احتضنت القاهرة خلال الأسبوع الماضي، اجتماعا مهما لإنهاء وجود المرتزقة في ليبيا، شاركت في اللجنة العسكرية المشتركة، المعروفة باسم "5+5"، وممثلين لدول تشاد والنيجر والسودان، بغرض وضع خطة عملية من أجل إنهاء وجود المرتزقة في البلاد، على أن يبدأ تحت إشراف المراقبين الدوليين الموجودين في البلاد، إجراء حصر دقيق لأعداد هؤلاء المرتزقة، وأماكن انتشارهم.
الاجتماع الذي شاركت فيه دول السودان وتشاد والنيجر، شهد تجاوبا من هذه الدول، باعتبارها دول الجوار الليبي، مع مطالب إخراج المرتزقة من ليبيا، والعمل على عدم عودتهم مجددا، وذلك وفق جدول زمني، يسمح بإجراء الانتخابات في البلاد، بعيدا عن سطوة هذه المجموعات المسلحة المنتشرة في الجنوب الليبي على وجه الخصوص.
القاهرة دعت إلى سرعة التوافق حول خطة عملية قابلة للتنفيذ، حتى يمكن إخراج البدء في إخراج المرتزقة قبل الانتخابات، معبرة عن اهتمامها البالغ، بإنهاء الوجود العسكري الأجنبي على الأراضي الليبية، باعتباره يمثل تهديدا واضحا للسيادة الليبية، وللأمن الإقليمي.
مصادر مشاركة في الاجتماع، كشفت عن أنه تم الاتفاق على رفض أي مقترحات تدعو لدمجِ عناصر أجنبية في مؤسسات الدولة الليبية، وخاصة المؤسسة العسكرية، بالإضافة إلى حصر الجهات التي تعطل عمليات ترحيل المرتزقة، أو تمويل بقاءهم في ليبيا، لمطالبة مجلس الأمن الدولي بفرض عقوبات عليها، مع ضمان ترحيل المرتزقة الأفارقة، أولا ثم الجنسيات الأخرى، وفق جدول زمني.
المصادر أشارت إلى اتفاق المشاركين في الاجتماع على وضع خطة لخروج جميع المرتزقة والمقاتلين الأجانب، عبر آلية تضمن الخروج التدريجي والمتوازن والمتسلسل، مع العمل على إيجاد أرضية تفاهم مشتركة بشأن آليات التنسيق اللازمة لانسحاب المرتزقة من أجل استعادة استقرار ليبيا ووحدتها وسيادتها الكاملة.
من جهتها أكدت وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش، أن سحب ربع المرتزقة الموجودين في البلاد قبل موعد الانتخابات، يمثل عامل ثقة كافٍ لإجرائها دون أزمات.
المنقوش اعتبرت أن هذا الملف معقد، ولا يجب الإصرار على إنهائه كاملا قبل موعد الانتخابات، حتى لا يؤدي ذلك لتعطيلها.
المسار السياسي
في الوقت ذاته وعلى الرغم من محاولات العرقلة والتعطيل، يتصاعد التعاطي مع الاستحقاق الانتخابي في ليبيا، بما يعزز الجهود المبذولة لتنظيمه في موعده.
مفوضية الانتخابات الليبية أعلنت انتهاء عملية توزيع بطاقات الناخبين، على جميع مراكز الاقتراع في أنحاء البلاد، فيما قال رئيس المفوضية عماد السايح، إن انتخابات الرئاسة، ستجرى باعتبار أن جميع أنحاء البلاد دائرة انتخابية واحدة، على أن يحصل الفائز على الأغلبية المطلقة، 50%+1، من الأصوات، على أن يتم اللجوء إلى جولة إعادة في حالة عدم تحقيق أي من المرشحين لهذه النسبة منذ الجولة الأولى.
رئيس المفوضية لفت إلى أن الانتخابات البرلمانية ستعتمد على النظام الفردي، مع تقسيم البلاد إلى 75 دائرة انتخابية، يفوز فيها المرشح الحاصل على أكبر عدد من الأصوات بدائرته.
في الوقت ذاته فإن الساعات الماضية شهدت عقد ملتقى لدعم الانتخابات، شارك فيه كبار ممثلي السلطة الانتقالية في البلاد، بالإضافة إلى رؤساء التكتلات السياسية، وأساتذة الجامعات، الذين أبدوا توافقهم مع الجهود المبذولة لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، في موعدها المقرر، ورفض جميع المساعي الرامية لعرقلتها أو تأجيلها.
الملتقى ناشد بعثة الأمم المتحدة والدول الداعمة لاستقرار ليبيا إلى إلزام الأطراف كافة بالتعهدات المتفق عليها في الاتفاق السياسي، بما يضمن القبول بنتائج الانتخابات.
