روجت الجماعة الإرهابية للباحث الليبي علي محمد الصلابي، القيادي بتنظيم جماعة الإخوان الإرهابية، كشخصية بارزة، وبوصفه مؤرخًا ومفكرًا إسلاميًا، حتى باتت كتبه تملأ المكتبات وتنتشر مع الباعة، ويتداولها شباب الجماعة فيما بينهم، ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل تم الاعتماد عليه كمرجع تاريخي في كثير من الكتب والأبحاث التاريخية المقررة على طلبة الجامعات خاصة أقسام اللغة العربية التي تدرس التاريخ الإسلامي.
ويكتشف قارئ مؤلفات الصلابي أنه يتمكن بجدارة من سرقة التاريخ وتزويره لصالح الجماعات المتطرفة، ولصالح تاريخ دول معروفة بدعمها لجماعات التطرف في العالم، ولم يكتف المؤرخ الليبي بتزوير وسرقة التاريخ فقط بل تطورت الأمور لديه ليتمكن من الاستيلاء على أموال وعقارات وأرضي، بغير حق، ليصدر ضده أمرا بالحبس الاحتياطي.
ووفق تقرير نشرته "سكاي نيوز عربية" فإن "الصديق الصور" النائب العام الليبي أصدر أمرًا بحبس الصلابي، وآخر احتياطيا، على خلفية "اتهامها بالإضرار بالمال العام والمصلحة العامة"، حيث كشفت التحقيقات الأولية، أنهما "لم يتحريا النفع العام، واتخذا أنماطا من السلوك أدت إلى إهدار قيمة كبيرة من الأموال المخصصة لتحقيق غرضها".
ويدور تقرير "البوابة نيوز" عن "الصلابي" حول بعض أفكاره التي نشرها في مؤلفاته، والتي يظهر من خلالها انحرافه وعدم حيادته في رصد وتحليل الوقائع التاريخية، إلى جانب تشبعه بالحقد والضغائن تجاه أي أحداث تاريخية لا تعزز من دور الجماعات أو لا تدعم فكرته، فهو يدخل إلى التاريخ لإعادة كتابته بما يخدم رؤية التنظيمات الإسلامية المسلحة.
التحريض.. والاستقواء بالخارج
في كتابه "صفحات مشرقة من التاريخ الإسلامي" يفسر الصلابي أسباب سقوط دولة ملوك الطوائف في الأندلس، ويربطها مباشرة بـ"الابتعاد عن تحكيم شرع الله"، فهذا الابتعاد له أضرار دنيوية وأخروية، ووفق تعبيره "يجلب لأفراد الأمة تعاسة وضنكًا في الدنيا وهلاكًا وعذابًا في الآخرة"، ثم ينتهز الفرصة ليبرز فكرته أن المجتمعات البعيدة عن شرع الله يجب أن تتخلص من حكامها، ويرشدها إلى الاستعانة بآخرين وصفهم بـ"إخوان العقيدة".
يقول الصلابي إن "المجتمعات التي ترضخ تحت الحكام الذين تباعدوا عن شرع الله تذل وتهان حتى تقوم أمام من خالف أمر الله وتطلب العون من إخوانهم في العقيدة لإرجاع حكم الله في مجتمعاتهم"، حيث يداعب الصلابي مشاعر الشعوب، ويطالبها أن تقوم وتتمرد ضد "من خالف أمر الله"، ويخبرها أن البعد عن الشريعة هو سبب الذل والهوان، وبالتالي فإن مجرد تطبيق الشريعة بحسب الجماعات سوف يخلق الجنة على الأرض، ويجعل السماء تمطر "لبنلا وعسلا" وهو ربط ساذج وبعيد عن أي أسباب حقيقة تقود البلاد العربية نحو التقدم والتطور.
برنامج الصلابي لما بعد احتجاجات العام 2011
استعدت جماعة الإخوان وكل التنظيمات المتطرفة للانقضاض على السلطة بعد ما عرف بـ"الربيع العربي"، وبدأت الأبواق الإخوانية -التي يتم تصديرها على أنهم باحثين وعلماء ومتخصصين- يرسمون الطريق للشعوب العربية، وهو ما فعله الصلابي حينما فكر في وضع كتابه "الدولة الحديثة المسلمة" والتي انتهى من كتابته في مايو من العام 2013 أي قبل شهر واحد من الثورة المصرية التي أطاحت بحكم الجماعة وعزلت رئيسها بعد مظاهرات شعبية واسعة.
