حالة من الانقسام تشهدها «السوشيال ميديا» بين الحين والآخر، فمع كل جريمة بشعة تحدث على أرض الواقع، يخرج السؤال الذى يختلف حوله الكثيرون، هل السبب هو ما قدمته الأعمال الفنية فى السنوات الأخيرة من جرائم وأسلحة بيضاء ظهرت على الشاشة بأيدى أبطالها؟ وفى المقابل هناك من يدافع من أهل الفن ويبرئ ساحته ويرى أن الفن ينقل بصدق ما يحدث فى الواقع.
صورة البلطجى النمطية التى قدمتها عشرات الأعمال الفنية من أفلام ومسلسلات، دائمًا تظهر على سطح الأحداث حينما تقع جريمة يرتكبها صاحبها بنفس طريقة وأداء الممثل الذى يرتكب جريمته وهو يجسد شخصية البلطجى على الشاشة، تلك الصورة بقدر ما هى نمطية وسبق تقديمها كثيرًا، بقدر تأثيرها السلبى القوى على المشاهدين، خاصة شريحة المراهقين منهم الذين يجدون فى قوة وسطوة هذه الشخصية ضالتهم فى تحقيق أحلام يقظة طالما راودتهم.
الأعمال الفنية التى تقدم شخصية البلطجى غالبًا ما تنهى العمل بمصيره السيئ، ولكن يظهر التأثير الأقوى للمشاهد التى تبرز قوة هذا البلطجي، فتقبع فى أذهان المشاهدين تلك المشاهد وغالبا ما يتناسون النهاية الحتمية لكل ظالم، أضف إلى ذلك وجود أعمال أخرى أظهرت البلطجى بصور تبدو عصرية، فهو من الممكن أن يكون دمه خفيفا ووسيما وفتى أحلام البنات والستات، وهنا يكون الخطر أكبر من إظهاره فى صورة القبيح.
مؤخرًا وقعت جريمة قتل بشعة بمدينة الإسماعيلية، هذه الجريمة فتحت جرحا تسبب فيه بعض الأعمال الفنية بتصديها لعرض شخصية البلطجى بشكل جعل المراهقين يرون فيه مثلهم الأعلى، فى الوقت الذى ظن فيه الجميع أن هذا الجرح كان قد التأم.
«البوابة» تقدم فى هذا الملف الصور العديدة التى ظهر بها البلطجى عبر حقب زمنية مختلفة، كما تلقى الضوء حول الأعمال الفنية التى قدمت هذه الشخصية بشكل محبوب، وتطرح سؤالًا مهما هل البلطجى ظالم طوال الوقت أم أنه مظلوم فى بعض الأحيان؟ كما نستعين بآراء مجموعة من النقاد حول تلك الأعمال الفنية ودور الفن فى المرحلة المقبلة.
أشعلت حادثة الإسماعيلية مواقع التواصل الاجتماعى، واتجه النقد نحو السينما، وتأثيرها على المجتمع، وكيف أن مشاهد البلطجة التى أصبحت موجودة فى الواقع، هى تقليد لما يراه الجمهور فى الدراما والسينما.
ونستعرض خلال السطور التالية، أهم الأعمال التى تناولت شخصية البلطجي، أو الفتوة، مثل ما كان يُعرف فى عهود سابقة، حيث لم يكن الفتوة، هو الشخص الظالم الذى يقهر الناس، ويتهجم على النساء، ربما كان يوجد البعض منهم هكذا، لكن كان يوجد العديد من الأمثال التى ناقشتها السينما، فمنهم من كان وطنيا، يستغل قوته وسلطته فى خطف جنود الاحتلال، وطلب الإفراج عن السجناء المصريين مقابل تسليمهم، وآخرين كانوا أبطالا شعبيين يناصرون المظلومين.
