لم تعد طهران تأخذ واشنطن على محمل الجد، لذلك تحتاج إدارة بايدن إلى إعادة احتمالية التصعيد العسكري إلى الطاولة إذا كانت تأمل في إحراز تقدم بشأن القضية النووية.. هكذا بدأ السفير الأمريكى السابق دينس روس، دراسته المنشورة على موقع معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى. وجاء فيها:
استند نهج إدارة بايدن تجاه إيران إلى إعادة البرنامج النووي للجمهورية الإسلامية في صندوق من خلال استعادة الاتفاق النووي لعام 2015 والقيود التي تفرضها على البنية التحتية النووية الإيرانية حتى عام 2030.
وتعتقد الإدارة أنه بمجرد تحقيقها للإتفاق، سيكون لديها الوقت للتفاوض بشأن صفقة "أطول وأقوى" - صفقة من شأنها أن تمدد المهلة التي تنهي القيود المفروضة على حجم وجودة البرنامج التى من شأنها معالجة قضايا إيران كالصواريخ الباليستية والسلوك العدواني في المنطقة وتنفيذ خطة واشنطن- لكنهم أظهروا أنهم لن يكونوا شركاء في خطط البيت الأبيض.
وبدلًا من ذلك، فقد جعلوا برنامجهم النووي أكثر تهديدًا وأثاروا تساؤلات حول ما إذا كان هناك رد دبلوماسي عليه. ولم يقتصر الأمر على منع الإيرانيين للوكالة الدولية للطاقة الذرية من الوصول إلى بيانات المراقبة الخاصة بأنشطة التخصيب، ولكنهم اتخذوا خطوات ليس لها غرض مدني مبرر، مثل تخصيب اليورانيوم إلى مستوى 60 % وإنتاج معدن اليورانيوم.
وأعلنوا أن هذه الأعمال جاءت ردًا على أعمال تخريب إسرائيلية، بحسب تقارير، وضد منشآتهم ومصانعهم في ناتانز وكرج، التي تعمل وتنتج أجهزة طرد مركزي لتخصيب اليورانيوم. لكن ذلك كان مجرد ذريعة لاتخاذ إجراءات لا علاقة لها على الإطلاق بالاستخدام السلمي للطاقة النووية.
ورغم أن ادارة بايدن ترفض التبرير الإيراني للأفعال التي تدفع إيران نحو سلاح نووي، قال مسؤولو إدارة بايدن للإسرائيليين، كما علمت مؤخرًا في إسرائيل، أن هناك "ضغوطًا جيدة على إيران وضغوطًا سيئة" - ومثال التخريب في ناتانز وكرج باعتباره ضغطًا سيئًا، لأن الإيرانيين استولوا عليها لتخصيبها وإنتاج معدن اليورانيوم الذي يتمثل هدفه الأساسي في صنع لب قنبلة نووية.
في حين أنه من المؤكد أن إيران استخدمت هذه الإجراءات لتجاوز الخطوط القصوى الخطيرة، لكن هذه الحجة تغفل نقطة أساسية. الايرانيون فهموا مغزى هذه التصرفات ولم يخافوا. فمن الواضح أنهم فهموا وتوقعوا رد فعل ضئيلًا أو معدومًا، دبلوماسيًا أو غير ذلك، من الولايات المتحدة أو الأعضاء الآخرين في مجموعة الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، بما في ذلك الصين وفرنسا وألمانيا وروسيا والمملكة المتحدة. وكانوا على حق - لم تكن هناك عواقب.
إن فقدان الخوف الإيراني، قد ينتج عنه طموحات نووية وهذا أمر خطير. وقد ينتج عن ذلك سوء تقدير من جانب إيران حول ما إذا كانت الولايات المتحدة قد ترد عسكريًا، وبالتأكيد تجعل النتيجة للحوار الدبلوماسي أقل احتمالًا.