ولو تحلى الصلابي بالصبر لمدة شهر واحد، وشاهد عن قرب كيف قطعت مصر "رأس الحية" في الثلاثين من يونيو، لما تشجع على إصدار كتابه، والذي اعتبره برنامجًا للشعوب كي يتمكنوا من تحقيق حلمهم في الدولة الموهومة التي يحكمها تنظيمات إرهابية متواطئة مع الغرب وعلى اتصال وتنسيق فيما بيهم.
"ترجمة داعشية"... الصلابي يختار شعار الدولة الإسلامية
يعتقد الصلابي أن كلمات "أذان الصلاة" مناسبة جدا كي تصبح شعار الدولة الإسلامية التي يحلم بها، دولة تحقق له كمال العبادة، وبحسب تعبيره فهو لا تكتمل الصلاة ولا تتم العبادة إلا في ظل "دولة إسلامية"، ثم يقدم تفسيرات لكلمات الأذان لا تختلف أبدا عن منهج وطريقة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، والذي استفاد يقينًا من نهج وبرنامج الصلابي في شرح طريق "الدولة المسلمة".
يقول الصلابي إن شعار الدولة الإسلامية هو "أذان الصلاة"، وأنه لما قامت الدولة الإسلامية في المدينة المنورة كانت تحت سيوف الأنصار، ولذلك جهر المسلمون بالأذان. وفي كلامه إشارة لتحقق قيام الدولة بـ"السيوف" وهو العنف الذي تنتظره الجماعات لتحقيق حلم دولتهم، وهو العنف الذي حققته داعش في سوريا والعراق، كما يشير كلامه إلى إمكانية تعطيل الأذان لكون المسلمون يعيشون في بلاد كافرة، ولم يحققوا حلم دولتهم بالسيوف.
يسعى الصلابي لوضع تفسيرات لكلمات الاذان، فيرى أن "الله أكبر" تعني أكبر من الطغاة وصانعي العقبات، في إشارة منه للحكام الذين يصفهم أنهم يقفون في وجه تطبيق شرع الله. "أشهد أن لا إله إلا الله" تعني أن لا حاكمية ولا سيادة إلا لله، فلا حاكم ولا مشرع ولا آمر إلا الله. "أشهد أن محمد رسول الله" أسلمه الله تعالى القيادة وله الزعامة الدينية والدنيوية. "حي الصلاة.. حي على الفلاح" أقبل أيها الإنسان للانضمام تحت لواء الدولة التي أخلصت وجعلت من أهدافها تمتين العلاقة بين المسلم وخالقه. "قد قامت الصلاة" اُختيرت الصلاة لأنها عماد الدين كله، ولما فيها من خضوع وتذلل وركوع وسجود، كما أنه لا إقامة للصلاة كما ينبغي إلا في ظل دولة تقوم عليها وتقوم بها، وهذا هو الارتباط بين شعار الدولة الرسمي وبين حاكمية الله وسيادة الشرع وسقوط الطواغيت وقوانينهم وأنظمتهم وشرائعهم.
والمتأمل للفقرة السابقة، يدرك مدى انحراف الصلابي في تفسيره لكلمات الأذان، فكلها مرتبطة بالحاكمية التي رسمها لهم من قبل سيد قطب، وكلها مرتبطة بالتحريض على التمرد والعنف للتمكن من الحصول على عبادة كاملة، فلا كمال لها إلا في ظل دولة محكومة من قبل الدواعش المتطرفين.
فقه التمكين.. ودور الحركات الإسلامية
يقدم الصلابي قراءة بائسة لواقع العالم الإسلامي، فمن واقع تجاربه في الحياة رأى أن أعداء الأمة يحاربون الإسلام بضراوة، ويبثون روح الهزيمة النفسية في أتباعه، ويخنقون الأمل في صدور المسلمين، كما لاحظ أن الخطباء والوعاظ تورطوا في نفس الأمر عندما ناقشوا أمور الأمة، فوجد أنهم يتحدثون بصورة تنشر اليأس، وتوصد أبواب الأمل، في وجه أبناء الأمة الغيورين.
