تعودت التيارات الإسلامية في العالم العربي على مراحل الصعود والهبوط، لذلك كونت لديها خططًا بديلة للالتفاف على أي سقوط، وللهروب من نقطة الضعف واحتلال مناطق قوة تعوض الخسارة الماضية، أبرز هذه الخطط تتمثل في قبول الهزيمة، وإعادة ترتيب الأوراق من جديد، والسعي الدائم للامتزاج بالتيارات الأخرى وعدم تصعيد نبرة العداء بينها، وهذا ما ينتهجه حزب "العدالة والتنمية" بالمغرب لتفادي وضعه الخجول بعد خسارة الانتخابات البرلمانية الأخيرة في سبتمبر الماضي.
ورغم الطريقة السلسلة التي تبناها الحزب في التعامل مع الحكومة الجديدة برئاسة عبدالعزيز أخنوش، ورفعه لشعار الرفق بمعارضة أخنوش لصعوبة ما تتحمله أي حكومة، وهو بذلك يحاول كسب العديد من النقاط منها تخفيف حدة الحكومة تجاه الحزب، وعدم خلق عداوة معها، إلى جانب ضمان عدم فتح الملفات التي فشلت فيها حكومة "العدالة والتنمية" والتي تحاول إصلاحها الآن الحكومة الجديدة، فأي نقد منه للحكومة سوف يقابل بجملة معروفة مسبقًا وهي أن التركة الموجودة الآن هي نتيجة فشلكم الذريع قرابة عشر سنوات ماضية.
تلقى حزب "العدالة والتنمية" العديد من الضربات الموجعة عقب إعلان خسارته في الانتخابات البرلمانية، وتعامل معها بلامبالاة مركزا دوره في إعادة ترتيب أوراقه، لكن أبرز ما أقلق أعضاء الحزب وخاصة أمينه العام عبد الإله بنكيران اعتقاد البعض أن سقوط الحزب في المغرب، والذي جاء بعد الإطاحة بحركة النهضة من المشهد السياسي التونسي، إشارة قوية لإغلاق قوس التيارات الإسلامية الذي انفتح بشدة بعد العام 2011.
"إغلاق قوس الإسلاميين"؛ جملة أثارت ذعر أعضاء العدالة والتنمية، وذلك بعدما أطلقها وزير العدل السابق وعضو حزب التجمع الوطني للأحرار محمد أوجار، خلال كلمته بمنتدى أصيلة الثقافي، في الثالث من الشهر الجاري، والذي تحدث فيها عن أزمة الديموقراطية وعلاقة الأحزاب بالأزمة في العالم العربي، وتدني المشاركة الانتخابية، وحصر العملية الديموقراطية في الانتخابات فقط، إلى جانب إشادته بالاستحقاقات الانتخابية الأخيرة والتي شهدت تداولا سياسيًا للأحزاب، موضحًا أن المغرب استطاع غلق قوس الإسلاميين".
ومنذ صدور كلمة أوجار فإن ردود الفعل وخاصة من أعضاء "العدالة والتنمية" لم تتوقف حتى اللحظة، حيث بادرت سعاد شيخي، إحدى أعضاءه، بالرد على "أوجار" فوصفت كلمته بالـ"صدى لما يدور في الغرف المغلقة" كما اعتبرتها محاولة لإسقاط تجارب دول الجوار على المغرب، في إشارة منها لسقوط النهضة في تونس.
وشددت "شيخي" بدورها، خلال تدوينة مطولة لها عبر صفحتها بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، على تجذر وجود الحزب في المجتمع، وأن أعضاءه لا يمارسون السياسة فقط بل يتنفسونها، وأن الحزب مستمر في ممارسة العمل السياسي، إلى جانب إشارتها لتغلغل المنتمين إليه في كافة مؤسسات الدولة المغربية.
واستندت "شيخي" لمقولة الأمين العام السابق للحزب سعد الدين العثماني التي تهدد القائلين بأن القوس تم إغلاقه، وهي: أنا جندي من جنود الحزب، خير دليل، فهل يمكن لهم إغلاق قوس العدالة والتنمية؟!
وبدوره علق الأمين العام الحالي للحزب عبد الإله بنكيران على مقولة أوجار، التي جعلته يخرج عن نهجه في اتباع المعارضة الناعمة الذي رفعه شعارا أمام حكومة "أخنوش"، ليكشر عن أنيابه ويهاجم أوجار بسخرية قائلا "أنت رجل لطيف، كيف تتحدث عن إغلاق قوس الإسلاميين".
خلال كلمته أمام اجتماع الأمانة العامة للحزب، أمس الاثنين، أضاف بنكيران أننا في غمرة احتجاجات 20 فبراير لم نسمع لك موقفا، بل إننا لم نكن نعرف أين كنت تختبئ".
وشرح بنكيران أنه طالب الأحزاب بإعلان موقف واضح من الاحتجاجات، بينما كان الأمين العام لحزب التجمع الوطني للأحرار يتحدث بشكل متردد جدا. ليعلن بذلك معارضته لـ"أوجار" و"أخنوش" معًا.
وطالب بنكيران أعضاء حزبه بتحمل الفترة المقبلة، لأنها تستدعي نوعا من التضحية، حسب وصفه، مؤكدا أن ميزانية حزب العدالة والتنمية تراجعت بحوالي 90 في المائة.