«البطل فى السينما»
من الفتوة الجدع إلى البلطجي
وكان أبرز الكتاب الذين قدموا شخصية الفتوة، الكاتب الكبير العالمى الراحل صاحب نوبل «نجيب محفوظ»، على يد المخرج نيازى مصطفى عام ١٩٤٥، فى فيلم «فتوات الحسينية»، وتوالت كتابات «محفوظ» عن الفتوات، ومنها: «الحرافيش» التى قدمت حكايات تمثل ١٠ أجيال متتالية من الفتوات.
وتحول بعض تلك القصص إلى أفلام، منها «شهد الملكة» عام ١٩٨٥، و«الحرافيش» ١٩٨٦، والفيلمان من إخراج حسام الدين مصطفى، و«المطارد» إخراج سمير سيف ١٩٨٥، و«التوت والنبوت» إخراج نيازى مصطفى ١٩٨٦، و«الجوع» إخراج على بدرخان ١٩٨٦، إضافة لفيلمين عن قصتين قصيرتين «الشيطان يعظ» إخراج أشرف فهمى، و«فتوات بولاق» إخراج يحيى العلمى، إنتاج عام ١٩٨١.
وتناولت السينما نموذج الفتوة، فى أغلب الأحيان، على أنه بطل شعبى يناصر المظلومين، واتصف بالشرف والنبل والقوة، فى مقابل الفتوات الذين استخدموا قوتهم البدنية، وسلطتهم فى الظلم والبطش، وفرض الإتاوات على الفقراء والمستضعفين.
ويأتى فريد شوقى على رأس الفنانين، الذين قدموا شخصية الفتوة الشرير، فى فيلم «فتوات بولاق»، كما كان فيلم «الشيطان يعظ»، من الأعمال التى ضمت نماذج سيئة للفتوات، ومن أبرز النماذج فى السينما المصرية شخصية الفتوة «حسونة السبع»، التى قدمها حمدى غيث، فى فيلم «التوت والنبوت»، حيث كان يفرض إتاوات كبيرة على أهل الحى، ويبالغ فى اضطهادهم وإذلالهم.
ويختلف نقاد ومؤرخو السينما، حول أول أفلام الفتوات، إذ يُرجع بعضهم بداية هذه الموجة إلى فيلم «فتوات بولاق»، الذى كتب له السيناريو وحيد حامد، وأخرجه الراحل يحيى العلمي، ويعتبرونه أول الخيط لأفلام الفتوات والحرافيش، قبل أن تتحول إلى ظاهرة سينمائية، وهو مأخوذ عن إحدى قصص مجموعة «أولاد حارتنا»، ودارت أحداثه على خلفية العنف الناجم عن صراع الفتوات على السيطرة على الحارة.
فيما يعتبر البعض الآخر، ومنهم المخرج سمير سيف؛ أن فيلم «فتوات الحسينية» ١٩٥٤، هو البذرة الأساسية لكل هذه الأعمال الأدبية والسينمائية، وقد كتبه نجيب محفوظ مباشرة للشاشة، وأخرجه نيازى مصطفى، وتضمن العديد من الأفكار والشخصيات والأجواء التى اعتمدت عليها قصص نجيب محفوظ فيما بعد.
وفى كتاب «الفتوة فى السينما المصرية»، للكاتبة والناقدة ناهد صلاح، تتفق ناهد صلاح مع المخرج سمير سيف، وترى أن فيلم «فتوات الحسينية»، الذى أنتج سنة ١٩٥٤، هو إشارة انطلاق «الفتوة» فى روايات «محفوظ»، التى كانت تتمحور فى مجملها حول شخصيات تسعى لتأسيس قيم العدل والحرية والخلاص والحب والسعادة، وكانت «الحرافيش»، أبرز رواية تناولت السيرة الشعبية لفتوات الحارة المصرية وتاريخهم.
