الإثنين 23 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

 مصريون عرفتهم فى باريس «15».. السفيرة سيريناد جميل

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

فى مدرسة الدبلوماسية المصرية نعرف أن السيدات يحتلن مكانة متميزة لأنهن يجمعن بين الحرفية السياسية ووعيهن بدورهن فى إعطاء صورة متميزة متحضرة لوطنهن فى الخارج فإن العبء على سيدات الدبلوماسية المصرية مضاعف إذا قورن بدور الرجال.

وقد عرفت فى باريس الدبلوماسية الكبيرة السيدة سريناد جميل ومن يعرف هذه السيدة التى احتلت منصب قنصل مصر العام بفرنسا لسنوات طوال يعرف كيف استطاعت هذه الدبلوماسية المرموقة الجمع بين عملها القنصلى فى باريس وبين دورها الدبلوماسى والثقافى والاجتماعى، وذلك أنها نجحت فى ذلك إلى مدى بعيد جعلت الفرنسيين ينظرون إليها على أنها أداء فعالة فى العلاقات الدبلوماسية بين مصر وفرنسا.

وقد عرفت سيريناد جميل عندما اتصل بى السفير الراحل الكبير على ماهر وطلب منى القدوم للسفارة وقدم لى الدبلوماسية الشابة وقال لى إنها سوف تكون حلقة الوصل بين الجهد الدبلوماسى والثقافى للسفارة وفعاليات ووقائع عام ١٩٩٨، وهو العام الذى أطلقنا عليه «آفاق مشتركة» احتفالا بمرور عام ٢٠٠ عام على الحملة الفرنسية «حتى ولو كنا قد قررنا ألا نعلن على ذلك حتى لا نثير حساسية من يبحثون عن أدوار البطولة ولو على حساب التاريخ فى بلادنا».

وقد قامت سريناد جميل بهذا الدور بشكل أثار إعجاب الجميع ساعدتها فى ذلك لغتها الفرنسية الرفيعة «ذلك أنها كانت قارئة نهمة» وثقافتها التاريخية والجمالية «esthétique»- ضع تحت الجمالية عشرة خطوط - وكذلك ساعدتها قدرتها على التفاوض مع الجانب الفرنسى والحصول على أفضل العروض التى تعطى بلادنا مزايا كثيرة، وقد رأينا ذلك فى تركيب الهرم الذهبى أعلى مسلة ميدان الكونكورد فى باريس، وكذلك فى المعارض التى أقيمت فى جميع أنحاء فرنسا بمناسبة عام «آفاق مشتركة».

عادت بعدها سيريناد إلى مصر، وقد تركت انطباعا كبيرا لدى الفرنسيين بأنة لم يكن لها أن تعود فى وقت كانت العلاقات المصرية الفرنسية فى أشد الحاجة إليها فإذا بها تعود إلى باريس كقنصل عام، وإذا بها تقوم بنقل القنصلية من شقة متواضعة فى شارع جانبى بالقرب من الشانزليزية إلى فيلا كبيرة فى ضاحية نوى بالقرب من باريس جعلت منها سفارة ثانية لبلادنا تستقبل فيها أبناء الجالية من ناحية وكبار الشخصيات الفرنسية من ناحية أخرى.

وعندما تمت الاستعدادات لعودة الفنان الفرنسى العالمى امزيكو ماسياس للغناء فى مصر عام ٢٠١٥ أقامت السفيرة حفل غذاء للفنان دعت إلية شخصيات فرنسية رفيعة وعمد مدن مختلفة حول باريس وإعلاميين جعلت من الجميع ينظرون إليها على أنها ليست فقط دبلوماسية، وإنما أيضا سفيرة للثقافة الرفيعة بين البلدين وليس بذلك غريب عنها إذا عرفنا أنها ابنة المؤرخ الموسيقى والموسيقار الراحل الكبير سليمان جميل، وأنها ولدت فى عائلة أغلب أفرادها من كبار الفنانين الذين أعطوا لمصر الكثير ومنهم المطربة الراحلة الوطنية الكبيرة فايدة كامل.

غير أن أهم ما يميز السفيرة هو قدرتها الفائقة على الاستماع والاستيعاب والعثور على الرد المناسب وإيجاد الحلول البسيطة للمشكلات المعقدة وقد رأيتها بنفسى فى مواقف كثيرة كنت أظن أنها سوف تنتهى بأزمة وإذا بها تتبخر وكأنها لم تكن.

وكنت أظن أننى واحد من القلائل فى باريس الذين لديهم علاقات متشعبة فإذا بها هى أيضا قد نسجت عبر إقاماتها المختلفة فى باريس شبكة هائلة من العلاقات وعرفت عن طريقها مصريين كثيرين من ذوى القامات السياسية والثقافية الرفيعة ومنهم الكاتب الصحفى الكبير د عبدالرحيم على رئيس مجلس إدارة مؤسسة «البوابة» ورئيس مركز دراسات الشرق الأوسط الذى أشرف بإدارته منذ نحو خمسة أعوام. ولنا نحن الثلاثة لقاءات كثيرة فى باريس نتحدث فيها فى هموم الوطن ونرسم فيها آمالا عريضة فى غدٍ أفضل نعقد فيه دائما مقارنات بين مصر وفرنسا بغرض الوصول ببلادنا إلى مستوى يليق بتاريخها الطويل فى الحضارة بشكل عام، وفى التواصل مع فرنسا على وجه الخصوص.

ومن الذين عرفتنى عليهم سريناد جميل الموسيقار المصرى الكبير ياسر عبدالرحمن وهو شخصية فريدة سأعود إليها فى بورتريه منفصل.

وإذا كنت قد عرفت الوزير الفنان الكبير فاروق حسنى منذ ثلاثين عاما فإنه كان لى فى باريس لقاءات معها ومعه وكنا ثلاثتنا نتحدث فى أمور الثقافة وكيفية جعل مصر متحفا كبيرا مفتوحا ليس فقط للأجانب، ولكن أيضا للمصريين، وكان الوزير الكبير يرى أن الثقافة لم تعد ترفا وإنما أداة لتطوير الإنسان ووسيلة لمكافحة عوامل التخلف فى مجتمعنا. وكانت سعادة سريناد جميل باللقاء بفاروق حسنى فى باريس لا حدود لها ليس فقط لإيمانها بأفكاره، ولكن لأنه كان يذكرها بوالدها الذى عمل معه لسنوات طوال فى خدمة الحقل الفنى والمجتمعى فى بلادنا.

ولدى السفيرة أرشيفات ووثائق ثقافية تخص والدها الراحل الكبير يمكن أن تكون مفيدة للأجيال القادمة التى تهوى العمل فى المجال الفنى بشكل عام والموسيقى بشكل خاص كما أن لها تجربة دبلوماسية عريضة ربما تكون مفيدة أن تسجلها فى كتاب حتى تفيد منها الأجيال القادمة فليس متاحا لكل الدبلوماسيين فى الخارج الالتصاق بالعمل الثقافى وممارسته فى الخارج كالتجربة التى عاشتها سيريناد جميل.

أرجو أن تستفيد بلادنا من التجربة الخصبة لهذه الدبلوماسية المصرية الكبيرة.