أثيرت عبر مواقع التواصل الاجتماعى حالة من الجدل بين الكتاب والمثقفين فجرها العقود بين الكتاب والناشرين فى مصر، إذ يحرص عدد كبير من دور النشر على الحصول على أموال من الكتاب مقابل طباعة أعمالهم.
وطالب الكاتب الروائى محمد عبدالنبى عبرحسابه الشخصى بموقع «فيسبوك» الكتاب ولاسيما الشباب منهم، بعدم دفع أموال للناشرين مقابل نشر كتبهم.
ويضيف عبدالنبى خلال منشوره أن الناشرين يحصلون من المؤلف على سعر تكلفة الكتاب، وجهدهم ومصاريفهم الإدراية، وبالتالى لن يتحملوا عناء التسويق والترويج للكتاب، داعيًا الكتاب باللجوء إلى النشر الذاتى حال رفضت دور النشر الدفع مقابل الحصول على الأعمال.
هذا النقاش ربما أثاره أزمة داخل أورقة اتحاد الناشرين المصريين، وصفها بعض الناشرين بالفضيحة، إذ حصلت إحدى دور النشر على مبلغ 500 دولار من 10 كتاب مقابل طباعة أعمالهم،وهو ما لا يحدث.. البوابة تواصلت مع اتحاد الناشرين للتعليق ولكنهم رفضوا..
وفى المقابل يلجأ بعض الكتاب إلى تجربة النشر الذاتى بدلًا من الدفع لدور النشر الخاصة بسبب ما يصفه الكتاب بتلاعب الناشرين ولاسيما بالطبعات وعدد النسخ فى كل طبعة ناهيك عن التلاعب بالأرباح..
تجارب النشر الذاتى
لم يجد الشاعر والطبيب إسلام نوار مفرًا من طبع ديوان الشعرى الأول «لا تقول عن ولدى إنه يمشى فى السماء» عام 2019، على نفقته الخاصة إضافة إلى إتاحته مجانًا للقراء عبر شبكة الإنترنت بعدما وجد تعنتًا من دور النشر الخاصة، معتبرًا الديوان بداية قد يخلق له قاعدة جماهيرية تمكنه من النشر الورقى بعد ذلك..
«طالبت دور نشر بتغيير محتوى الديوان مقابل نشره» هكذا يبدأ نوار حديثه للبوابة، مشيرًا إلى أن بعض دور النشر المصرية والعربية أبدت تخوفًا لنشر ديوانه بسبب ما رأته تجاوزًا للعادات والتقاليد، لجرأة الموضوعات التى يتناولها الديوان.
وعن العقود التى تقدمت دور النشر بها يقول «نوار» إن الناشرين المصريين يدفعون أموالًا للمصححين، ولمنسقى الكتب، ولتصميم الأغلقة ولكنهم لا يدفعون أموالًا للكتاب، بل قد تطلب دور النشر منهم دفع تكاليف عدد النسخ المتفق عليها مسبقًا، خوفًا من أى خسائر يتحملها النشر فى حال عدم بيع الكتاب ويضيف «نوار» أن دور النشر رغم عدم تحملها لأى أموال باستثناء الأمور الفنية تقاسم المؤلف فى الأرباح.
وهنا يقول الناشر زكى محمد مدير دار إشراقة للنشر، إن هناك 3 طرق معتمدة فى كافة دور النشر لتوقيع عقود مع الكتاب، ومنها النشر على نفقة الدار مقابل حصول الكاتب على نسبة 10% من الأرباح وهى الطريقة الأساسية للتعاون، أو النشر مناصفة بين دار النشر والكاتب بسبب الأزمات التى تواجه صناعة النشر، وأخيرًا النشر على نفقة الكاتب ولكن فى المقابل يحصل الكاتب على نسبة الـ50% من الأرباح مقابل 10% فقط لدار النشر.
دور النشر التى تدفع للكتاب مقابل نشر الأعمال حسب ما يقول «نوار» 3 أو 4 دور نشر كبرى فقط فى مصر، غالبًا مايكون لديها حسابات أخرى، مثل حصولها على معونات خارجية مثل دار الشروق التى تحصل على معونة أمريكية تحت بند الثقافة.
ظاهرة النشر الذاتى لا تقتصر على العالم العربى فقط، لكن هناك إحصاءات تشير إلى أن النشر الذاتى يساهم بنسبة أرباح تتجاوز مليار دولار سنويًا فى سوق الكتاب الأمريكى الذى يقدر نسبة أرباحه بـ25 مليار دولار سنويًا، إلا أن ظاهرة النشر الذاتى فى العالم العربى لا تزال قليلة مقارنة بالأسواق الخارجية.
