الثلاثاء 07 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

أسوان.. خجل كان يمكن تجنبه!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تعرضت أسوان فجر السبت لسيول شديدة امتدت لساعات، أدت لانهيار منازل مبنية بالطوب اللبن، وانهيارات جزئية لمبانٍ أخرى، بالإضافة لانهيار بعض المقابر، وما سببته السيول من انجراف لرفات الموتى.. إلى جانب العقارب التي جرفتها السيول وأدت لمئات الإصابات، وأسفرت كما قيل عن استشهاد ثلاث جنود نتيجة لدغ العقار أثناء قيامهم بدورهم في الإنقاذ.. بالإضافة لسقوط أشجار وبعض أعمدة الضغط العالي مما تسبب في انقطاع التيار الكهربي، وتعطل حركة السير..وهو ما جعل المحافظة الجميلة الهادئة التي أراها من أجمل بقاع الدنيا، تعيش ساعات مؤلمة وقاسية أشبه بالكابوس..

ورغم ضخامة الحدث وتأثيره، إلا أننا بكل أسف لم نجد اهتماما من الإعلام بمسايرة الأحداث ونقلها للمصريين كي نستشعر حجم الكارثة التي لحقت بأهلنا في أسوان الحبيبة!.. ولأنني كنت تواقة لاستقاء معلومات وافية وموثوقة لمحاولة فهم ما يجرى، لذلك لم أجد خيرا من صفحة العالم الجغرافي والأديب والمترجم والمثقف الكبير أ.د/عاطف معتمد (أستاذ الجغرافيا بكلية الآداب بجامعة القاهرة)، والذي أعلم يقينا أنه لن يتجاهل حدثا كهذا، ولن يبخل على طلابه ومتابعيه ومريديه بمعلوماته وتحليلاته التي باتوا ينتظرونها..وقد فوجئت بأنه لم يكن فقط شارحا أو محللا للموقف، بل أنه كان شاهد عيان حيث سافر قبلها بأربعة أيام إلى أسوان، ضمن فريق عمل لتوثيق بعض جوانب التراث الوطني المصري في إقليم النوبة، في إطار مشاركته في مشروع الإعداد لعمل موسوعي رائد يشرف عليه المركز القومي للبحوث وأكاديمية البحث العلمي.. 

فكتب شرحا وتعليقا مستفيضا للحدث تحت عنوان”أسوان..خجل كان يمكن تجنبه” ومما جاء فيه: ”لا أحب أسوان وأهلها فحسب، بل أتردد عليها بشكل منتظم لشحن طاقة الروح وتغذية رصيد العقل..في كل مرة أقول لنفسي إن أهلنا في النوبة ضحوا من أجلنا مرتين:مرة حين قبلوا ترك أرضهم فداء لمشروع قومي قدم النفع لعموم المصريين في ستينيات القرن العشرين، وما يزال..ومرة حين جاهدوا منذ ما يقرب من 60 عاما في الاحتفاظ بهويتهم في مجتمع التهجير كي لا يطويها الزمن وتبتلعها الحداثة..ليلة أمس وبينما عدنا للتو من جمع البيانات من قري النوبة في كوم أمبو هبت على أسوان عاصفة رعدية أجمع أهل البلاد أنهم لم يروا مثلها منذ زمن بعيد..بدأت العاصفة بموجات متتابعة من البرق الباهر في سماء محملة بالغيوم ثم أتبعها رعد شديد، وسرعان ما نشبت هجمة صاعقة من أمطار سيلية مصحوبة برياح عاصفة.. وفي أقل من نصف ساعة كان الشجر يتساقط والنوافذ ترتطم والمطر الغزير يدخل البيوت....أسوان في الحقيقة لا تشتمل فقط على "مدينة أسوان" التي باتت ليلتها وقد انقطعت عنها المياه والكهرباء. 

الحقيقة أن "محافظة" أسوان تضم عشرات البلدات المجهولة التي تعيش، دون مبالغة، في أجواء العصور الوسطى والتي وقعت فيها حالات الإصابة بلدغات العقارب التي لم يعد أهل القاهرة يسمعون بها منذ 50 سنة....العاصفة التي تعرضت لها أسوان تنتمي إلى المنخفض السوداني، وهو المسؤول عن سيول البحر الأحمر في جنوب ووسط الصحراء الشرقية ومسؤول عن تغذية بيئة الصحاري بسبل حياة النباتات وموارد المياه الجوفية الضعيفة الشحيحة..بفضل هذه الأمطار والسيول يتحقق خير وفير لبيئة الأراضي الجافة، ولعلنا نعرف أن الغابة المصرية الوحيدة الواقعة في جبل إلبا (علبة) تدين بالفضل في وجودها لهذه الأمطار الغزيرة النادرة...

تتجمع هذه الأمطار فوق رؤوس الجبال في الصحراء الشرقية وتتخذ من الوديان الجافة ممرات وسبل وقنوات وتكتسح في طريقها كل شيء، وتحمل معها "الزَبَد" الذي لا بد أن يذهب جفاء وينقضي ولا يبقى إلا ما ينفع الناس..ومن بين الزبد الضار الذي تحمله السيول والرياح تلك العقارب التي نزلت على سكان محافظة أسوان...لدى أسوان قدرات تعدينية وسياحية كفيلة بنهضة شاملة لكل "محافظة" أسوان وليس للمدينة العاصمة فقط...اليوم وبعد أن هدأت العاصفة نسبيا ووقف أهل أسوان في ترقب وحذر وسخرية توجهت مع فريق العمل لزيارة متحف النوبة -الذي شاركت اليونسكو في تأسيسه- فوجدنا الأمطار نجحت في التساقط من السقف على بعض التماثيل والمسلات والقطع المتحفية، زاد خجلي وأسفي”..

وأنهى تعليقه بأمله في ثلاث خطوات:(إدارة فاعلة تواجه الأزمات، دون أن تتذرع بأن هذه الموجات الرعدية والسيلية لا تحدث سوى مرة واحدة كل 7 سنوات..تفعيل القدرات الثقافية النوبية والأسوانية كي يجد الإقليم الاستراتيجي لنفسه مكانه الذي يليق به على خريطة السياحة والتنمية التي يمكنها أن ترفع مستوى الدخل وتصب في صالح التعليم والثقافة..الاهتمام "بمحافظة" أسوان وليس "مدينة" أسوان)..ونتمنى أن يستمع المسئولون لتلك المطالب، ويسعون لتنفيذها..ونسأل الله أن يحفظ بلادنا وأهلنا من كل سوء.