القصور في نظريات الحكم الإسلامية الحديثة، التي توقفت في معظمها عند إشارات عامة، كان معظمها يدور في إطار "عدم جواز الخروج على الحاكم"، وأن الاختيار يكون "بالبيعة "وهي مبادئ تفتقر إلى كثير من الآليات الديمقراطية، التي توصل إليها الفقه السياسي الإنساني بشكل عام، خاصة النظريات السياسية الغربية منه.
ولم يتح للمواطن العربي أن يحظى بحكم رشيد بالشكل الذي ورد في أوامر الإمام علي لأحد ولاته، وما أشار إليه من ضرورة الأخذ بالرحمة عند التعامل مع ضعفاء الأمة، والشدة مع من يحاول الاستيلاء على حقوق الغير، وأن يجتهد الحاكم في اختيار البطانة الصالحة، التي تعينه على الحق، وتبعده عن الباطل.
وأعتقد أن ما تناوله الكتاب يستحق مزيدًا من البحث لإيجاد نظرية سياسية عربية للحكم، تستلهم هذه المبادئ، وتنفض عن نظريات الحكم الإسلامي ما اعتراها من آراء، أصبح مجرد الإشارة إليها، لا يليق بتاريخ هذه الأمة.