فكتبت ناهد صلاح، أن فيلم «فتوات الحسينية»، أول الأعمال التى تناولت ذلك الموضوع، وليس فيلم «الفتوة»، الذى يعتبره الكثير من النقاد أول فيلم نقل هذه الشخصية إلى السينما، وهى ترى أن هذا الفيلم لا يحمل من عوالم الفتوات إلا اسمه، كونه يتناول موضوعًا آخر تمامًا.
وتبين ناهد صلاح، أن فيلم «فتوات الحسينية»- أنتج سنة ١٩٥٤ وأخرجه نيازى مصطفى- هو إشارة انطلاق الفتوة فى روايات محفوظ، التى كانت تتمحور فى مجملها حول شخصيات تسعى لتأسيس قيم العدل والحرية والخلاص والحب والسعادة.
وكانت «الحرافيش» أبرز رواية تناولت السيرة الشعبية لفتوات الحارة المصرية وتاريخهم. يعنى كان فيلم «فتوات الحسينية» بأجوائه المذهلة، التى اختلط فيها التراث الشعبي، بالصورة الشكلية لقصص الـ«ويسترن» الأمريكية، «بروفة» نجيب محفوظ، فى الكتابة عن هذا العالم، قبل ظهور روايته «الحرافيش» فى منتصف الستينيات من القرن الماضي.
الكاتب الروائى يوسف القعيد، أوضح الفرق بين الفتوات الذين عبّر عنهم نجيب محفوظ فى أعماله الروائية، وبين البلطجية فى الأعمال الفنية الحالية، قائلًا: «البلطجة هى التى انتشرت فى وقتنا الحالى، وحلت محل عصر الفتونة، وشتان الفارق بينهما، فالبلطجى كلمة تركية معناها حامل البلطة، والفتوة كان يحترم العادات والتقاليد والقيم فى المجتمع، بعكس البلطجى الذى يغتصب حقوق الناس بقوة السلاح».
وربما شهدت فترة الثمانينيات زخمًا سينمائيًا فى تناول سيرة الفتوات، أعقبها تغير تدريجى، حتى وصلت السينما إلى مرحلة البلطجة، حيث قدم أحمد السقا دور البلطجى فى فيلم «إبراهيم الأبيض» للمخرج مروان حامد، عام ٢٠٠٩، ولاقى هجومًا كبيرًا فى ذلك الوقت.
وتضاعفت تلك النوعية من الأفلام حتى وصلت إلى ذروتها بعد اندلاع أحداث ٢٥ يناير، التى أصبح معها البلطجى هو بطل الفيلم، بعدما فرض نفسه دراميًا بسبب تخبط الأوضاع الأمنية، فى ذلك الوقت، وأصبحت وصفة سهلة أمام صنّاع السينما، فى تحقيق إيرادات ضخمة، وهى الوصفة التى اعتمد عليها المنتجون فى تحقيق أرباح، عُرفت فى ذلك الوقت بـ«التوليفة السبكية»، التى تعتمد على البلطجى والراقصة وأغانى المهرجانات.
وفتحت تلك النوعية من الأفلام الباب أمام صعود محمد رمضان، حيث قدّم من خلالها دور البلطجى، وبدأها بـ«الألمانى»، ثم «عبده موتة»، والأخير حقق إيرادات وصلت إلى ٢٢ مليون جنيه، و«قلب الأسد» الذى قدم فيه شخصية «فارس الجن»، وكلها شخصيات لاقت رواجًا لدى فئة اجتماعية وعمرية معينة، ووصل الأمر إلى تقليد تلك الشخصيات دون وعى.
محمد فاضل: معظم الأعمال الفنية تقدم البلطجى «مظلومًا»
حرصت «البوابة» على توجيه سؤال لبعض صناع الفن والنقاد المتخصصين حول ما اذا كانت شخصية البلطجي التي يتم تقديمها عبر الأعمال الفنية ظالمة أو مظلومة؟
من جانبه قال المخرج محمد فاضل، إن هناك أعمالا كثيرة سواء في السينما أو الدراما التليفزيونية أظهرت البلطجي مظلوما بالإضافة لمحاولات عديدة لجذب الجمهور له والتعاطف معه لانه غالبا يكون البطل ودوره رئيسي ويحاولون أن يكون محبوبا.
