السبت 23 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

 «شتيّ» في الأقصر!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

ساعات قليلة تفصلنا عن حفل افتتاح طريق الكباش في الأقصر التي تشهد توافد أعداد غير مسبوقة من السائحين على المدينة العالمية الأولى في السياحة التراثية لمشاهدة إحياء أكبر ممر سياحي ومتحف عالمي مفتوح. وتم اختيار الرابع من نوفمبر لإقامة الحفل الأسطوري العالمي لأنه يوافق ذكرى اكتشاف مقبرة الملك الذهبي «توت عنخ آمون». 
وما أعظم احتفالات أم الدنيا بترميم حضارة جدودنا الفراعنة التي تثري الزاد الثقافي لهذا الوطن وتجعله منارة يُستضاء بها وتدفعه نحو تقدم لا يعرف الحدود، يستلهم من أمجاد طيبة وحبات ثرى ملكات وملوك مصر في أوديتهم المقدسة ما يجعله يشيد أمجاد المستقبل ويتغلب على التحديات والصعوبات.

الآن كافة تفاصيل الحفل جاهزة ليكون مبهرا مُشابها لعرس موكب المومياوات الملكية عند افتتاح متحف الحضارة في إبريل الماضي. وسيكون الحفل أفضل دعوة لزيارة الأقصر وقضاء الشتاء بها تنقلها على الهواء مباشرة كاميرات التلفزيونات والصحافة العالمية. وكان إحياء طريق الكباش بمثابة الحلم الذي راود العاشقين لهذه المنطقة المتفردة في الكون منذ الأربعينيات، وتحول الحلم إلى حقيقة تدريجيا حتى تم الانتهاء في 2019 من إزالة المئات من المباني الحكومية والمنشآت والتعديات المعيقة للطريق. وتم تعويض أصحاب  تلك المنشآت وتوفير أماكن بديلة لهم والكشف عن الطريق الأثري القديم وترميمه، وكذلك ترميم الكباش بالتوازي مع ترميم معبد الكرنك ليكون بذلك أكبر متحف مفتوح في العالم. ولأول مرة منذ 3000 سنة يعود «طريق الكباش»  ليعانق الشمس مرة أخرى بعد أن أصبح الآن منسابا بدون انقطاع أمام موكب المركبات الفرعونية التي سوف تسير على أنغام «ترتيلة آمون» الشهيرة من معبد الكرنك، مرورا بطريق الكباش، ووصولًا إلى معبد الأقصر حيث ستقام المنصة والمسرح ومكان جلوس الضيوف من كبار الشخصيات العالمية. واستعاد الطريق الرونق والفخامة مثلما كان فى عهد قدماء المصريين، وبما يليق بعروس المدائن التي تضم بين أحضانها ثلث آثار العالم.

ومدينة الأقصر هي قبلة الزائرين من أوروبا وآسيا في موسم السياحة الشتوية وتعد الوجهة المفضلة للسياحة اليابانية العاشقة للثقافة والآثار. ولاحظت خلال عودة رحلات الطيران الشارتر، بعد توقفها بسبب كورونا، وجود سياح من نوع جديد جاءوا من أمريكا اللاتينية يزورون في برنامج واحد الأردن وشرم الشيخ والأقصر. كما لاحظت عودة السياحة البريطانية وشمال أوروبا. وسوف تساهم هذه الاحتفالية بلا شك في الترويج للسياحة الثقافية العالمية لجلب المزيد من السياح إلى وجهة لا مثيل لها على هذا الكوكب. 

و«طريق الكباش» له حكاية ممتعة؛ فقد كان في الأصل طريقا ملكيا يربط ما بين «معبد الأقصر» و«معبد الكرنك» بطول ثلاث كيلومترات تقريبا. وقد استخدمه ملوك مصرالقديمة في احتفالاتهم وإقامة طقوسهم الدينية وأطلقوا عليه «طريق الرب»، وله اسم ثان وهو «تا مي رهنت» ويعني «طريق الكباش» وترمز للإله آمون حيث التماثيل على هيئة كباش تزينه من الجانبين. وظل هذا الطريق مدفونا تحت الأرض لقرون طويلة. وأول من اكتشفه هو الدكتور الأثري «زكريا غنيم» عام 1949 حيث عثر على 14 كبشا خلال تنقيبه عن الآثار. ثم عثر الدكتور «محمد عبدالرازق» في الستينيات على 64 كبشا أخرى. ثم توصل الدكتور الأثري «محمد الصغير» في 2002 إلى حقيقة الطريق كاملا وعلى جانبيه 1200 كبشا وحدد مساره القديم الأصلي بدقة. ويعود الفضل في ذلك إلى دراسة نادرة نشرتها مجلة "العمارة" في عددين (9-10) صادرين عام 1940 لعلى المليجى، حيث تناولت شكل تخطيط المدينة منذ القدم، وكيف تم العمران بها أربعينيات القرن الماضي.

لكن المشكلة ان أغلب هذا الطريق كان قد دُفن تحت الأض، وبنيت فوق المسار الأثري بيوت ومساكن وجوامع وكنائس وحتى مباني حكومية في المنطقة المعروفة بـ «نجع أبو عصبة» . وكان لا بد من إزالة تلك التعديات لإحياء الطريق القديم. وانتظر هذا الحلم طويلا إلى أن توفرت الإرادة السياسية، وبدأت الحكومة منذ سنتين تنفيذ المشروع المبهر بجدية وتصميم وحددت تكلفة نزع الملكيات وتعويض أصحابها وتوفير أماكن بديلة لهم، إضافة إلى توفير كافة الإمكانيات لإعادة إحياء الطريق الأثري القديم وترميمه، وكذلك ترميم الكباش التي تم اكتشافها وكان أغلبها في حالة يرثى لها. وبعد مجهود مضني استمر سنتين، نجحت البعثة المصرية في مهمتها بإعادة تلك الكباش لحالتها الأصلية كما تم بالتوازي ترميم «معبد الكرنك» لإزالة عوامل التعرية التي حدثت له عبر مئات السنين، إضافة إلى إعادة الألوان الأصلية للنقوش الأثرية المحفورة على أعمدته الضخمة.

وميزة هذا الطريق أنه يجعل السائح يسير مباشرة من معبد الأقصر إلى أن يصل معبد الكرنك مباشرة أو العكس دون الخروج من أجواء الآثار الساحرة. وبعد هذه الاحتفالية يمكن أن يكون لحملة وزارة السياحة والآثار «شتّي في الأقصر» صدىً جميل له وقع خاص على السائحين!

olfa@aucegypt.edu