البابا الأنبا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكنيسة القبطية الأرثوذكسية الـ118. وُلِد باسم وجيه صبحي 4 نوفمبر 1952 (العمر 69 سنة) بالمنصورة، لأسرة مكونة منه كأخ لشقيقتين، كان والده يعمل مهندس مساحة، وكان هو الأخ الأكبر لإخوته وله 3 أخوات (أخت أكبر توفيت في سن صغيرة - أخت أصغر بثلاث سنوات "هدى" - وأخرى أصغر بـ11 أو 12 عاما "دينا" ولدت في دمنهور، ورحلت نحو عام 2009)، وتوفى والده يوم 3 يونيو 1967 (صباح أول يوم امتحان الإعدادية للفتى وجيه، وقبل الحرب بيومين).
حصل على بكالوريوس الصيدلة من جامعة الإسكندرية سنة 1975 بتقدير جيد جدًا مع مرتبة الشرف، وكان يحلم بأن يصبح صيدلانيا، لأنه - وحسب تعبير قداسته- "الصيدلى هو شخص يريح الناس".
في عام 1975 رُسِمً أمين خدمة كنيسة الملاك بدمنهور، ذهب يوم الأربعاء الموافق 20 أغسطس 1986 إلى دير الأنبا بيشوى بوادى النطرون، وظل طالبًا للرهبنة لمدة عامين تقريبًا، وخدم في الدير قبل رهبنته في المطبخ (مبنى الضيافة "القصر")، وقضى في خدمة ذلك المكان عامين، بجوار مضيفة استقبال الزوار لتقديم الطعام وخلافه وصيدلية الدير، وترهبن يوم الأحد الموافق 31 يوليو عام 1988 م. وكان البابا شنوده هو الذي اختار له اسم "ثيودور".
انتقل للخدمة بمحافظة البحيرة (إيبارشية البحيرة ) بعد رسامته كاهنًا بشهرين يوم الخميس الموافق 15 فبراير 1990، نال درجة الأسقف في 15 يونيو 1997 (في عيد العنصرة)، كأسقف عامًا لمساعدة نيافة الحبر الجليل الأنبا باخوميوس المطران، في حقل إيبارشية البحيرة ومطروح والخمس مدن الغربية، باسم الأنبا تواضروس أسقف عام مطرانية البحيرة.
بعد رحيل قداسة البابا شنودة الثالث في 17 مارس 2012 عن عمر يناهز 89 عامًا، تم ترشيح 17 من الآباء الأساقفة والرهبان للكرسى البابوى، وبعد صيام الشعب المسيحى صوما عاما من الدرجة الأولى 3 أيام هى: الأربعاء والخميس والجمعة والتى توافق أيام 31 أكتوبر 2012 و1، 2 نوفمبر 2012، تمت إقامة قداس القرعة الهيكلية يوم 4 نوفمبر 2012، ووقع الاختيار من الطفل على الأنبا تواضروس البالغ من العمر 60 عامًا؛ حيث قام الطفل "بيشوى جرجس سعد" (6 سنوات) طفل القرعة الهيكلية بسحب الاسم من بين الثلاثة أسماء وهو مُعْصَب العينين، وحضر اللواء ماهر مراد، مساعد وزير الداخلية حسبما تقتضى لائحة عام 1957.
من شنودة إلى تواضروس:
هناك فرق بين البابوين، فالبابا شنودة كان زعامة "كاريزمية" شهدت خبرات طويلة وتمثل جيلا ما بين الحرب العالمية الأولى والثانية وجيلا ظهر فيه مكرم عبيد وكان البابا واعظا في كتلة الوفد وصحفي بجريدة الكتلة، وكان له رؤية وطنية ـ سياسية ويمثل جيلا يدرك كيفية الفصل بين الخطاب الوطني والأسلوب السياسي، عكس البابا تواضروس فهو من جيل ما بعد ثورة 25 يناير، وهو جيل تربى على معطيات وطنية جديدة، ودرس في لندن قبل أن يرسم راهبا، فكان واحدا من الأساقفة القلائل الأساقفة الذين كونوا وجهة نظرهم في الغرب قبل الحياة البرية.
