طائر هادئ، يكاد لا يصدر صوتًا، عرفه المصري القديم ورفعه لأعلى مكانة يمكن أن يصل إليها كائن حي على سطح الكرة الأرضية، فلم يكتفوا بنقش صوره على جدران معابدهم ومقابرهم فقط، بل وضعوا لهذا الطائر قانونا خاصا ومكانة كبيرة، وكذا كثير من تماثيله ومومياوته بالمتاحف وصوره المنقوشة على جدران المعابد والمقابر والمسلات هو طائر الأيبس أو أبومنجل أو كما أطلق عليه «الطائر الحكيم» وهو طائر مميز عند الفراعنة فقد بدأ تقديس هذا الطائر منذ بداية عصر الأسرات وحتي العصر الروماني.
فكان رمز للإله جحوتي المعروف باسم «تحوت»، وهو إله القمر والحكمة والطب، الذي عُرف بسيد الكلمة المقدسة، حيث تنسب إليه اختراع فن الكتابة هو «أبومنجل الفرعونى» أحد الطيور البحرية، التي قدسها المصريون القدماء، وكان اكتشاف جبانة تونة الجبل أكبر دليلا على قدسيته، فقد عُثر داخلها على سراديب دفن بها الآلاف من مومياواته، والتي وجدت محنطة ومكفنة بلفائف الكتان، بنفس الطريقة التي يُكفن بها البشر، ووضعت داخل توابيت من الحجر أو الفخار وطائر وتصدرت صوره مقابر القدماء، اختفي تماما من سماء مصر قبل مائة وسبعين عامًا تقريبا، باستثناء أعداد قليلة لا تتجاوز 15 طائرًا، كانت حديقة حيوان الجيزة تحتفظ بها لكن الشوق دوما يجذبنا لمعرفة أين ذهب هذا الطائر الحكيم واختفي من أجواء مصر المحروسة، ولماذا لم يبق كأصدقاء الفلاح «الهدهد وأبوفصاده وأبوقردان».
«أبومنجل».. الطائر اللامع
وأطلق على طائر «أبومنجل» كلمة «اللامع»، لأن منقاره يلمع في السماء عند انعكاس الشمس عليه، ويختلف لونه عند رؤيته بدون أشعة الشمس المباشرة ويعيش في الأقاليم الدفيئة فى نصفى الكرة الأرضية الشمالي والجنوبي و«أبومنجل» المقدس كان يعيش على ضفاف النيل وشواطئ البحيرات والترع والمستنقعات وربما أطراف الصحاري المصرية ويعرف أحيانًا باسم «الطائر الناسك» بسبب حبه للانعزال في المناطق البعيدة، حيث يتكاثر في جروف صخرية أو منحدرات جبلية يصعب الوصول إليها.
طائر الأبيس.. رمز إلى الإله «تحوت»
وظل أبومنجل يشغل عقول الأثريين والباحثين عن أهميته في الحضارة الفرعونية القديمة فقد كان يُمثل الإله «تحوت» وهو إله الحكمة والكتابة والسحر والأدب والعلم، ورمز المصريين القدماء إلى الإله «تحوت» بثلاثة كائنات منها الطائر أبيس «أبومنجل» أو رأس أبيس على جسد آدمى والمعبود تحوت هو أحد المعبودات في مصر القديمة، والذي يظهر في الفن المصري على شكل طائر أبيس «أبومنجل» بهيئة رجل يحمل رأس طائر الأبيس وتحوت هو المعلم أو الوحى أو الرسول الذي ينقل العلم من عالم الروح إلى العالم المادي، ومن بين صفات «تحوت»، الانتقال بين العوالم، لذلك اختار قدماء المصريين طائر الأبيس ليكون رمزا له وقيل أن المصري القديم تأمل طائر الأبيس فرأى أن هذا الطائر دائما ما يقف على الحد الفاصل بين الماء واليابسة، وكأنه يقف بين عالمين، فكان ذلك رمز لتحوت الذي يمتلك القدرة على الانتقال بين عالمين، حسب حديثه.
ويقول باحث أثرى، إن الإله «تحوت» أو كما يعُرف في اللغة المصرية القديمة باسم «جحوتى» هو المعبود الذي نسب إليه أصول الحكمة والحساب ورعاية الكتابة والكتاب والفصل في القضاء، كما اعتبروه كاتبا أعلى ووزيرا، ونائبا لمعبودهم الأكبر «رع»، فهو الذي يقسم الزمن إلى شهور، وهو الذي ينظم شئون العالم، فكان «تحوت» أعظم الموظفين شأنًا فكان الوزير الذي يقف بجانب «رع» على سطح سفينته ليتلو عليه شئون الدولة، وهو القاضي الذي يقضي في المنازعات، ويتنبأ للبشر بما سوف يحدث لهم، ويشيد المدن ويضع حدودها، وهو الذي أعطى الناس الكلمات والكتابة وعلم الحساب الصحيح.
الطائر الحكيم «تحوت الوفى»
وقال علماء المصريات عن أسباب الربط بين أبومنجل وبين الكتابة إن سلوك الطائر والطريقة التى يحرك بها منقاره المقوس في المياه الضحلة بحثًا عن الطعام، وأسلوب التقاطه للحشرات من الأشجار يشبه طريقة الكتابة كما أن طريقة تحريكه لرأسه ومنقاره تشبه طريقة تحريك اليد وهي ممسكة بالقلم.
السراديب أو بئر الطير
سراديب تونة الجبل تعد بمثابة مدينة كاملة تحت الأرض تقدر بمساحة تصل لأكثر من 3 كم في جميع الاتجاهات، خصصت لدفن الحيوانات المقدسة «قرد البابون والطائر الأيبس وهو المعروف بمالك الحزين - أبومنجل- أبوقردان» رموز المعبود تحوت أو توت، فكانت تحنط وتوضع بتوابيت خشبية أو حجرية أو فخارية بغرفة خاصة خارج أعلى السرداب، وتدفن كقرابين للالهة مثلها كمثل إضاءة شمعة بقبور الصالحين أو بالكنائس الآن بمفهومنا الحديث ونظرا للتكدس الهائل لتلك النذور والقرابين وتكويمها بعضها فوق بعض ملئت السراديب على مر العصور وبسبب ذلك تلف الكثير منها والتي بلغت التقديرات إلى نحو 5 ملايين تابوت بل وأكثر.