عضوا المجلس الرئاسي الانتقالي موسى الكوني وعبد الله اللافي، شاركا في الملتقى حيث أكدا على ضرورة احترام إرادة الشعب واختياره رئيسه بالانتخابات
نائبا رئيس المجلس الرئاسي الانتقالي شددا على أهمية تجاوز كل الخلافات حرصا على إجراء الاستحقاق الانتخابي في موعده، كما جددا تعهد المجلس الرئاسي أمام الشعب باحترام خريطة الطريق المنبثقة من ملتقى الحوار السياسي.
دعم مصري
ويعلق الدكتور إكرام بدر الدين، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، على التطورات الأخيرة مؤكدا أن الليبيين باتوا على موعد مع استعادة سيادتهم على دولتهم، بفضل الدعم المصري الخارق، مشيرا إلى أن إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في البلاد، يبدو الحل الأمثل لإنهاء النزاع المتفاقم بها منذ 10 سنوات.
وشدد بدر الدين، على أن إجراء الانتخابات، لن يكون نهاية المطاف، إذ ستبقى أمام الليبيين تحديات أخرى، حتى يمكنهم إعادة بناء دولتهم بالشكل
الأمثل، مشيرا إلى أن أبرز هذه التحديات هو القضاء على الوجود العسكري الأجنبي بشكل تام.
وطالب بدر الدين بالعمل الجاد من جميع الأطراف المعنية بالأزمة الليبية، من أجل إنهاء المسار العسكري بنجاح، وقطع الطريق على أي طرف لديه رغبة في عرقلة الاستحقاقات الانتخابية، أو الإبقاء على الوجود الأجنبي في ليبيا، مشددا على أن هذا الوجود يعد التهديد الأكبر لأمن الشرق الأوسط حاليا.
الخط الأحمر المصري
من جهته قال الدكتور فتحي العفيفي، أستاذ الفكر الاستراتيجي بجامعة الزقازيق، إنه لولا الخط الأحمر الذي وضعته مصر أمام العالم بأكمله، في الأزمة الليبية، لما وصلنا إلى أعتاب إنهاء النزاع، ولما كان هناك حديث حاليا، عن إجراء الانتخابات، وإنهاء وجود المرتزقة والقوات الأجنبية هناك.
ولفت العفيفي إلى أن اجتماع القاهرة الأخير، الذي ناقش خروج المرتزقة الأفارقة من ليبيا، هو حجر ألقي في المياه الراكدة، مشيرا إلى أن بقاء المرتزقة أيا كان ولاءهم، يعني منح قبلة الحياة للتطرف والإرهاب في الشرق الأوسط، والسماح للإخوان بممارسة المزيد من الضغوط لضمان البقاء وعدم الانهيار في المنطقة، انطلاقا من الأراضي الليبية.
وحذر العفيفي من عدم تعاطي جميع الأطراف مع الأفكار المصرية، باعتبارها الأقرب للواقع، والتي تبحث عن مصالح الليبيين، دون غرض، مضيفا: "جماعة الإخوان تتمنى وتسعى لبقاء الميليشيات وعدم حلها، وأيضا لبقاء المرتزقة، لأن ذلك هو السبيل الوحيد لها، لكي تؤثر في نتيجة الانتخابات، وإيجاد فرصة لعناصرها، والموالين لها.
ولفت إلى أن الجماعة فشلت في عرقلة مسارات الحل، عبر رفع شعار الدستور أولا، كما فشلت في تفتيت الإجماع الداخلي والخارجي على موعد الانتخابات، عبر الطعن في آلية وضع قوانينها، لذا فلم يبق لها إلا استخدام أدواتها الميدانية، من مليشيات ومرتزقة، حتى تغير واقع الانتخابات، وتتحكم في نتائجها.
وشدد العفيفي على ضرورة إضاعة الفرصة على الجماعة، عبر التوافق على الخطوات اللازمة لحل مشكلة الميليشيات والمرتزقة، بما يسمح بإجراء الانتخابات بعد ضمان عدم وجود تأثير لوجود هذه العناصر على أمن العملية الانتخابية، خاصة أن معظم الكتلة التصويتية منتشرة في المنطقة الشرقية، التي تخضع بشكل كبير لسلطة هذه المليشيات، وبالتالي من الوارد أن يكون لها تأثير كبير على مجريات الاستحقاق الانتخابي، ما لم يتم تحجيمها، والبدء الفعلي في إخراجها من البلاد، حتى تقتنع جميع الأطراف التي تعتمد على هذه الورقة، بأنها فشلت هي الأخرى في الصمود أمام الإرادة الراغبة في استعادة الاستقرار بالدولة الليبية.
معلومات عن الانتخابات الليبية
24 ديسمبر المقبل موعد انطلاق العملية الانتخابية بالانتخابات الرئاسية
2.8 مليون ناخب يحق لهم التصويت في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية
75 دائرة انتخابية تجري خلالها الانتخابات البرلمانية ودائرة واحدة للرئاسية
50 %+1 النسبة المطلوبة للفوز برئاسة الدولة وبأغلبية الأصوات لمقعد البرلمان