شاركت الباحثة الموسيقية الدكتورة داليا حسين فهمي، بورقة بحثية بعنوان "توظيف آلة البيانو الغربية في الموسيقى العربية"، مساء اليوم الأربعاء، ضمن ندوة مؤتمر ومهرجان الموسيقى العربية في دورته الـ30، بالمسرح الصغير بدار الأوبرا المصرية.
قالت فهمي، إن الموسيقى لغة ذات لهجات متعددة تلتقي كلها في نقاط أساسية عامة، كاعتمادها على ترتيب الأصوات مع الزمن والعناصر الموسيقية كالنغمة والتعبيرات الصوتية والزمن والقالب الموسيقى التي تميز الموسيقى عن "الأصوات الأخرى" إلا أن لكل منها مميزاتها الخاصة، بالموسيقى تتعدد بتعدد الأمم والبلدان، والموسيقي العربية كيانا خاص وقواعد مميزة، وهي قديمة قدم العالم العربي، ولها أسلوبها وطرائقها وآثارها، فتتشابه مع الموسيقى الغربية في بعض النواحي، وتختلف عنها في نواحي أخرى كثيرة لا سيما طابع التأليف لديها المعتمد على خط لحني واحد يصاغ لآلات التخت الشرقي التي تؤديها جميع الآلات في آن واحد وبخط لحني واحد خلافا لعلم التناغم الصوتي "الهارموني" الذي يعد الأهم على الإطلاق في التأليف الموسيقي الغربي، إضافة إلى الفارق الواضح فيما يسمى ثلاثة أرباع الدرجة الموجود في الموسيقى العربية ولا يدخل في أبعاد الموسيقى الغربية، حيث لا تقره نظرية السلسلة الهارمونية في علم الموسيقى ولا تقره بعض آلات الموسيقى الغربية مثل آلة البيانو.
وأضافت فهمي، أن الموسيقى هي لغة بشرية عالمية سامية، لها من الجمال ما هو غير محدود وغير مرتبط بذائقة بشرية دون أخرى. من هذا المنطلق يجب أن ننفتح بذائقتنا على قوالب وأشكال الموسيقى في العالم، هناك من يقول إن أغنيتنا العربية لها خصوصيتها ومساحتها التعبيرية المعتادة وأنها لا تقبل الكثير من التطور والاندماج مع الآلات الموسيقية الغربية، واعتقد أن هذا الرأي رغم وجاهته هو غير دقيق، نتذكر تماماً تجارب الموسيقار محمد عبدالوهاب ثم الموسيقار بليغ حمدي في إدخال الآت موسيقية غير شرقية ضمن فرقة السيدة أم كلثوم في ستينات القرن الماضي، مثل: الجيتار، الاكورديون، الأورج، البيانو تباعا، وكان ذلك حينها يمثل صدمة لمتذوقي فن أم كلثوم من الشرقيين الكلاسيكيين محبي فن الآت التخت الشرقي فقط.
وتابعت: لقد كان ذلك تطورا لافتا حتى مع الوقت أحبوه المتعصبين الشرقيين لآلات التخت الشرقي، وتمثل هذه التجربة من الأهمية في دلالتها على أن الآلات غير الشرقية كان لها دور وتأثير بالغ الجمال في التطور والتعبير الموسيقي لدى عمالقة الأغنية العربية ومن جاء بعدهم، ومنذ ذلك الحين إلى اليوم وكل ما تحققه الأغنية العربية من نجاحات وجماليات في قوالبها المتعددة نتيجة إبداع موسيقييها وثقافتهم في الاستعانة بأجمل وأنسب الآلات غير الشرقية في الأغنية العربية، مما يعد تجديدا وتطورا وإضافة نوعية وقيمة لأغنيتنا العربية، والمستمع العربي لأغنيته العربية أصبح خلال نصف قرن مضى متطوراً في تذوقه وتقييمه، وأصبح أكثر انفتاحا في تذوقه لأجمل وأرق الآلات غير الشرقية المشاركة في أغنيته العربية، وعندما تستمع أو تجد من يقدم مقطوعة موسيقية لأغنية عربية بحوارية بين آلة العود، البيانو، الكمان، الساكسفون، الناي وغيرهم، ستجد إذن المتذوق العربي في غاية الاستمتاع بهذا المزج والشراكة الطربية الرائعة.
