لمناسبة انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة حول التبدل المناخى فى جلاسكو أصدرت مكتبة النشر الفاتيكانية كتابا إلكترونيا ebook بعنوان «كن مسبحًا، تحالف من أجل الاعتناء ببيتنا المشترك»، ويتضمن توطئة بقلم البابا فرنسيس يسطر فيها ضرورة تغيير نماذج النمو المتبعة حاليا تلبيةً لصرخة الأرض والفقراء.
يمكن تحميل الكتاب الإلكترونى مجانا من على الموقع الخاص بدائرة التنمية البشرية المتكاملة بدءا من الثانى عشر من نوفمبر، وهو عبارة عن سلسلة من التأملات حول الرسالة العامة «كن مسبحًا» وضعها ناشطون بيئيون وسفراء وشخصيات كنسية تنتمى إلى مختلف المذاهب. ويتضمن الكتاب أيضا تعليقًا لأمين عام الأمم المتحدة أنتونيو غيتيريس. ويمكن أيضا الحصول على النسخة الورقية من خلال الموقع الخاص بمكتبة النشر الفاتيكانية.
كتب البابا فرنسيس أن هذه التأملات هى عبارة عن خلاصة ملائمة للسنة الخاصة بـ«كن مسبحا» والتى احتُفل بها من الرابع والعشرين من مايو ٢٠٢٠ وحتى الرابع والعشرين من مايو ٢٠٢١. ويتحدث البابا فى المقدمة عن صرخة الفقراء وصرخة الأرض، الناتجتين عن فشلنا فى الاعتناء بالبيت المشترك، وقد زادت من تفاقم الأزمة جائحة كوفيد ١٩. مع ذلك رأى البابا فى هذه الأزمات المترابطة فرصة للإقرار بأخطاء الماضى والتعلّم منها، لافتا إلى أن الأزمة الحالية تحملنا على التفكير فى الإسهام الذى يمكن أن يقدمه كل واحد منا لصالح البيئة.
وأضاف البابا أنه آن الأوان أن نغيّر مسارنا، من أجل تغيير العادات السيئة والعمل معًا على بناء مستقبل أكثر عدلا ومساواة. وشدد على أهمية تطوير أشكال جديدة من التضامن الكوني، ترتكز إلى الأخوة والمحبة والتفاهم المتبادل: تضامنٌ يثمن الإنسان أكثر من الربح المادي، ويبحث عن سبل جديدة للنظر إلى النمو والتطور. وختم البابا توطئته لكتاب «كن مسبحًا» معربا عن أمله وصلاته على نيتنا جميعًا كى لا نخرج من هذه الأزمة كما كنا فى الماضي، مؤكدا أنه حان الوقت كى نعمل معا.
أما الأمين العام للأمم المتحدة أنتونيو غيتيريس فكتب من جانبه أن تحقيق السلام مع الطبيعة يجب أن يكون من أولويات القرن الحادى والعشرين، معتبرا أن الخروج من الجائحة يقدم لنا إمكانية تخطى الأزمة البيئية. وتحدث عن وجود العالم اليوم أمام اختبار سياسى تاريخي، وأمام اختبار خلقى أيضا. وسلط الضوء على أهداف لا بد أن تعمل البشرية من أجلها، ومن بينها تصفير الغازات الدفيئة مع حلول العام ٢٠٥٠، مساعدة من يواجهون النتائج الرهيبة للتبدل المناخي، وتجاوب المنظومة المالية العالمية مع التزامات اتفاق باريس ومع أهداف التنمية المستدامة.
عن رسالة الحبر الأعظم البابا فرنسيس «كن مسبحا «صرح الأب رفيق جريش المتحدث الإعلامى باسم مجلس كنائس مصر للبوابة نيوز وقال: رسالة معنونة «كن مسبحا»، والعنوان مقتبس من نشيد المخلوقات للقديس فرنسيس الأسيزى «كن مسبحا يا سيدى إن الأرض بيتنا المشترك هى كأخت نتشارك معها الوجود وكأم جميلة تضمنا بين ذراعيها».
