(لا أعتقد بوجود مفكر عربي في تاريخ العرب الحديث، امتلك ناصية الفكر كما امتلكه "الأستاذ العميد " والمعلم الأول) هكذا يصفه الكاتب الصحفي والباحث صلاح زكى.
هو الفكر بكل أنواعه وصوره، من رواية أو نقد أدبي أو تاريخ أو تراجم أو تربية أو علم اجتماع أو علم نفس، أو فكر إسلامي أو دراسات مُستقبلية أو حتى الشعر، والذي قاربه في مطلع حياته الإبداعية.
هكذا كانت السمة الرئيسية المُلازمة لكل صور الإبداع عند "طه حسين" هي أخذ الأمور بجدية وصرامة ودقة فاقت كل حد، حتى أنه من الصعب العثور عَلى واحد من إبداعاته يمكن وصفها بأنها افتقدت تلك الصفة الجادة والمُرهقة لأي كاتب أو مُبدع حقيقي....
ولد طه حسين (15 نوفمبر 1889 - 28 أكتوبر 1973) في عزبة صغيرة تقع على بعد كيلو متر واحد من مغاغة بمحافظة المنيا. والده هو حسين على موظف في شركة السكر وله ثلاثة عشر ولدًا كان سابعهم في الترتيب طه الذي أصابه رمد فعالجه الحلاق علاجًا ذهب بعينيه في سن السادسة وكانت هذه العاهة هي السبب في الكشف مبكرا عن ملكات طه حسين، فقد استطاع كما يقول المؤرخ سامح جميل "تكوين صورة حية في مخيلته عن كل فرد من أفراد عائلته اعتمادا على حركة وصوت كل منهم بل كانت السبب المباشر في الكشف عن عزيمته بعد أن قرر التغلب على عاهته بإطلاق العنان لخياله إلى آفاق بعيدة".
أتم طه حسين حفظ القرآن الكريم بينما لم يكن قد أكمل السنوات العشر وبعد ذلك بأربع سنوات بدأت رحلته الكبرى متوجها إلى الأزهر طلبًا للعلم. في عام 1908 بدأ يتبرم بمحاضرات معظم شيوخ الأزهر فاقتصر على حضور بعضها فقط مثل درس الشيخ بخيت ودروس الأدب وفي العام ذاته أنشئت الجامعة المصرية فالتحق بها طه حسين وسمع دروس أحمد زكي باشا في الحضارة الإسلامية وأحمد كمال باشا في الحضارة المصرية القديمة ودروس الجغرافيا والتاريخ واللغات السامية والفلك والأدب والفلسفة.
أعد طه حسين رسالته للدكتوراه وقد نوقشت في 1914 وكانت عن أبي العلاء وكانت أول كتاب قدم إلى الجامعة وأول رسالة دكتوراه منحتها الجامعة المصرية. وقد أحدث نشر هذه الرسالة في كتاب ضجة هائلة ومواقف متعارضة وصلت إلى حد طلب أحد نواب البرلمان حرمان طه حسين من حقوق الجامعيين (لأنه ألف كتابا فيه إلحاد وكفر) ولكن سعد زغلول أقنع النائب بالعدول عن مطالبه وفى نفس العام سافر طه حسين إلى فرنسا ضمن بعثة من الجامعة المصرية والتحق هناك بجامعة مونبلييه ودرس اللغة الفرنسية وعلم النفس والأدب والتاريخ.
لأسباب مالية عاد المبعوثون وفي العام التالي 1915 عاد طه حسين إلى بعثته ولكن إلى باريس هذه المرة حيث التحق بكلية الآداب بجامعة باريس وتلقى دروسه في التاريخ ثم في الاجتماع وقد أعد رسالة على يد عالم الاجتماع الشهير "اميل دوركايم" عن موضوع "الفلسفة الاجتماعية عند ابن خلدون" وأكملها مع "بوجليه" بعد وفاة دوركايم وناقشها وحصل بها على درجة الدكتوراه في عام 1919م ثم حصل على دبلوم الدراسات العليا في اللغة اللاتينية.