هل يمضي الإيرانيون قدمًا الآن في عمليات تخصيب قريبة من مستوى صنع الأسلحة، ومعدن اليورانيوم، وسلسلة من أجهزة الطرد المركزي المتقدمة للضغط على واشنطن لتحسين شروط الاتفاق النووي، حيث يحصلون على تخفيف للعقوبات أكثر مما يحق لهم مقابل قيود أقل على بنيتهم التحتية النووية؟ أم أنهم يفعلون ذلك لأنهم يريدون تحقيق قدرة ضغط شبيهة باليابان تمكنهم من الانتقال بسرعة كبيرة إلى سلاح نووي إذا اختاروا القيام بذلك؟ أم كلاهما، حيث إن هذين الخيارين لا يستبعد أحدهما الآخر؟
وما لم يدرك الإيرانيون أن المسار الذي يسلكونه خطر عليهم، فإن احتمالية استخدام القوة سترتفع. ومن المؤكد أن الإسرائيليين، الذين يعتقدون أن التهديد النووي الإيراني هو تهديد لوجودهم، سيميلون أكثر إلى التخريب والهجوم عسكريًا على البنية التحتية النووية الإيرانية بالكامل، خاصة في الوقت الذي يرون فيه إيران تقترب من نقطة التحول للوصول إلى قدرة أسلحة اليابان - وهي الإمكانية التي من شأنها أن تمنح إيران القدرة على مواجهة العالم بواقعها النووي في الوقت الذي تختاره.
وإذا أرادت الولايات المتحدة تقليل مخاطر نشوب صراع وإعطاء الدبلوماسية فرصة للنجاح، فسيتعين على إدارة بايدن استعادة "خوف إيران" من رد فعل أمريكي وممارسة ضغوط حقيقية. "وهذا سيؤثر أيضًا على الإسرائيليين ويقلل من حاجتهم للعمل بشكل مستقل ضد إيران".
إذن كيف يمكن لإدارة بايدن تغيير الحسابات الإيرانية، خاصة في الوقت الذي أعلن فيه الإيرانيون أخيرًا أنهم سيعودون إلى محادثات فيينا؟ ستحتاج أولًا إلى دمج وتنظيم عدد من التحركات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والاستخباراتية والعسكرية. وثانيًا ستحتاج إلى عزل الإيرانيين سياسيًا ودبلوماسيًا. ويذكر أنه بالانسحاب من الاتفاق النووي دون خطة لاستبداله، عزلت إدارة ترامب عن طريق الخطأ الولايات المتحدة، وليس إيران فعليًا.
العُزلة السياسية مهمة
القادة الإيرانيون لا يرون أنفسهم مثل كوريا الشمالية لهم قدرة على عزل أنفسهم. لذلك عزل إيران سياسيًا يتطلب الجدية الأمريكية بشأن الدبلوماسية والعمل مع الآخرين، حتى عندما يوضح العواقب إذا فشلت الدبلوماسية في منع الإيرانيين من أن يصبحوا دولة تمتلك أسلحة نووية.
وتشكل التهديدات والسياسة التصريحية جزءًا من هذا المزيج. فعلى سبيل المثال، تحتاج الصين، أكبر مستورد للنفط في العالم، إلى شرق أوسط مستقر، وليس شرقًا تمزقه الحرب بجوارها، وإيران في مسارها النووي الحالي نحو وضع أسلحة وتخاطر بذلك على وجه التحديد.
في عام 2009، خلال الفترة التي أمضيتها في إدارة أوباما، تم إرسالي إلى بكين، حيث قدمت حجة مفادها أن أيًا من البلدين لم يرغب في رؤية صراع كبير في الشرق الأوسط، ومع ذلك فإن برنامج إيران النووي، إذا لم يتم احتواؤه، سينتج عنه صراع حقيقى. ولتجنب ذلك، كانت الصين بحاجة إلى أن تكون جزءًا من الجهود المبزولة لعزل إيران سياسيًا واقتصاديًا- وكان ذلك لاحقًا.
من المؤكد أن لا الروس ولا الأوروبيون يريدون رؤية إيران تمتلك أسلحة نووية، كما أنهم يدركون أيضًا مخاطر نشوب صراع أوسع في الشرق الأوسط إذا استمرت طهران في مسارها الحالي. ويدرك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على وجه الخصوص، أنه إذا شعرت إسرائيل بأنها مضطرة لضرب إيران، فإن حزب الله في لبنان والميليشيات الشيعية في سوريا سيضربون إسرائيل بعشرات الآلاف من الصواريخ والطائرات بدون طيار. بالنظر إلى الوجود الروسي في سوريا، فإن آخر ما يريده بوتين هو عدم الوقوع في مثل هذا الصراع.