وتابع «فاضل»: «في رأيي هناك بعض الجرائم لا يجب على الإعلام إبرازها بهذا الشكل حيث تعد جرائم شاذه، وكان تحدث العديد مثل هذه الجرائم في الماضي ولكن للاسف (السوشيال ميديا) الآن اصبحت تتداولها بشكل سريع وتجسيدها شيء غير جيد فمعظم الشعب المصرى ليسوا كذلك فلا يصح ان نأتي بحادث شاذ ونبروزه وارى أن هناك مبالغة كبيره جدا في تناول الحادث الاخير حادث الإسماعيلية وكان يجب ألا يتم تناوله اعلاميا بهذا الشكل».
ومن جانبها أشارت الناقدة الفنية حنان شومان، إلى أن البلطجي في معظم الأعمال الفنية قد يكون ظالما وأحيانا يكون مظلوما حسب الفكرة المطروحة والتعاطف معه لا بد يأتى ان الكاتب يجب عليه أن يعطى لنا كمشاهدين مبررات للتعاطف، ولا استطيع ان اتهم هنا النجم فهناك دور الكاتب والمخرج فهم أرباب العمل ويجب علينا أثناء تقييم العمل الفني ألا نقيمه بشكل أخلاقي بل يتم رصده بشكل فني فمثلا بعض أفلام عادل إمام نجده أخد حقه بيده وكذلك بعض أعمال محمد رمضان، هنا المناقشة لن تقع على عادل امام مثلا بل تقع على القيمة في الكتابة والتفكير لكن ان نلقى التهم على الممثل والنجم انه السبب في انتشار البلطجة فهذا اتهام ليس في محله.
وتابعت: «لا بد أنا نسأل في أي صيغة قدم لنا الكاتب البلطجة وماذا أعطي الكاتب من مبررات ليظهر النجم بلطجي فإذا كان المبرر هو عدم تنفيذ القانون ستتعاطف معه، وعلى صعيد آخر نجد أعمالا قدمت بلطجيه بشكل سىء مثل ملوك الجدعنة فهذه أعمال سيئة وكاذبة ومع ذلك لا يمكن القول بأنها سبب في فساد المجتمع المصرى لأن المسلسلات تشبه شوارعنا فالكاتب حينما يكتب لا يعيش في المدينة الفاضلة لكنه يحتك بالمواطنين في الشارع فنحن شعب نجده فجأه يسب الدين ويدخل الجوامع فنحن لدينا مشكلات فظيعة يجب الوقوف عليها وحلها فمثلا من الممكن أن اتهم كثير من الأعمال الفنية بأنها تحسن شكل التحرش يعني مثلا عادل إمام أو تامر حسني نلاحظ بعض مشاهد التحرش تكون مضحكة وهذا شيء لا يجوز ولا يجب ان نجسد مشهد تحرش كوميدي هكذا».
وأضافت «شومان»، أنها ضد لصق مشكلات المجتمع أو أخلاقياته بالفن وهذا أسهل شيء، موضحة أنه قبل الثورة كان أعضاء مجلس الشعب يشيرون بأصابع الاتهام إلى بعض الأفلام بأنها تساهم في انحدار المجتمع، متابعة: «هذه تهمة سهلة مثلها مثل قول سيدة بأن صاحب ابنها هو الذي أفسده وفي حقيقة الأمر نجد أن الأم لديها مشكلة في عدم قدرتها على تربية ابنها وبالتالي سيكون فاسدا وهذا الأمر ينطبق على المجتمعات وما أسهل القول إن محمد رمضان مثلا كان سبب البلطجة في المجتمع وهذا غير صحيح فالأعمال إفراز من المجتمع فحينما شاهدنا مشهدا بمسلسل محمد رمضان قام فيه بإجبار أحد الرجال على لبس ملابس سيدة في حاره هذا المشهد وهذه الاخلاقيات موجودة في الأماكن الشعبية وتحدث بالفعل كون المشاهد لم ير ذلك فلا نستطيع أن نقول إن محمد رمضان كان السبب أو الكاتب هو السبب في انتشار هذا السلوك، صحيح الكاتب ركز بإضاءة عليه والجمهور يراه مشهدا مظلما فهذا لا يعني أن الدراما هي السبب الحقيقى لانتشار مثل هذه السلوكيات أو الجرائم مثلما سمعنا مؤخرا عن حادث الإسماعيلية».
