في أولى حلقات الشارع الثقافي والتي سيتم تقديمها على "البوابة نيوز" بشأن الوضع الثقافي الراهن والذي سنحاول من خلاله أن نلقي الضوء على أهم القضايا الثقافية والموضوعات التي تهم الشارع المصري والعربي أيضًا.
وبعد تصاعد الجدل حول مسرحية “المومس الفاضلة” وتصدرها "الترند" في كل مواقع التواصل الاجتماعي، ووصول الى البرلمان، فإننا نلقي الضوء على ما حدث خلال السطور التالية..
انطلق الجدل بشأن المشروع المسرحي، واتفق على تنفيذه كلا من سيدة المسرح العربي الفنانة القديرة سميحة أيوب، والنجمة إلهام شاهين خلال توجدهما سويًا خلال أيام مهرجان شرم الشيخ للمسرح الشبابي، وكنت من سعداء الحظ أن أكون في حفل توقيع كتاب "المتمردة" للفنانة إلهام شاهين خلال أيام مهرجان القومي للمسرح المصري، تعرفت على شخصية تلك الفنانة عن قرب ومدى شغفها وحبها للمسرح، والتي قررت الابتعاد عنه لأكثر من 20 عامًا، لتكون عودتها مع هذا العرض المسرحي الفلسفي لأحد أهم كتاب المسرح في العالم وهو "جان بول سارتر".
فبمجرد أن أعلنت الفنانة إلهام شاهين عن رغبتها بالعودة للمسرح بشرط أن تخرج العرض الفنانة سميحة أيوب إلا وانهالت الاتهامات على كلتهما، للحد الذي وصل إلى تقديم استجواب بمجلس النواب المصري، واستدعاء لوزيرة الثقافة الدكتورة إيناس عبد الدايم.
وقد يتصور الجميع المشهد الذي يحدث عندما نعود إلى محركات البحث ونتفقد الترند لنجد أن «المومس الفاضلة» تتصدر هذا المشهد، ولماذا؟ قد يتعجب الجميع ولكن ليست المومس التي تحدث عنها "سارتر" من خلال روايته المسرحية الشهيرة ذات الفصل الواحد، والتي حملت عنوان "المومس الفاضلة" وهو العرض الذي قدمته سيدة المسرح العربي سميحة أيوب خلال زيارة جان بول سارتر إلى مصر، هذا النص الفلسفي الذي يعالج قضية العنصرية والصراع الطبقي عبر شخصية "ليزي" الفتاة العاهرة التي أوقعها حظها التعس في أن تكون بجوار حادث قتل عنصري، إذ قام أحد الأشخاص ذو البشرة البيضاء بقتل رجل ذو بشرة سوداء، وفرار شخص أخر صاحب نفس لون البشرة "زنجي" أو "الزنجي" كما لقبه سارتر في روايته، حيث تبدأ أحداث المسرحية باقتحام الزنجي لمنزل "ليزي" العاهرة ليستنجد بها ويطلب مساعدتها في أن تقول الحقيقة لتنجيه من المصير الذي ينتظره، وتوعده "ليزي" بأنها ستقول الحقيقة، إلا أن "ليزي" المومس تتعرض لإبتزاز من نوع أخر حيث يأتي إليها "فريد" وهو ابن أحد أعضاء مجلس الشيوخ ليعرض بأن تشهد ضد "الزنجي" لتدافع عن الشخص الأبيض "القاتل"، ويعرض عليها المال في مقابل ذلك إلا أنها ترفض وتُصر على قول الحقيقة وتصرخ في وجهه قائلة: "لا أريد دولاراتك الخمسمائة" لا أريد أن أزور شهادتي…." ليتطور المشهد فيما بعد وتصر "ليزي" على قول الحقيقة على الرغم من تهديدها ووعيدها بالسجن وكأنها بين عصا السجان وجزرته.
رغم طريقة عيشهتا البغيضة وبيعها لجسدها في مقابل المال إلا أنها ترفض الشهادة الزور وتُصر على قول الحقيقة حيث تقول في أحد المشاهد: «أنا أفضل السجن، لكني لن أكذب» وتستمر محاولتهم المستميته في اجبار "ليزي على الشهادة الزور وإرغامها على التوقيع، وتبدأ سلسلة من الأحداث التي تظهر فيها شخصية "ليزي" المومس الفاضلة التي فضلت أن تشهد وتقول الحقيقة، وكيف استخدم البيض نفوذهم وسلطتهم ضد السود، فهي مسرحية سياسية بامتياز تعالج قضية العنصرية التي مارسها الأمريكيون في بداية عهدهم ضد السود "الزنوج".
لم تحدث تلك الإشكالية الكبرى التي تعالجها المسرحية هذا اللغط الكبير الذي حدث منذ أيام حول إعلان الفنانة إلهام شاهين بنيتها بعمل المسرحية، فذهب الجميع لاسم العمل المسرحي باعتباره ثقفة رابحة للترند المصري. ولم يتطرق أي منهم للقضية التي تطرحها، فنحن نعيش تحت شعار لم يقرأ أحد! فاللغط حدث على مجرد مشروع مسرحي لم يحدث بعد، ولم يظهر للنور بعد! وللعجب أن إلهام شاهين دائمًا ما تُثير الجدل أينما ذهبت -فليكن الله في عونها- فلم تُحدث المسرحية كل هذا اللغط خلال فترة عرضها الأول في فترة الستينيات.
سنطرح عدة تساؤلات في "الشارع الثقافي" لعنا نجد لها إجابات! هل غابت عنا القراءة؟، وهل أتعب العضو بمجلس النواب نفسه والذي أعلن بأنه سوف يقدم استجوابا بمجلس النواب حول الأزمة المفتعلة لمجرد اسم العرض المسرحي، فأنصحة مسبقًا قبل أن يقوم بهذا الاستجواب أن يبحث عن اسم المسرحية ويقرأها لأنه سيعرف بمجرد تصفحة لصفحاتها الأولى بأنها تعالج قضية إنسانية عاني منها آلاف البشر على مدار عشرات السنين، وللحديث بقية….