وأوضحت فهمي، أن التمازج بين الآلات الغربية والعربية زادها ولم يقلل من قيمة الموسيقى العربية أو الشكل العام لها، لأن الجيل الأن أصبح إلكتروني مطلع على الإنترنت وعلى باقي الحضارات، فالدول في سباق سريع ما بين تقنية وما بين عقلية المتلقي، إن المستمع بشكل عام لن يتقبل الأغنية التي تعتمد على الآلات الشرقية فقط "قانون، ناي، كمنجة، إيقاع فقط"، وفي تجارب حصلت بالنسبة لبعض للفنانين عملوا توزيع بالشكل القديم، ولم ينجحوا به، لأن "القديم يبقى قديما"، والذي حدث في الماضي لن يتكرر نحن مهمتنا نعتمد على القديم ونطوره ونضيف إليه بعض التعديلات البسيطة وهذا الحاصل الأن مع كل الموسيقين والموزعين، وأعتقد أن الموسيقى ذاهبة بالطريق الصحيح مجاراة مع الأحداث العالمية والتطورات التكنولوجية، والعوامل المساعدة موجودة مثل الأجهزة والمكتبات العظيمة فمن الصعب ألا تستثمر هذه الأمور، والموسيقى العربية سيأتي لها يوم من الأيام ستصل للعالم أجمع! ولدينا فنانون وصلوا للعالمية مثل: عمرو دياب، الأغنية التي أوصلته للعالمية "حبيبي يا نور العين" أغنية خالية تماماً من الآلات الشرقية، وتعتمد على الآلات التالية: الأكورديون، قيثارات الإسبانية، وإيقاع عبارة عن "جبسي" حاجة لديها علاقة "بالسبانيش" لكن الكلام عربي واللحن نوعا ما شرقي، والمقصود بالعالمية: أن الأغنية تبث في محطات أوروبية، أمريكية، إفريقية، آسيوية لكن العالمية ما لها مقاييس موسيقية ولكن لها شكل الجمهور يستوعبه.
وأكدت فهمي أن الجيل الحالي جيل يستمع للأغاني الغربية والأعمال التي يسمعها من جيل السبعينات والثمانينات الميلادية من القرن الماضي، عندما بدأ يأخذ من أعمال على سبيل المثال: بوني إم، مايكل جاكسون وغيرهم، الناس دائما تذهب مع الموجة وتحبها وأصبح الجيل الحالي متمكن في هذا الفن.
وبما أن حياتنا العامة والخاصة قد تأثرت بأساليب الغرب، فملابسنا ونُظمنا ومعظم تقاليدنا الآن تسير على النمط الغربي الذي سيطر في حياتنا ومظاهر نشاطنا الاجتماعي والفني ولا ضرر في هذا فإن التأثر بالاتجاهات الأجنبية ومسايرة موكب النهضة شيء تحتمه سنة التطور وهكذا وجدنا اتجاها عاما جديدا فسرنا معه ولبينا نداءه، لذلك إدخال أساليب جديدة على موسيقانا مثل الآلات الغربية لنطعم إنتاجنا الموسيقي مع ضرورة التشبث بروحنا الشرقية و أصالتنا مع الانفتاح على أنماط وثقافات أخرى لمسايرة النهضة العالمية دون التغرب والانسلاخ .
يذكر أن فعاليات الدورة الـ30 لمهرجان الموسيقى العربية، انطلقت أول أمس بحضور الدكتورة إيناس عبدالدايم وزيرة الثقافة، والدكتور مجدي صابر رئيس دار الأوبرا المصرية، ولفيف من الوزراء من بينهم: السفيرة نبيلة مكرم، وزيرة الدولة للهجرة وشؤون المصريين بالخارج، والدكتور علي المصيلحي، وزير التموين والتجارة الداخلية، والفنانين.
وتستمر فعاليات المهرجان حتى 15 نوفمبر الجاري، وتضم 33 حفلا غنائيا وموسيقيا بمشاركة 101 فنان من 10 دول عربية هى: مصر، ولبنان، والمغرب، والسعودية، والعراق، وسورية، وتونس، وفلسطين، والأردن، وعمان، وتقام على 6 مسارح، بثلاث محافظات القاهرة النافورة، والصغير، والجمهورية، ومعهد الموسيقى العربية، وتخرج فعالياته إلى أوبرا دمنهور، ومكتبة الاسكندرية التى تستضيف الحفلات لأول مرة حفلاته بسبب سعة المسرح التى تعد ضعف مسرح سيد درويش أوبرا الإسكندرية.
كما تهدى إدارة المهرجان هذه الدورة إلى روح كل من الموسيقار جمال سلامة، والموسيقار عبده داغر.