في عام 1919 عاد طه حسين إلى مصر فعين أستاذا للتاريخ اليوناني والروماني واستمر كذلك حتى عام 1925 حيث تحولت الجامعة المصرية في ذلك العام إلى جامعة حكومية وعين طه حسين أستاذا لتاريخ الأدب العربي بكلية الآداب.
بدأت معركة طه حسين الكبرى من أجل التنوير واحترام العقل في عام 1926 عندما أصدر كتابه "في الشعر الجاهلي" الذي أحدث ضجة كبيرة ورفعت دعوى قضائية ضد طه حسين فأمرت النيابة بسحب الكتاب من منافذ البيع وأوقفت توزيعه.
في عام 1928 تفجرت ضجة ثانية بتعيينه عميدًا لكلية الآداب الأمر الذي أثار أزمة سياسية انتهت بالاتفاق مع طه حسين على الاستقالة فاشترط أن يعين أولًا وبالفعل عين ليوم واحد ثم قدم الاستقالة في المساء ثم اختارت الكلية طه حسين عميدًا لها عام 1930 مع انتهاء عمادة ميشو الفرنسي
في عام 1932 حدثت أزمة كبرى حيث كانت الحكومة ترغب في منح الدكتوراه الفخرية من كلية الآداب لبعض السياسيين فرفض طه حسين حفاظًا على مكانة الدرجة العلمية مما اضطر الحكومة إلى اللجوء لكلية الحقوق.
كان فكر طه حسين مزيجا قويا بين حضارتين متصارعتين مختلفتين متغايرتين "حضارة الشرق" و"حضارة الغرب".
تعرف الدكتور طه حسين على زوجته السيدة سوزان عندما كانت تقرأ مقطعا من شعر رايسين فأحب نغمات صوتها وعشق طريقة إلقائها وتعلق قلبه بها.
وعلى مدى 60 عاما لازمته في كل كبيرة وصغيرة في حياته، فلم تفارقه يومًا حتى فارق الحياة.
ومن موقع "هُن" نقرأ أبرز المعلومات عن الزوجة الوحيدة لعميد الأدب العربي.
- هي السيدة الفرنسية سوزان بريسو، التي ولدت عام 1895، لأسرة كاثوليكية.
- عملت "بريسو" بالتدريس لفترة.
- التقت طه حسين الشاب عندما انتقلت للعيش إلى جنوب فرنسا بسبب الحرب العالمية.
- رغم اعتراض أسرتها في البداية، إلا أنه الزواج تم في 9 أغسطس 1917، بعد مباركة شقيق والدها وهو أحد القساوسة، وذلك بعد جلسة قصيرة مع طه حسين.
- بعد 16 عاما من رحيل عميد الأدب العربي، رحلت حبيبته وصديقته التي كان دومًا يخبرها أنه أعمى بدونها عن عمر ناهز 94 عاما.
هي من أكثر قصص الحب المظلومة عبر التاريخ، ومن أروعها على الإطلاق.. قصة حب الزواج المستحيل.
حب قائم على الاختلاف٬ الاختلاف بكل معانيه: هو مصري وهي فرنسية..
هو مسلم وهي مسيحية٬ هو من عائلة فقيرة وهي من عائلة أرستقراطية..
هو فاقد البصر وهي شقراء بعينين زرقاوين فائقة الجمال.
ورغم كل هذه الاختلافات استمر زواجهما 56 عامًا حتى وفاته..
وكانت لقصة حبهما ثمرتان.. أنيس وأمينة.. وبعد وفاته لم يتوقف الحب
وكتبت سوزان كتابًا تخلد فيه قصة حبهما: أسمته "Avec Toi" أو "معك”
تقول في فصله الأخير:
"وفي النهاية كُنا معًا.. دائمًا.. وحدنا.. قريبين لدرجة فوق الوصف
كانت يدي في يده متشابكتين كما كانتا في بداية رحلتنا
وفي هذا التشابك الأخير٬ تحدثت معه وقبلت جبينه الوسيم
جبين لم ينل منه الزمن والألم شيء من التجاعيد
جبين لم ينل منه هموم الدنيا من العبس
جبين لا يزال يشع ضوءًا ينير عالمي".