في مثل هذا اليوم 16 نوفمبر عام 1869 افتتحت قناة السويس وسط احتفالية أسطورية حضرها العديد من ملوك وأمراء وأباطرة العالم، وأقام الاحتفالية الخديوي إسماعيل ودعا إليها أباطرة وملوك العالم وقريناتهم لحضور حفل الافتتاح، وقد كان حفلا أسطوريا ووصلت الحفلة إلى مستوى فاق ما نسمعه عن حكايات ألف ليلة وليلة.
وكان من ضمن شروط الحفل الاهتمام بزى العساكر وخاصة العاملين بالجوازات والصحة لأنهم فى طليعة المستقبليين للملوك، كما تضمن الاهتمام نظافة المدينة وتم حث التجار على توريد الخضراوات واللحوم والأسماك كبيرة الحجم لبورسعيد لمواجهة الطلبات المتزايدة وحتى يوم 15 نوفمبر كان قد تم استدعاء خمسمائة طباخ من مرسيليا وجنوة وتريستا، كما جهز عدد من السفن لإحضار المدعوين من الاسكندرية لبورسعيد.
وتم الاستعداد للاحتفال فى بداية نوفمبر 1869 حيث أخطر ديليسبس محافظة بورسعيد بأن الخديوى أذن في بدء إعداد الزينات، وبالفعل تم إخلاء الشوارع وترتيب العساكر اللازمين لحفظ الأمن وامتلأت بورسعيد بالمدعوين، وكان الخديوى قد طلب من مديرى الأقاليم ان يحضروا عدد من الاهالى بنسائهم وأطفالهم لحضور حفل الافتتاح فانتشروا على خط القناة من فلاحين ونوبيين وعربان بملابسهم التقليدية حتى أن الإمبراطورة "أوجيني" إمبراطورة فرنسا فى ذلك الوقت أبرقت إلى الإمبراطور نابليون الثالث بأن الاحتفال كان فخماً وأنها لم ترى مثله في حياتها، ومما زاد الأمر أبهار هو اصطفاف الجيش والأسطول المصري فى ميناء بورسعيد بالإضافة لفيالقه على ضفاف القناة.
و أقيمت ثلاث منصات خضراء مكسوة بالحرير خصصت الكبرى للملوك والأمراء والأباطرة والثانية لليمين لرجال الدين الإسلامى، أما الثالثة لليسار خصصت لرجال الدين المسيحى، وجلس بالمنصة الكبرى الخديوى إسماعيل، مسيو ديليسبس، الإمبراطورة أوجينى إمبراطورة فرنسا، فرنسوا جوزيف إمبراطور النمسا، ملك المجر وولى عهد بروسيا، الأمير هنرى شقيق ملك هولندا، سفيرا إنجلترا و روسيا بالآستانة، الأمير محمد توفيق ولى العهد، الأمير طوسون نجل محمد سعيد باشا والأمير عبد القادر الجزائرى، وقد بلغ عدد المدعوين من ذوى الشأن الرفيع ستة ألف مدعو.
واصطف العساكر عند رصيف النزول لحفظ الأمن ومنع الازدحام وكانت المراكب الحربية اصطفت على شكل نصف قوس داخل ميناء بورسعيد في منظر بديع وبعد أن تناول الجميع الغذاء على نفقة الخديوى صدحت الموسيقى بالغناء وبعزف النشيد الوطني وتلا الشيخ إبراهيم السقا كلمة تبريك وقام أحبار الدين المسيحي وأنشدوا نشيد الشكر اللاتيني، وقد استخدم إسماعيل تلك المناسبة لإظهار مدى حضارة مصر ولمحاولاته إظهار مزيد من الاستقلالية عن الآستانة.
وعلى الرغم من أنه لا توجد صور فوتوغرافية معروفة عن هذا الاحتفال الضخم، إلا أن الخديوي إسماعيل كان قد كلف عدد من الرسامين بتوثيق الحدث في عدة لوحات، وتوجد بعض تلك اللوحات معلقة في البوم حائطي في يخت المحروسة الملكي في مصر.