كما أن البابا شنودة كان ابن الثورة الصناعية، أما البابا تواضروس فهو ابن الثورة التكنولوجية، والأحداث التى حدثت في عام منذ تولي تواضروس لم تحدث في قرن، من حيث حدتها وعددها فهى توازى عدد الأحداث التى حدثت في 20 عاما.
وعن إدارة الكنيسة، فأن مساحة اتخاذ للبابا تواضروس للقرار لم تختلف كثيرا عن البابا شنودة، على الرغم من أن القائمقام الأنبا باخوميوس مطران البحيرة، والذى تولى منصب القائم مقام عقب وفاة البابا شنودة كان منهجة هو المشاركة واتخاذ الآراء والتوافق مع الآخرين قبيل اتخاذ القرار، بدليل أنه لأول مرة كان للعلمانيين دور، واتخذ رأيهم قبل الانسحاب من الجمعية التأسيسية لإعداد الدستور في 2012، كما أن البابا شنودة ألغى المجلس الملى، حيث أصبح بلا فعالية، أما البابا تواضروس فقد أكد على أهميته وإعادة هيكلته مبديا رغبته في تغيير اسمه، وحتى الآن لم يحدث ذلك.
كان المناخ الذى كان سائدا في عهد كل البابا "شنودة" يشبه المناخ الذى جاء فيه البابا "تواضروس"، أن "البابا شنودة جاء معاصرا لمجىء السادات، وكانت مصر تشهد مرحلة انتقالية شديدة الحساسية بين عبدالناصر والسادات وما تبعها من تغيرات جذرية في سياسية الدولة ومجىء الإخوان إلى المشروعية الدستورية عبر المادة الثانية من الدستور، ومجىء البابا تواضروس أيضا جاء في ظروف متقلبة ومتغيرة أعقاب ثورة يناير وامتد لحكم الإخوان وما تبعه من متاعب وقلائل، حتى بعد ثورة 30 يونيو وما تبعها من الإرهاب الإخواني لسنوات بعد الثورة.
في الثلاثين عاما الماضية اقتصر التعليم الكنسى على مدح الأكليروس، وإبراز الأعمال الخارقة للطبيعة بحق أو بدون حق، ومع كامل إيمانى بالشفاعة والمعجزات، فإن أغلب ما روج له غير حقيقى، لعب في ذلك دورا كبيرا ضغوط المتألمين على الكنيسة، ودخول تيار الكاريزماتيك إلى قلب الكنيسة، ولذلك تربت هذه الأجيال على أن أى نقد للأكليروس هو نقد للإيمان المسيحى، ورويدا رويدا أصبح الأكليروس ينوب عن الكنيسة، والبابا ينوب عن الجميع.
ومنذ عودة البابا شنودة الثالث من احتجازه بالدير 1985.. صار هناك ما يشبه الصفقة، يحكم مبارك الدولة دون تدخل الكنيسة، ويحكم البابا الكنيسة دون تدخل الدولة. ورث قداسة البابا تواضروس الثانى هذا الوضع، الأمر الذى جعل بعض الأجيال الجديدة تنتقده، تارة لسفرياته للخارج، وأخرى لاختلاط الأمر في أذهانهم بين الدور الوطنى والدور السياسى للكنيسة، بالطبع لا تعرف هذه الأجيال أن الكنيسة شاركت في تأسيس مصر الحديثة، ففى عام 1804 كان البابا مرقس الثامن بصحبة المعلم إبراهيم الجوهرى مع الإمام الأكبر شيخ الأزهر محمد الشرقاوى يؤازرون الشريف عمر مكرم في الإطاحة بالوالى العثمانى خورشيد، وتثبيت محمد على حاكما لمصر الحدثية، الأمر الذى تكرر بين كيرلس الخامس وعرابى 1882، ومع ثورة 1919 ومع ثورة 1952، لذلك لم يكن غريبا أن نجد الكنيسة في الصدارة في 3 يوليو 2013، ومن ثم لم يكن غريبا أيضا أن ينفى قداسة البابا شنودة الثالث إلى الصحراء حينما رفض التطبيع مع العدو الصهيونى، وعارض السادات سياسيا، كل تلك الأدوار العظيمة للكنيسة الوطنية لا يفهمها الأجيال التى تربت على الأعمال المنافية للعقل، التى تفصل بين الأرض والسماء، بين الكنيسة والوطن.
