قدت السيارة على طول الطريق الدائري في الجزء الذي يربط بين مدينة السلام ويصل إلى حد مدينة السادس من أكتوبر، مرورا بشبرا الخيمة ثم المهندسين. ولم أكن قد مررت من هذا الطريق منذ ما يزيد على العام بل كنت أتجنبه نظرا لرداءته وازدحامه بالنقل وعشوائية مواقف الميكروباص والتكدسات والاختناقات.
شجعني زوجي على اختيار هذا الطريق نظرا لاختصاره لوقت طويل قد يستغرقه المرور من داخل العاصمة المكتظة خلال أيام الدراسة. وقال مبتسما "توقعي.. الانبهار"!
لم آخذ كلامه محمل الجد وظننته مجرد فكاهة قد تفضي لحالة عكسية. وتغير انطباعي على الفور عندما بدأت ألاحظ الإصلاحات الجذرية التي حدثت للطريق من توسعة وإزالة للبيوت المبنية بعشوائية، وقد عهدتها ارتفعت عمارات متعددة الطوابق كعلب كبريت بشعة، وعمودية بشكل مخيف ودون أي شروط للأمان أو السلامة. وقد شاهد بعضنا خاصة من ذوي الأصول الريفية كيف كانت تلك البيوت تقام تحت ظلام الليل الدامس خلال سنوات الثورة وبعدها تحت حكم الإخوان بدون رقيب ولا تراخيص أو اشتراطات البناء.
وشاهدت خلال مشواري على طول الطريق الدائري جرافات مازالت تقوم بإزالة بيوت بالطوب الأحمر وتعديات كثيرة. وسبب تأخر هذه الإزالة على ما يبدو انتظار صدور الأحكام القضائية وكذلك التوصل إلى تقييم حجم التعويض أو نظرا لمقاومة أصحاب هذه البيوت في التنفيذ فيما مضى من سنوات أملا في تراجع الدولة عن خطتها لإزالة المباني المخالفة.
وأمام تصميم الدولة حاليا على المضي في تنفيذ مشروعاتها أصبح الحل يتمثل في تعويض مالي لأصحاب البيوت أو انتقال السكان إلى أماكن بديلة للإقامة. وتم الانتهاء من غالبية هذه الإجراءات وسيصبح الطريق الدائري رائعا بعد إتمام إزالة التعديات واكتمال هذه المنظومة بضبط حركة مرور النقل والميكروباصات التي تعودت على اختراع محطات عشوائية لنزول ركاب وصعود آخرين وهي من أهم أسباب فوضى الطريق الدائري.
وكالعادة تُواجه مثل هذه المشروعات التي تتوسع فيها وزارة النقل لإعادة تخطيط وتنظيم المدن والأحياء بـ "دراما سوداء" تنشرها وتمررها "الصفحات اياها " بتركيز متعمد على الجرافات أثناء إزالة البيوت ومصاحبة بـ "الصويت واللطم"، واتهامات بتهجير الناس من بيوتها والتعليق المحفوظ عن ظهر قلب "غنيتم ورقصتم… " أصبحنا نعلم جميعا مصدره ومن يحركه.
وللأسف تغيب نصف الحقيقة عن هذه الادعاءات ألا وهي أن بعض المواطنين استغلوا غياب القانون في فترات مابعد ٢٠١١ وانشغال الدولة بأولويات أمنيّة أخرى، كما استخدم البعض "ضعاف النفوس" من العاملين في المحليات وتعدوا على أرض ليست ملكهم بل ملك للدولة، مثلهم في ذلك مثل الذين أقاموا من قبل عمارات سكنية على أراض زراعية أو قاموا بتعلية العمارات والبناء في الجراجات.
أليست هذه سرقة؟! لماذا ينسون الجريمة الأصلية التي ارتكبوها ولا يبررها أي شيء حتى لو كانت تُرتكب في عصور سابقة فهذا لا يجعلها قانونية بل هي من قبيل فرض الأمر الواقع الذي أصبح مرفوضا. أليس هذا الأمر مثيرا للاستغراب عندما يبكي مواطن أو مواطنة لأن بيتهما يتم هدمه وينتحب لأنه دفع "شقاء عمره" في بنائه وهو يعرف منذ البداية أنه بناء "بالسرقة" في جنح الظلام وبدون رخصة؟!
ألم يكن أجدى أن يستخدم المواطنون هذا المال الذي تعبوا في جمعه وادخاره لبناء بيوت في مكان مرخص وليس في العشوائيات وبارتكاب مخالفات وتعديات متعمدة؛ ولو جاءت بعض البيوت في نطاق الإزالة وهي غير مخالفة، فهل يتوقف مشروع فيه مصلحة عامة تفاديا لضرر عشرات. الإجابة بالنفي ولذلك تم تعويض المتضررين وفقا لسعر عادل متناسب مع سعر المتر في المنطقة.
والحقيقة أن ما يحدث في ربوع مصر حاليا تصحيح لأخطاء وعشوائيات امتدت لسنين ماضية وكان لابد من عودة حازمة لدولة القانون ودورها في الإصلاح الشامل. ولا شك أن الدولة لو كان قد أُتيح لها البدء في مشروعاتها من الصفر قبل سبع سنوات لكانت مصر الآن قد حققت خطط الإصلاح المرغوب مع جهد وإنفاق أقل بكثير في مقابل الجهد المضاعف والتكلفة المرتفعة التي تطلبتها عمليات إزالة العشوائيات والمخالفات حاليا.