بعد أن التهمت النيران مقر مسرح ستوديو «ناصيبيان» الملحق بجمعية النهضة العلمية والثقافية «جزويت القاهرة»، بالكامل، مساء الأحد الماضى، ولم يسفر عن سقوط ضحايا أو مصابين، وقد صرح مسئولو المكان بأنه لم تتم معرفة سبب الحريق حتى الآن، بينما جار انتظار نتيجة تحقيقات النيابة.
«البوابة» تلقى الضوء على أحد أهم الصروح الثقافية فى القاهرة التاريخية، بالإضافة إلى نشر بعض الصور النادرة له.
فى قلب أحياء القاهرة التاريخية، يقع حى الفجالة باعتباره حيًا يحمل عبقًا تاريخيًا يرتبط فى أذهان المصريين بالتنوير والثقافة والفنون، وفى حضن حى الفجالة توجد الكثير من المبانى ذات الطراز المعمارى الفريد، التى لها تاريخ طويل من الفنون والثقافة وعلى رأس تلك المبانى يأتى استوديو نصيبيان الذى شهد الكثير من الأعمال السينمائية التاريخية التى لا تنساها ذاكرة الإبداع المصرى على مدى تاريخها.
ومن المفارقات الغريبة أنه رغم أهمية الاستوديو تاريخيا وسينمائيا؛ إلا أنه سقط من ذاكرة السينمائيين والجماهير العاشقة للفن السابع ولم يعد أحد يذكره، رغم أنه ليس جزءا من تاريخ السينما فى مصر وإنما جزء من تاريخ مصر نفسها.
ولم يتبق الآن من الاستوديو إلا بقايا أطلال يجب الاهتمام بها وترميمها وإعادة الأمور إلى نصابها مرة أخرى، وتتمثل فى استديو صغير تقيم فيه جمعية النهضة بعض الورش الفنية، وهو لا يتناسب مع القيمة التاريخية والفنية التى يجب أن يتمتع بها الاستوديو، فضلا عن استغلال المساحة الأكبر من الاستوديو كجراج للسيارات وهو تصرف يثير الكثير من الأسئلة.
الدكتور محمد رفعت عميد كلية الآداب بجامعة دمنهور، أحد أهم المتخصصين فى تاريخ الأرمن فى مصر، أكد فى تصريحات خاصة أن استوديو ناصيبيان يعد من أبرز الاستوديوهات التى عملت فى ميدان صناعة السينما المصرية، وقد بلغت مساحته نصف فدان وكان يضم بلاتوه واحد عبارة عن «١٧ - ٣٧» وصالة تسجيل ومعمل طبع وتحميض بخلاف غرف الممثلين والماكياج والمونتاج.
وأضاف رفعت: لقد تأسس الاستوديو عام ١٩٣٥ على يد المصور الفوتوغرافى هرانت نصيبيان «١٨٨٨ - ١٩٨٠» وهو الاستوديو الذى يحمل اسمه فى منطقة الفجالة، وتم تأسيسه بعد استوديو مصر بعام واحد، وبالتالى فهو من أقدم وأهم وأعرق الاستوديوهات السينمائية ليس فى مصر فقط وإنما فى المنطقة العربية كلها، لأن استوديو الأهرام تم تأسيسه بعد نصيبيان بنحو ٩ سنوات وكذلك استوديو جلال تم تأسيسه بعد نصيبيان بأحد عشر عاما.
وتابع رفعت: توالت بعد ذلك الأفلام التى خرجت من الاستوديو لشركات الإنتاج المختلفة حتى بلغ عددها ٣٠ فيلما، حيث توقف الاستوديو ومعمله عن الإنتاج خلال ستينات القرن العشرين.
ومن أهم الأفلام التى تم إنتاجها بالاستوديو: «٣٠ يوم فى السجن»، بطولة فريد شوقي، أبو بكر عزت، نوال أبو الفتوح، محمد رضا، ميمى شكيب، وحسن حامد، و«عشاق الحياة» من بطولة فريد شوقى، أبوبكر عزت، نوال أبوالفتوح، محمد رضا، ميمى شكيب، وحسن حامد، و«أبوحلموس» من بطولة نجيب الريحانى، زوزو شكيب، عباس فارس، مارى منيب، محمد كمال المصرى «شرفنطح» وفردوس محمد، و«المصرى أفندى» من بطولة حسين صدقي، مديحة يسري، إسماعيل يس، لولا صدقى، فؤاد الرشيدى، وتوفيق إسماعيل، وغير ذلك من الأفلام الكثيرة.
كان باكورة إنتاج الاستوديو فيلم «الحب الموريستانى» من إنتاج ناصيبيان نفسه والذى عرض بالقاهرة يوم ١٨ فبراير عام ١٩٣٧، والفيلم من بطولة أمينة محمد، محمود المليجي، مارى منيب، بشارة واكيم، السيد حسن جمعة، عبدالسلام الشريف، ومن قصة وحوار بشارة واكيم، وسيناريو وإخراج ماريو فولبى، مونتاج فاهى بويا جيان، وتدور قصة الفيلم حول قصة حب بين أحمد «عبدالعزيز أحمد» الفتاة إحسان «أمينة محمد» ابنة الرسام الشهير، ويلجأ أحمد إلى صديقه قنديل شمعة «بشارة واكيم» السمسار بحثًا عن حيلة لينفرد بحبيبته إحسان، ويأتى الحل فى أن يدعى أن خاله توفى وأنه يريد من الرسام أن يرسم خاله، حتى يتمكن من دخول شقة الرسام واللقاء بإحسان، ويقوم قنديل بدور الخال الميت، ويتمكن أحمد من الاختلاء بإحسان ويدور بينهما غزل مورستانى. ويتحرك الجسد حركات مضحكة. ويتضح أن قنديل مازال حيًا، فيهرب مع أحمد إلى البلكون. وينتهى الأمر بالجميع فى قسم البوليس، ويغادر قنديل القسم مع عائشة «مارى منيب» زوجته، ويغادر أحمد مع حبيبته إحسان أما الرسام «عبد اللطيف جمجوم» فيودع فى مستشفى المجانين.
جدير بالذكر أن هرانت نصيبيان ولد فى ٢٩ نوفمبر عام ١٩٨٨ بالأستانة، عاصمة الدولة العثمانية، وهاجر إلى مصر فى عام ١٩٠٥، واشتغل فى شركة كوداك حتى أصبح مديرا لفرعها بالإسكندرية ما بين عامى «١٩١١ - ١٩١٨» ومنذ عام ١٩١٩، صار رئيسا لقسم آلات التصوير بشركة كوداك.
وعلى الجانب السياسى كان نصيبيان رئيس الطائفة الأرمينية فى مصر، ورئيس المجلس الملى الأرمينى، ومن أبرز النشطاء فى العمل الاجتماعى الأرمنى.