ويعتبر الشاعر عماد أبو صالح أكثر شعراء جيل التسعينيات رواجًا والفائز بجائزة «سركون بولص» للشعر لعام 2020 أبرز مثال على تجربة النشر الذاتي، فهو يطبع طبعات خاصة محدود وبأغلفة بسيطة ويوزعها بنفسه.
مخاوف عدم التسويق
تجربة أخرى فى النشر الذاتى والتى عادة ما تنتهى برفع الأعمال الأدبية عبر مواقع الإنترنت، يرويها الكاتب هيثم الوزيري، مؤلف «الوفاة المؤلمة لريسكي»..
ويصف «الوزيرى ما آل إليه حال صناعة النشر فى مصر بـ«بالسمسرة»، إذ يجهل غالبية الناشرين طبيعة عملهم الأساسي.
فى البداية لجأ «الوزيري» إلى قطاعات النشر الحكومية وتحديدًا الهيئة العامة للكتاب، لنشر مجموعته الثانية «أميرة الحكايات الجديدة» ولكن جاءه الرد بالرفض، بسبب محتوى المجموعة والذى رأت الهيئة أنه لا يتماشى مع السياسة التحريرية بها وهو الأمر الذى يقول «الوزيري» أنه تفهمه تمامًا لأنه مدرك أن الهيئة لديها سقف لايمكنها تجاوزه..
ولكن الأزمة فى تعنت دور النشر الخاصة التى أصبح العاملون بها «سماسرة» لنشر الكتب حسب تعبيره.
تقدم الوزيرى لعدد من دور النشر الخاصة التى طالبت الكتاب بتقديم أعمالهم للنشرولكن أسباب الرفض تنوعت ما بين رفض إحدى دور النشر مجموعته القصصية، لأنها لا تفضل النشر لكتاب سبق لهم النشر مع دور أخرى فى إشارة إلى مجموعته الأولى «وفاة مؤلمة لريسكي» والتى نشرتها دار إبداع للنشر فى عام 2013.
أرسل الوزيرى مخطوط مجموعته إلى دور نشر خاصة أخرى، وهو فاقد للأمل حسب قوله بسبب معرفته السابقة بأن الدور الخاصة تنشر مقابل حصولها على المال، وهو الأمر الذى قد يدفع دور النشر للتغاضى عن المحتوى الذى يقدمه الكاتب، وهو ما يراه «الوزيري» إهانة للكاتب.
ويرد الوزيرى على حديث الناشرين بأن عملية النشر لكتاب جديد فيها مغامرة كبرى قائلًا إن عدم تحقيق الكتب للأرباح مسئولية الناشر الذى من المفترض أن يتولى عملية التوزيع والترويج للمنتج الأدبى الذى اعتبره جيدًا ويصلح للنشر، مضيفًا أن مهمة الناشر أنه يعثر على المنتج الأدبي، ثم يقوم بنشره على نفقته الخاصة، ويحصل على الأرباح بعد تسويق وتوزيع المنتج، وهو ما لا يحدث حاليًا.
لجان القراءة هى الحل
وفى هذا الصدد يصف الناشر زكى محمد مدير دار إشراقة للنشر، حالة بعض دور النشر الخاصة فى مصر بالكارثة التى تسبب فيها وجود عدد كبير من دور النشر التى تحولت إلى أكشاك وليس دور نشر خاصة بل ظهر ما يعرف بـ«بباقات النشر».
ويضيف للبوابة:» إن هذه الدور ليس لديها أى خلفية عن صناعة النشر ولكن هدفها الوحيد هو العيش على دماء الكتاب ولاسيما الشباب منهم، مؤكدًا على أن هذه الدور ليسى لديها لجان قراءة ونشر لفحص الأعمال التى يقدمها الكتاب.
وفى نهاية المطاف سار الوزيرى على درب «نوار»، قرر إتاحة روايته»أميرة الحكايات الجديدة» مجانًا عبر الإنترنت، بعد تصميم غلاف لها وصفحة عبر موقع جود ريدز المختص بالكتب، ولكنه قام بالحصول على رقم إيداع للكتاب عن طريق دار المثقف للنشر كنوع من الحماية له وللمجموعة من السرقة.
وحول لجوء الكتاب إلى النشر الإلكتروني، يقول زكى محمد، إن الكتاب الذى يحقق رواجًا إلكترونيًا يجعل الناشرين يرغبون فى نشر الكتاب ورقيًا، مضيفًا إن هناك دور نشر كبرى تلجأ حاليًا لطباعة كتب لمشاهير مواقع التواصل الاجتماعى بغض الطرف عن المحتوى الذى يقدمه الكاتب.