لذلك جاء البابا تواضروس الثانى بوطنيته "المفرطة"، خير خلف لخير سلف، مع فارق الأسلوب بين البابا شنودة والأنبا تواضروس، كون البابا شنودة كان يمتلك حسا سياسيا يسمح له بمنهج يختلف عن البابا تواضروس الذي يمارس الخطاب الوطني بسجية وطنية مفرطة مما جعله يتلقي انتقادات، وبالطبع لا نصادر انتقاد العلمانيين للكنيسة للأكليروس ولا لقداسة البابا، ولكن نتعجب من سيادة اللاعقلانية في النقد.
وحينما يقول البابا «الوطن قبل الكنيسة»، فهو يعنى أن الوطن والكنيسة توأمان ملتصقان، فلا وطن بدون كنيسة ولا كنيسة بلا وطن، والذين يحتسبون أن ذلك خطاب سياسى، ربما يكون بالفعل هناك خلط بين الخطاب الوطني لباباوات الكنيسة وبين الخطاب الوطني للبابا تواضروس خاصة فيما يخص ماهية العلاقة بين الدور الوطني ودور الراعي، وفي كل الأحوال فإن من ينتقدونه لا يدركون الدور الوطنى للكنيسة. ولا يدركون تضحيات الأقباط منذ 25 يناير 2011، و30 يونيو 2013، وحتى الآن نتفهم الغرض من أسلوب البابا تواضروس الثانى في مواقف وطنية، ولا خلاف مع من ينتقدونه بشرط أن يعلموا كيف يمارسون النقد في كنيسة أبوية وطنية.
في ظل فهم وإدراك كيفية إدارة النقد وأسلوبه، وسبق في القرون السابقة أن تمت خلافات ووصلت للمحاكم من أجل الخلافات على الإصلاح الكنسي من جهة ومن جهة أخرى كان هناك مغامرون مثل جماعة "الأمة القبطية"والذين وصل بهم الأمر لاختطاف البابا يوساب الثاني، أي أن الخلافات كانت دائما تأخذ في التعبير عنها اتجاها رصينا يحترم الأب البابا واتجاه خارج إدراك معنى البابا لصفته أبوالآباء.
بالطبع يحدث ذلك بشكل يعكس عدم خبرة ودراية بماهية وروحانية الخلافات التاريخية الكنسية، أو بلغة العالم المعاصر "الديمقراطية الكنسية"، بل لعبت تلك الأقلام بدون وعي دورا في تحويل الخلاف إلى احتقان وتعميق للأزمة، ويعود ذلك لطبيعة تأميم المناخ الديمقراطى والإعلامي، وما جرى في الأربعين سنة الماضية من تدجين وأكرسة المجلس الملى (بعد أن سامهم قداسة الأنبا شنودة الثالث) شمامسة ثم تجميد قداسة البابا تواضروس الثاني للمجلس وعدم دعوته لانتخاباته من جديد، وتداعي الظروف التي أدت إلى إفراغ المجلس من مضمونه، الأمر الذي أدي إلى عدم وجود مانعة صواعق علمانية، ودعوة من "هب ودب" إلى ساحة الخلاف، ووصول الأمر إلى حد تجريح البابا.
لذلك لو استرجعنا تاريخ الكنيسة سنجد كثيرا من المواقف التاريخية التى حدثت داخل الكنيسة تمت فيها الخلافات وكيف أن الأمر كان في حدود النقد المباح وليس التجريح. وستظل الخلافات جزءا لا يتجزأ من البناء الروحى الكنسى.