تقع الرسالة فى 125 صفحة على ستة فصول، وهذه الرسالة كانت تحضيرًا لمؤتمر القمة الدولى، الذى انعقد فى فرنسا من قبل حول الحفاظ على البيئة، والتى أصبحت الكنيسة الكاثوليكية فى الثلاثين عاما الأخيرة، تهتم به وبلورت ما يسمى الآن «لاهوت البيئة».
يذكرنا البابا أن الإنسان «تراب» «تك 2/7» وجسدنا ذاته مكون من عناصر الأرض، وهواؤها هو الذى نتنسمه، وماؤها هو الذى ينعشنا ويجددنا.
ويدعونا قداسته «لتوبة بيئية، والاهتمام بالبيت المشترك ويقول راجيا، الكائن البشرى ما زال قادرا على التدخل بشكل إيجابى».
وينطلق قداسته من فكرتين أساسيتين، الأولى: أنه لا يمكن للإنسان أن يدافع عن الطبيعة وفى نفس الوقت يخربها فيبرر الإجهاض أو يسيء معاملة أى مخلوق آخر.
والثانية: الاستثمار فى التربية للحفاظ على البيئة فهى عطية الله وتكفى التصرفات الصغيرة كفصل النفايات وعدم إهدار المياه والأكل وإطفاء الأضواء.
يلح البابا على أهمية إصغائنا إلى صرخة الخليقة، فالتغيرات المناخية مشكلة عالمية ذات أبعاد بيئية واجتماعية واقتصادية وتوزيعية وسياسية، ويناشد المسئولين ألا يحجبوا هذه المشكلات، كما يؤكد على أن الحصول على مياه نظيفة حق جوهرى للإنسان، وكذلك الحفاظ على النبات والحيوانات من الانقراض.
يذكرنا البابا بنصوص الخلق فى الكتاب المقدس، والذى يعطينا تعاليم عميقة حول الوجود البشرى وواقعه التاريخى، والذى يقوم على ثلاثة أبعاد، علاقة الإنسان بالله، علاقته مع الآخر، وعلاقته مع الأرض.
ويحذر قداسته من أن يسود منطق السوق الذى لا يضمن النمو البشرى الكامل ولا التماسك الاجتماعي، فمنطق الحياة الاستهلاكية «استعمل وارم» «قد ينسحب على تعامل الإنسان مع أخيه الإنسان وأيضا الطبيعة كمجرد سلعة ونجد نفس المنطق فى استغلال الأطفال وهجر المسنين والإتجار بالبشر وشرور أخرى كثيرة».
كما يدعو البابا إلى عدالة توزيع خيرات الأرض، فلا يجوز أن يستحوذ عدد قليل من الأشخاص على الجزء الأكبر من الأرض المنتجة، فعلينا أن نفكر فى المنتجين الصغار وعمال الأرياف.
وفى إرشادات عملية، يدعو قداسة البابا فرنسيس للحوار العلمى والاجتماعى الشامل والمسئول، وأن يكون ثمار هذا الحوار عملا مشتركا ووضع سياسة دولية مشتركة، للخروج من دراما التدمير كما يدعونا «لتوبة فيما نخربه فى البيئة» حتى كل شخص يتحمل مسئوليته الضميرية حول حفاظه عليها، كما يشجع بأن تكون التربية حول الحفاظ على البيئة فى التعليم الدينى والمدارس والعائلات، ويطالب بأن نضغط مع حركات حقوق المستهلك على أصحاب السلطة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وعلى الشركات، لإجبارها على تقييم التأثيرات البيئية.
ويحثنا قداسة البابا فى ختام رسالته، بأن الاهتمام بالطبيعة لا ينفصل عن اهتمامنا بالفقراء والالتزام فى المجتمع وتحقيق السلام الداخلى.
اللطيف، أن بعض السياسيين هاجموا البابا قائلين «ليهتم البابا بالعلوم الدينية ولا عليه أن يتدخل بالأمور العلمية»، فأجابهم بأنه قبل الكهنوت «كان مهندسا كيميائيا وحامل الماجستير فى الكيمياء من ألمانيا. فالكنيسة لا تتدخل فيما هو فى غير اختصاصها لكن من واجبها أن تنبهنا « أخلاقيا» فيما هى واجباتنا تجاه بيئتنا وبيتنا المشترك».