رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

المطران كابوتشي في ذكرى تحريره.. مسيرة نضالية في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي.. نفي إلى روما وشيعت جنازته منذ سنوات في لبنان.. «حارس القدس» مسلسل درامي يخلد ذكراه بطولة رشيد عساف

المطران كابوتشى
المطران كابوتشى
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

هيلاريون كابوتشى أو كبوجى «2 مارس 1922 - 1 يناير 2017م» ولد فى حلب، أصبح مطرانًا لكنيسة الروم الكاثوليك فى القدس عام 1965. عُرف بمواقفه الوطنية المعارضة للاحتلال الإسرائيلى فى فلسطين، وعمل سرًا على دعم المقاومة. اعتقلته سلطات الاحتلال فى 1974 أثناء محاولته تهريب أسلحة للمقاومة، وحكمت عليه محكمة عسكرية بالسجن 12 عامًا. أفرج عنه بعد 4 سنوات بوساطة من الفاتيكان، وأبعد عن فلسطين فى نوفمبر 1978، وقد أمضى حياته بعد ذلك فى المنفى فى روما حتى وفاته.
تحل علينا ذكرى تحريرة من سجون الاحتلال يا رجل الله المقاوم، البطل الذى لم يكتف بالصلاة بل وتمنطق بلاهوت التحرير، وأعطى للأرض قدر ما أعطى للسماء، واستبق الملكوت على الأرض. ومن منفى إلى منفى، حيث شيعت جنازته منذ سنوات بالعاصمة اللبنانية بيروت، أقرب المدن إلى حلب والقدس، فيا أبانا الذى فى السماء الآن ليتقدس وطنك، ولتتحرر قدسك، وأنت الآن فى القدس السماوية وأمام عرش الله، اذكرنا وصل من أجل سلام حلب وفلسطين ومصر، كثيرون لا يعرفون المطران المقاتل، كانت المرة الأولى التى ألتقى به عام 1980 بالعاصمة اليونانية أثينا ركعت أمامه، فيما يعرف عندنا كأقباط «بالمطانية»، مد يده وأقامنى قائلًا: «لا تركع إلا لله والوطن»، ومد إلىَّ صليبه، بللت صليبه بدموعى وقبلت جبينه. على جبينه خريطة فلسطين تطل من بين إكليل شوك المسيح المصلوب بالقدس ودموع أبناء غزة وحى الجراح تنزل مع المريمات من تحت صليب لا يبتعد كثيرا عن الأقصى، ومن بين عينيه لمحت بريق نور القيامة القادمة تأتى ذكراك والقدس يبكى غزة، وكأننا نطوى صفحة من صفحات شتات رمز من رموز المقاومة الفلسطينية، المطران هيلار كابوتجى، فى غربته بروما بعد أن قضى سنوات فى سجون الاحتلال الصهيونى بتهمة انتمائه إلى المقاومة الفلسطينية وتهريب أسلحة.. ويقول نيافة المطران: «إنى لم أزل أعتبر نفسى مطرانًا للقدس، والمطران ليس سيدًا، المطران هو خادم، المطران هو أب، والوالد عندما يرى ابنه معذبًا يهب لنجدته أيًا كان الثمن مضحيًا بالغالى والنفيس لمساعدته، والمطران هو أيضًا الراعى، والراعى عندما يرى الذئب مقبلًا يضحى بحياته دفاعًا عن قطيعه، قطيعى أنا منذ سنة 1965م يوم دخولى إلى القدس، قطيعى هو الشعب الفلسطينى، شعب رأيته بأم العين تحت الاحتلال، شعب مضطهد مغلوب على أمره، حقوقه مهضومة، كرامته مداسة، فكيف تريدنى أن أعتبر نفسى أبًا لهذا الشعب، راعيًا له، أن أبقى مكتوف اليدين، ضميرى ووجدانى فرضا علىَّ أن أهب لمساعدة هذا الشعب، ولقاء مساعدتى ودفاعى عن حقوقه ألقى القبض علىَّ، وحكم علىَّ بـ12 سنة سجن، خرجت بعد أربع سنين بناء على تدخل الفاتيكان بشخص قداسة البابا -رحمة الله عليه- بولس السادس، تدخل البابا لأنى آنذاك كنت مضربًا عن الطعام، وقد مضى على إضرابى عن الطعام سبعة وثلاثين يومًا، نزلت خلاله 35 كيلو، وبالتالى كانت حياتى فى خطر، فتدخل البابا لإنقاذ حياتى، بعد أخذ ورد طويلين بين الفاتيكان وإسرائيل قبلت إسرائيل بإطلاق سراحى بشرط أن أخرج دون أن أعود، خرجت فى 8 نوفمبر 1978م، ولم أزل حتى هذه الساعة أنتظر عودتى إلى وطنى إلى قدسى إلى شعبى، أنتظر نهاية غربتى، المثل العربى بيقول «الغربة كربة، والهم فيها حتى الركبة» وكتير أحيانًا أنا بأقول: مش حتى الركبة بأقول حتى الرقبة، لأنه عندما ينمو إلينا وفاة إنسان ما الذى تقوله؟ فلان فارق الحياة، فما الموت إذن إلا فراق ما هو عزيز: عائلة، أولاد، أصدقاء، أملاك، مال وإلى آخره، فهل أعز للأسقف مثلى من إبارشيته، من شعبه، من أرضه؟ هذا الفراق القسرى المفروض على هو الموت المعنوى.. يموت الإنسان مرة فقط جسديًا، ويموت مائة مرة فى النهار معنويًا، لأنى أنا جسم فقط بعيد عن فلسطين وأبنائى، إنما بقلبى، بضميرى، بروحى، بصلاتى، أنا دائمًا هناك معهم وبينهم، إذن أعيش من ذكرياتى والذكريات تولد الحنين، والحنين كذلك مبعث للعذاب. وقد ولد كابوتشى فى مدينة حلب بسوريا عام1922، وأصبح مطرانًا لكنيسة الروم الكاثوليك فى القدس عام 1965. عُرف بمواقفه الوطنية المعارضة للاحتلال الإسرائيلى فى فلسطين. 