وأوضحت: «علينا أن نتذكر أن أول جريمة بعد نزول سيدنا آدم بعدما سمع كلام الشيطان وأكل التفاح كانت القتل وهنا يجب أن نوضح الأسباب الأساسية لجنوح المجتمعات إلى العنف وهى كثيرة وعلى علماء النفس والاجتماع والاقتصاد البحث عن هذه الأسباب»، مضيفة: «لا أنكر تماما ان تكرار البلطجة والعنف في الأعمال الفنية أمام الأطفال وغيرها يؤثر لكنه لا يخلق العنف ولا يجب ان نتهم الفن والدراما بأنهما المسئول عن كل مساوئ المجتمع، هذا ظلم مجحف وفكرة أن مشكلات المجتمع سببها شوية العوالم أو محمد رمضان فهذا شيء غير حقيقي، لأننا بذلك نعطي لمحمد رمضان قيمة أكبر اذا اتهمناه بذلك».
أما الناقد الفنى طارق الشناوى، قال إنه لا يمكن إلقاء اللوم على أن السينما هي السبب في كل شىء فهذا الامر يجعلنا نتكاسل عن علاج القضية، موضحًا: «ليس من الطبيعي ان نلقي كل مشكلة على الفن، فمثلا عن أحد المشاهد وهو مشهد من مسلسل الأسطورة حينما جعل الممثل محمد رمضان ممثلا يعمل أمامه في المشهد يرتدى زى امرأة ثم حدث بعد ذلك حادث بالفيوم مماثل لذلك المشهد، وحينما قام أحد الأشخاص بمعاقبة آخر وجعله يرتدى زى امرأة تقليدًا لذلك المشهد وهنا نتساءل: «هل قام كاتب مسلسل الأسطورة باختراع ذلك المشهد أم أن ذلك موجود في الثقافة الشعبية؟».
القاتل والمقتول وبينهما «الشرير»
أعمال سينمائية قدمت نموذج الخارج عن القانون بأشكال مختلفة
تظل الأعمال الفنية بمثابة مصادر للخيال وتحقيق أحلام اليقظة بالنسبة لشريحة كبيرة من المراهقين، ومثلما يأخذ الفن من الواقع بعض النماذج ليقدمها على الشاشة، يأخذ أيضا الواقع من الفن ويتأثر به، ويبقى دور الفن مؤثرا للغاية في تشكيل وجدان الأمم.
هناك العديد من الأعمال الفنية التي تناولت ظاهرة البلطجة وقدمت عدة نماذج للبلطجي بشكل أبهر نسبة كبيرة من المشاهدين وخاصة شريحة المراهقين الذين وجدوا في هذه النماذج ضالتهم في التقليد أو تحقيق أحلام يقظتهم على أرض الواقع، وبدلا من أن يرتقي الفن بهذا الواقع سقط به وبهم.
ولعل هناك من يقول إن الفن يقدم هذه النماذج من الواقع، وفي هذه الحالة يمكن الرد بأن تلك النماذج لو كانت موجودة في الحقيقة بهذا الشكل البشع، فعلي الفن توخي الحذر في تقديمها بدون نهاية مأساوية لهم على الشاشة، حتى لا تصبح شخصية البلطجي حلما يسعى الشاب أو الطفل لتقليده.