إذن.. ماذا الذي سيفعله الصلابي بعد هذا التشخيص البائس؟
يقول أنه رأى من الأفضل تقديم كتابه "تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين"، كي يتمكن من زرع الأمل فيهم، فالأمة في حاجه إلى ما يرد ثقتها بربها ومنهجها، وإلى من يوقظ الإيمان في قلبها، ويرشدها للأخذ بأسباب التمكين وشروطه، ويبين لها طبيعة الطريق، وكيفية السير فيه ويوضح لها المعالم.
يبشر الصلابى الأمة بأن الأمل مرتبط بتحقيق التمكين، لذا كان عليه أن يشرحه لهم ويحدد أسبابه وشروطه، ويشيد بدور الحركات الإسلامية التي تسعى لهذا التمكين.
وفي حديثه عن التمكين، يستعين بالسيرة النبوية وبسيرة الخلفاء الراشدين، ثم يقفز لشيد بدور الحركات الإسلامية، في تشبيه ضمني وناعم أنها هي "الوارث لدور النبي والخلفاء الراشدين"، حيث يثمن أثرها في فقه التمكين الذي أورثته لتابعيها من أبناء الحركات المعاصرة.
التفسير الطائفي للتاريخ
يؤمن الصلابي أن الدولة الإسلامية التي تقوم وتحكم العالم يجب أن تكون سنية، وأن تتخلص من الشيعة، الذين يصفهم بالروافض وأنهم أتباع ابن سبأ، الذي زرع فكرة التشيع، ثم تلقفها أتباعه وبعض من قلت بضاعتهم من العلم والهدى وذلك بحسب وصفه.
لاحظ قراء الصلابي أن كتبه دائما ما تتعرض للشيعة بالإساءة والتقليل والنبذ أيضا، ما يصل به حد طردهم من الملة وتكفيرهم، كما يلاحظ القراء أنه في كتابته عن الدولة الفاطمية لا يهتم إلا بضرورة القضاء عليهم والتخلص منه، والإشادة بمن رفع السلاح في وجه الشيعة.
لماذا يكره الصلابي والي مصر محمد علي باشا؟
يتحدث الصلابي بحقد بالغ وكراهية كبيرة عن والي مصر محمد علي باشا، ويصفه بـ"الجاهل المغرور"، بل يتمادى ويصفه أنه أكبر ظالم في عهد العثمانيين، وأنه سبب من أسباب سقوط الدولة العثمانية، ويكتشف القراء أن الصلابي الذي يكرس لتزوير التاريخ لصالح العثمانيين الجدد الذين يكتسبون شعبيتهم وسط الإسلاميين من خلال تاريخ مكذوب وأسطوري عن الدولة العثمانية، وهو ما يساهم فيه الصلابي بقوة.
فإذا كان تمجيد العثمانيين وسرقة التاريخ لصالحهم هو طريقة ومنهج علي الصلابي، فهل من المنطق أن ينصف محمد علي باشا الذي هدد عرش الدولة العثمانية؟ ولولا تعاون السلطان العثماني واستنجاده بدول غربية لاقتحمت الجيوش المصرية تركيا وخلَّصت العالم العربي من العثمانيين.
لماذا هاجم الصلابي علماء الأزهر؟
يتعامل الصلابي مع التاريخ بخليط من مشاعر الكراهية والحقد، فيشتعل غضبًا لتولي محمد علي حكم مصر، ثم يكيل الهجوم لعلماء الأزهر الذين بادروا بتنصيب محمد علي.
وفي كتابه "السلطان عبدالحميد الثاني" يصف الصلابي علماء الأزهر الذين تسببوا في وصول محمد علي للحكم بأنهم "فقدوا ثقتهم في علمهم، وتهيبوا النزول للميدان، وألفوا الركون إلى حلقات العلم وتأليف الكتب، ولم يعودوا قادرين على القيام بغير ذلك من المهمات والمسئوليات.
ويتابع الصلابي هجومه على العلماء، فيصف ابتعاد العلماء عن السياسة والعمل بها بالتواطؤ، ومساعدة العلمانية، ويراهم أنهم "أخلدوا إلى الأرض واتبعوا هواهم، وكُممت أفواههم بالعطايا والمناصب، وغرقوا في متاع الدنيا".