اسمه الأصلى «جورج» وكلمة «كبوجى»، وهى كنيته، تعنى «البواب» أو «الحارس» بالسريانية، وقد اختار اسم هيلاريون تيمنًا براهب ولد فى غزة فى سنة 291 ميلادية، ونقل طريقة العزلة فى الصحارى من المصريين إلى البلاد السورية، وكان والد المطران كبوجى «بشير» يعمل تاجرًا للسيارات فى حلب وقد توفى باكرا، أما والدته فتدعى شفيقة رباط، وهى قريبة الدستورى الكبير ونائب حلب عن حزب الكتلة الوطنية، إدمون ربّاط.
درس كبوجى فى مدارس حلب حتى المرحلة الثانوية، ثم انتقل فى سنة 1933 إلى دير الشير فى لبنان، وتابع دروسه فيه حتى سنة 1944 عندما غادر إلى دير القديسة آن فى القدس لإكمال دروسه اللاهوتية. وقد سيم كاهنًا فى سنة 1947، وعين مديرًا لمدرسة النهضة الوطنية القريبة من بلدة سوق الغرب فى جبل لبنان، ثم عين مساعدًا للبطريرك مكسيموس صايغ ومسئولًا عن إبارشيات دمشق وجوارها. وفى سنة 1962 أصبح رئيسًا عامًا للرهبانية الباسيلية الشويرية. ثم فى سنة 1963 اختير رئيسًا عامًا للرهبانية الحلبية، ورقى فى 6 نوفمبر 1965 إلى رتبة المطرانية، وعين نائبًا بطريركيًا فى القدس لطائفة الروم الكاثوليك. وفى القدس ظهرت نوازعه القومية بوضوح وجلاء، فكان الوحيد من بين رجال الدين الذى رفض حضور الاحتفالات والاستقبالات الرسمية التى تنظمها السلطات الإسرائيلية. وفى يوم وفاة جمال عبدالناصر فى 28 سبتمبر 1970 توجه إلى جميع الأساقفة فى القدس طالبًا منهم رفع الأعلام السود فوق مقارهم، وقرع الأجراس فى أثناء جنازته.
فى أعقاب تلك المواقف أصبح جهاز الأمن العام «الشاباك» يراقب كابوتشى ويتتبع تحركاته، واتضح بفضل إجراءات التتبع هذه يوم 8 أغسطس 1974 أن سيارته المحمَّلة بالمتفجرات تسير فى باتجاه القدس وأن كابوتشى نفسه ومساعده يستقلانها. 
وهكذا تم، نُقلت السيارة ومَن فيها إلى مركز الشرطة فى حاكورة الموسكوبية القدس حيث تم فى ورشة السيارات تفكيكها وتفتيشها مما أدى إلى اكتشاف أسلحة كثيرة ومنها 4 رشاشات كلاشينكوف ومسدسان وعدة طرود تحتوى على متفجرات بلاستيكية وصواعق كهربائية وقنابل يدوية وما إلى ذلك
وعند التحقيق معه صمت المطران.. غير أن مغلفًا عُثر عليه لدى تفتيش أمتعته كتب عليه بخطّه رقم المسئول الفتحاوى أبوفراس فى لبنان، وبالتالى اعترف كابوتشى بعضويته فى المقاومة عبر حركة فتح بأنه تلقى فى أبريل 1974 من الأخ أبو فراس حقيبتين ونقلهما بسيارته إلى الضفة الغربية حيث أخفاهما داخل مدرسة الكنيسة اليونانية الكاثوليكية فى بيت حنينا. وروى كابوتشى أيضًا فى فخر وتحد، أنه طُلب منه فى شهر يوليو من العام نفسه نقل وسائل قتالية أخرى تم إخفاؤها فى أماكن مختلفة داخل سيارته.
هذه هى السيرة النضالية للمطران والتى فى شهر رمضان سنة 2020، تم عرض مسلسل درامى يحكى سيرته بعنوان «حارس القدس» وقام بدوره الفنان رشيد عساف، وهو من إنتاج المؤسسة العامة للإنتاج فى سوريا ومن إخراج باسل الخطيب وحينذاك لم يكن تم تديين المقاومة، ولم يكن يتحدث أحد عن ديانة المناضلين العظام وهل ياسر عرفات مسلم ؟ وهل الحكيم جورج حبش أو نايف حواتمة مسيحيين ؟ بل كانت القدس مدينة الله وفلسطين مهد السلام والحب والحزن والثورة. آه يا أبى الراحل فى ذكراك،أطلب منك أن تحمل تحياتى إلى معين بسيسو ومحمود درويش وغسان كنفانى، وياسر عرفات وجورج حبش وأبو على مصطفى وفيصل الحسينى، وأن نرنم سويًا من أجل تحرير كل الأسرى من سجون الاحتلال الصهيونى.