وتبقى هناك مجموعة من الأعمال التي تناولت شخصية البلطجي وقدمته في صورة الشخص الذي ينجح في الحصول على حقوقه بيده أو الانتقام من الآخرين بشكل يلهب مشاعر المشاهدين ويجعله وكأنه إنسان لا حيلة له إلا فعل البلطجة فهي سلاحه الوحيد لكي يقف على قدميه، وفي هذا الأمر محاولة لئيمة لجلب استعطاف الجمهور حول هذا الشخص، حتى لو جاءت نهاية العمل بمقتل هذا الشخص أو الحصول على الجزاء المستحق، فالمشاهد التي ينجح فيها البلطجي في قهر أعدائه تكون قد ترسخت في أذهان المشاهدين ومن الصعب أن يمحوها مشهد النهاية، ليصبح القاتل والمقتول وبينهما "البلطجي" هم أضلاع مثلث العمل السينمائي في فترة من الفترات.
«إبراهيم الأبيض»
في عام ٢٠٠٩ قدم الفنان أحمد السقا نموذج آخر للبلطجي من خلال فيلم «إبراهيم الأبيض» تأليف عباس أبوالحسن وإخراج مروان حامد وشارك في البطولة محمود عبدالعزيز وهند صبري، وتدور أحداثه حول طفل صغير يتعرض والده للقتل أمام عينيه على يد عصابة كبيرة تتاجر في المخدرات، فيكبر الطفل وصورة مقتل والده لا تفارق عينيه وبالفعل يقوم بقتله وبعدها يبدأ في تجارة المخدرات بعد أن مضي به الزمن بسرعة ولكن أحد أفراد عصابة عبد الملك زرزور يقوم بسرقة بضاعته وبيبعها بدون علم زعيم العصابة عبد الملك زرزور فيدخل في منطقته ويحاول الانتقام، وتتناثر الدماء هنا وهناك بشكل بشع الأمر الذي أدى إلى انتقاد الفيلم بصورة لم يتوقعها صناعه.
شخصية البطل «إبراهيم الأبيض» ومراحل تطورها تجعل المشاهد في حيرة من امرة، فهل يقبلها بكل عيوبها أم يلفظ هذا النموذج السيئ على أرض الواقع، ولكن جاءت قصة الحب الرومانسية بينه وبين حبيته التي يخطفها منه المعلم زرزور بالإضافة إلى خيانة صديقه "عشري" تجعل منه شخصًا مظلومًا.
«الألمانى»
في عام ٢٠١٢ قدم محمد رمضان فيلما بعنوان «الألمانى» تأليف وإخراج علاء الشريف، وشارك في البطولة عايدة رياض وأحمد بدبر وضياء عبدالخالق، وتبدأ أحداثه الفيلم بتعدي «الألمانى» على شاب في الطريق وقتله لسرقة موبايله والجاكت الجلد، وأثناء قيامه بذلك يقوم شخص مجهول بتصويره وإرسال الفيديو لإحدى القنوات الفضائية التي تقوم بإذاعته ومطالبة الأهالي بالاتصال إذا تعرف أحد على شخصية هذا البلطجي، وبعد أن يتعرف متفرج عليه ترسل المذيعة من يطلب من والدته الظهور على شاشة التليفزيون لتروي قصته، وتوافق الأم على أمل الحصول على ١٥ ألف جنيه من القناة الفضائية تساعد الألماني على الهرب وتتوالى الأحداث.
هذا الفيلم فتح ملف البلطجة في الشارع بشكل أكبر من ذي قبل، وجعل منه نموذجًا لعدة أعمال أخرى سواء التي قدمها رمضان أو التي قدمها نجوم آخرون، وكأن هذه المرحلة التي جاءت بعد ٢٥ يناير مباشرة هى بمثابة مرحلة الأفلام التي تناقش البلطجة وتستعرض صورة البلطجي الموجود في الشارع بشكل أكبر من الأعمال التي سبق وقدمها صناع الفن عن هذا النموذج الإنساني.