ما يربط مجموعة الدول الخمسة معًا هو الرغبة في منع إيران من امتلاك أسلحة نووية والإيمان باستخدام الدبلوماسية لتحقيق هذا الهدف. وبهذا المعنى، من المهم إظهار التزام واشنطن بالدبلوماسية ولكن لا يجب استمرار استخدامها وإيران في عملية التخصيب. ولتحقيق هذا التوازن يتطلب سياسة تحذيرية لإيران بالخطر الذي قد تواجهه. ولا يكفي الحديث عن التفكير في خيارات أخرى، وهو الخط الذي أصبح روتينيًا بالنسبة لإيران. وبدلًا من ذلك، ينبغي على إدارة بايدن، مع التأكيد على التزامها بالدبلوماسية، أن تقول إنه إذا جعلت إيران من المستحيل التوصل إلى نتيجة دبلوماسية، فإنها تخاطر ببنيتها التحتية النووية بالكامل.
قبل تغيير الموقف الإعلاني للولايات المتحدة، تحتاج إدارة بايدن إلى مشاركة خططها مع الأعضاء الآخرين في مجموعة الدول الخمسة. بالإضافة إلى ذلك، يجب على الرئيس جو بايدن أن يقرن سياسة إعلان أكثر حزم مع المبادرات الإنسانية لإيران، ودعوة الأوروبيين وغيرهم للانضمام إلى الولايات المتحدة في تقديم لقاحات كورونا والمساعدة في معالجة مشاكل المياه الحادة في إيران - والتي من المقرر أن تصبح أسوأ بسبب تغير المناخ وسوء الإدارة.
وإذا قال المرشد الأعلى لإيران، آية الله علي خامنئي، لا، كما هو مرجح، فسوف يساهم في عزلة البلاد من الخارج وإحباط أكبر فى الداخل.
ومن الناحية الاقتصادية، "لا ينبغي للولايات المتحدة أن ترفع العقوبات"، لكن بايدن يمكن أن يعرض منح إعفاءات لمشتريات النفط الإيراني لبلدان محددة أو الوصول إلى بعض الأصول الإيرانية المجمدة، مقابل وقف التخصيب فوق 3.67 %، ووقف إنتاج معدن اليورانيوم، وإنهاء عرقلة رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
أما عسكريًا، فيجب على الولايات المتحدة استخدام القيادة المركزية الأمريكية لإجراء تدريبات مشتركة مع إسرائيل والدول العربية، بما في ذلك دمج الدفاعات ضد هجمات الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز، واستخدام الوسائل الإلكترونية والأسلحة الإلكترونية لإيقاف إطلاق الصواريخ، ومحاكاة الرد على هجمات القوارب الصغيرة.
وأعلم من التجربة أن إيران تولي اهتمامًا وثيقًا للتدريبات الأمريكية. ويجب أن تُظهر القوات الجوية الأمريكية أيضًا نفوذها العسكري على أساس منتظم وليس رمزيًا من خلال رحلات B-52H الروتينية إلى المنطقة. علاوة على ذلك، يحتاج بايدن إلى تنحية إيران من فكرة أن واشنطن لن تتصرف عسكريا وستمنع إسرائيل من القيام بذلك.
ويعد تزويد الإسرائيليين "بمخترق الذخائر الضخمة" الذي يخترق الجبال، وهو قنبلة تزن 30 ألف رطل تخترق أعماق الأرض قبل اشتعال الفتيل، وهو أحد الخيارات. وستحتاج إسرائيل إلى استئجار قاذفات B-2 لتتمكن من استخدامها، لكن الرسالة القائلة بأن واشنطن مستعدة لتقديمها للإسرائيليين ستكون واضحة للإيرانيين. وهى كالتالى: الولايات المتحدة ستمنح الإسرائيليين الوسائل لمهاجمة موقع فوردو، وهو موقع تخصيب، مبني داخل الجبل، وتكون الولايات المتحدة مستعد لدعم قذفهم له، إذا كانت هذه هي الطريقة الوحيدة لإضعاف البرنامج النووي الإيراني.
إذا أرادت واشنطن تقليل احتمالية استخدام القوة ضد البرنامج النووي الإيراني، فمن الضروري استعادة "الردع". لذلك، يجب أن يعتقد قادة إيران أن الولايات المتحدة أو إسرائيل ستعمل عسكريًا لتدمير استثماراتهم الهائلة في البرنامج النووي إذا استمروا على المسار الحالي ورفضوا التوصل إلى نتيجة تفاوضية.
ليست هذه هي المرة الأولى التي يكون فيها التهديد باستخدام القوة ضروريًا لتجنب استخدامها الفعلى.