«عبده موتة»
وفي نفس العام أيضًا قدم رمضان فيلم «عبدة موته»، وهو من تأليف محمد سمير مبروك وإخراج إسماعيل فاروق وبطولة محمد رمضان وحورية فرغلي ودينا وسيد رجب ورحاب الجمل، وتدور أحداثه حول بلطجى يعمل في تجارة المخدرات بعد أن يفقد والديه في ظروف غامضة، ويتخذ هذا البلطحي من قوته سلاحا لفرض الإتاوات على أهالي الحي والمنطقة التي يقطن بها، في الوقت الذي تتعلق فيه بنت الحارة أنغام «حورية فرغلى» وتتطلع إلى الزواج منه، وعلى الجهة الأخرى تقع الراقصة ربيعة «دينا» في علاقة غير شرعية معه.
يحاول البلطجي عبده «محمد رمضان» أن يستغل ذلك في بدء الأمر حتى يقرر أن يغير محور حياته نهائيا، ولكن لكل شر نهاية حتمية، ويظهر عبده موته في أحد المشاهد وهو يعدد بفخر شديد من تسبب لهم بالأذى ومن تسبب في ترويع حياتهم أو في مقتلهم.
جاء فيلم «عبده موتة» أصعب من حيث أحداثه وصورة البلطجي عن الفيلم السابق «الألمانى»، لتتأصل لدى المشاهد فكرة تخصص «محمد رمضان» في تقديم مثل هذه النماذج البشرية، الأمر الذي جعل الهجوم عليه أشرس بكثير من باقي النجوم الذين قدموا شخصية البلطجي، حتى أن رواد «السوشيال ميديا» وباقي المشاهدين يتذكرونه ويتذكرون أعماله كلما وقع حادث مروع على أرض الواقع.
«قلب الأسد»
وفي عام ٢٠١٣ قدم محمد رمضان فيلم «قلب الأسد»، الذي تدور أحداثه في عالم الجريمة بعيدا عن الصراعات التقليدية حيث تدور الأحداث حول طفل يتعرض للاختطاف، ويترعرع في الكواليس الخلفية للسيرك حيث يعيش وسط الأسود والنمور الأمر الذي يؤدى إلى تكوين شخصية صلبة من الخارج ينيرها الخير من الداخل، إلا أن نشأته دائما ما ترغمه على الظهور للمجتمع بشكل مختلف حتى يتسنى له العيش والبقاء.
وهنا يوجد مبرر لصلابة وعنف البطل، ولكن غالبا من تظل مشاهد العنف عالقة في الأذهان أكثر من أي أشياء أخرى.
ويبدو أن هناك من أقنع «رمضان» بأن مثل هذه الأعمال هى التي تنجح أكثر، فنقل شخصية البلطجي أو الخارج على القانون من السينما إلى الشاشة الصغيرة، من خلال أكثر من عمل تليفزيوني، حتى لو كان هناك مبرر درامي لتحول شخصية البطل من إنسان سوي إلى شرير، سواء في مسلسل «ابن حلال» أو غيرها من المسلسلات.
«حديد»
أعمال سينمائية أخرى قدمها عدد من الفنانين كان لنموذج الإنسان الخارج عن القانون مساحة كبيرة، ولكن تبقى أقل تأثيرًا من الأعمال السابقة، فهناك على سبيل المثال فيلم «حديد» الذي جسد فيه الفنان عمرو سعد شخصية إنسان طبيعي تحول إلى بلطجي ويدخل السجن وهناك يمارس البلطجة على السجناء حتى يستطيع السيطرة عليهم، سيناريو الفيلم يجعل المشاهد يميل إلى التعاطف مع هذا الشخص بسبب الظروف المحيطة به.