رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

من البابا كيرلس الرابع وحتي البابا تواضروس.. 137 عامًا من الإصلاح.. أدوار وطنية ومسيرة ممتدة من التحديث والبناء ومواجهة التحديات

البابا تواضروس الثاني
البابا تواضروس الثاني
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

منذ الاصلاح البروتستانتي في القرن السادس عشر تأخر الإصلاح في الكنيسة القبطية الأرثوزكسية نحو مائتي عام وذلك لأن تلك الكنيسة العريقة انقطعت عن التواصل مع كنائس الغرب منذ قطيعة مجمع خلقودونيا 451 الذي اختلفت فيه الكنائس على طبيعة المسيح وأيضا تعرض تلك الكنيسة إلى اضطهادات مستمرة لم تتوقف.
ولذلك اهتمت بتثبيت الإيمان والتعليم، حتى على بحور الدماء التي راح فيها نصف الأقباط المسيحيين الذين كانوا يشكلون حينذاك أغلبية سكان مصر، إلا أن تلك الكنيسة العتيدة في تلك الظروف أسست الرهبنة التي أثرت في العالم أجمع، وقدمت البابا أثناسيوس حامي الإيمان، ورغم ذلك عاشت الكنيسة الأرثوزكسية حالة من المحافظة فيما يشبة الإعجاز.

كيرلس الرابع أبو الإصلاح 
كيرلس الرابع أبو الإصلاح، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية الـ110؛ ولد في الصوامعة، في 1816 مركز أخميم سوهاج ورحل 1861، من أبناء دير: دير أنبا أنطونيوس، وكان اسمه القس داود الصومعي، مدة الإقامة على الكرسي: 6 سنوات و7 أشهر و13 يومًا، عاصر كل من الملوك المعاصرون: عباس الأول- سعيد باشا.
سُمي أبو الإصلاح، لأنه أنشأ المدرسة القبطية الكبرى بالبطريركية، وفتح مدرسة أخرى في حارة السقايين، اشترى مطبعة كبيرة طبع فيها جملة كتب كنسية، وعندما توفي البابا بطرس الجاولي في 15 أبريل سنة 1852م. وهو ما جعله أهلا لأن يقام بطريركًا، فتمت رسامته في (1854 م).
وقد أفرغ قصارى جهده في سبيل تهذيب الشبان وتعليمهم. فقد أنشأ المدرسة القبطية الكبرى بالبطريركية، وفتح مدرسة أخرى في حارة السقايين وشدد على التعليم وكان صاحب تأسيس اول مدرسة بنات في مصر، كما اشتري مطبعة كبيرة طبع فيها عدة كتب كنسية، في وقت لم يكن في مصر غير المطبعة الأميرية 1820 والتي كانت تطبع فقط الأوامر الملكية.
وكانت هناك تيارات ترفض طبع الكتب الدينية في المطابع لأنه "حرام"، مما استدعي من كيرلس الرابع التقدم لاستقبال المطبعة من ميناء الإسكندرية وسط صلاة وألحان.

كيرلس الخامس.. الإصلاح الوطني
وتمضي مسيرة الإصلاح من كيرلس الرابع إلى كيرلس الخامس "1830 /1927" ويعد أبوالإصلاح الوطني والذي تسبب في نفية من الإنجليز للدير.
ولد البابا كيرلس الخامس البطريرك الـ112 من باباوات الكرازة في بلدة تزمنت محافظة بني سويف سنة 1830م.
وفى عهده قامت الحرب العالمية الأولى، وأنشئت عصبة الأمم سنة 1919 م، ثم أنشئت محكمة العدل الدولية ومقرها مدينة لاهاي في هولندا سنة 1921، تمت رسامته بابا يوم أول نوفمبر 1874 م.
وكان له الفضل في إنشاء أول مجلس لمشاركة العلمانيين باسم المجلس الملي، وحينما دب الخلاف بينه وبين بطرس غالي الكبير رئيس الوزراء الأسبق وصاحب مشكلة مذبحة دنشواي، فقام بطرس غالي بكتابة شكوى للاستعمار البريطاني على أنه معاد للإنجليز وصديق عرابي، وكان وطنيًا كبيرًا بارًا بوطنه جاء عنه أنه في سنة 1892، زاره ثلاثة أساقفة بريطانين وطلبوا منه أن يوافق على ضم الكنيسة الإنجليزية إلى الكنيسة المصرية تحت رئاسته فرفض.
ولما كرروا عليه الطلب عدة مرات وأصر على الرفض توجهوا إلى العميد البريطاني فاستدعى واحدًا من كبار الأقباط وقال له اذهب إلى البطريرك وقل له"لماذا ترفض عرضًا ثمينًا كهذا فيه نجاح الكنيسة القبطية وتقدمها وعظمتها".
ولكن البابا بحسه الوطني رأى في ذلك توطيد الاستعمار على حساب الكنيسة القبطية المصرية العريقة في وطنيتها فلم يهب العميد البريطاني الحاكم بأمره في ذلك الوقت ورفض طلبه بإصرار وعند نياحة البابا نشرت " مجلة المصور"، على غلاف الصفحة الأولى من عددها رقم 148 الصادر يوم الجمعة 12 أغسطس 1927 صورة كبيرة له.
وكتبت تحت الصورة ما يلي: "وافت المنية في صباح يوم الأحد الماضي عظيمًا من عظماء مصر ورئيسًا دينيًا كبيرًا لعب في حياته دورًا مهمًا في تاريخ هذه البلاد وهو مثلث الرحمات الأنبا كيرلس الخامس بطريرك الأقباط الأرثوذكس"، وبعد أن ذكرت المجلة موجز تاريخه قالت: "ويعود إليه رحمه الله الفضل في اتحاد العنصرين اللذين تتآلف منهما الأمة المصرية فقد وقف أثناء الحركة الوطنية موقفًا أطلق الألسنة بالمديح والثناء. وكان صاحب الدولة الزعيم الجليل سعد زغلول باشا يجله ويحترمه والبلاد تنظر إليه نظرها إلى زعيم من زعمائها الدينيين والسياسيين".
وفي عهد البابا كيرلس الخامس تبني تشجيع إنشاء المدارس والجمعيات الخيرية، كما قام بإنشاء المتحف القبطى الذى يحوى الآثار المسيحية في مصر.. عام 1910 ليملأ فجوة في سجلات الفن المصري ويساعد على دراسة تاريخ مصر في فترة مهمة.
وقد اهتم بالتعليم ودعم الكلية الإكليريكية التى أعاد افتتاحها عام 1893 م، وقام بإسناد رئاستها إلى المعلم الجليل الإرشيدياكون حبيب جرجس (1876م- 1951 م)، ومن تلاميذه جاء أباء الكنيسة المعاصرين وعلى رأسهم قداسة البابا شنودة الثالث، وقد قضى على الكرسي البابوي 52 سنة و9 شهور و6 أيام، وهي أطول مده قضاها بابا على الكرسي.
وتوفي في صباح يوم الأحد 7 أغسطس 1927 بعد أن عاش 96 عاما خدم فيها في الكهنوت ما يزيد على 75 عامًا، وقد عاصر ستة من حكام مصر أولهم الخديو إسماعيل وآخرهم الملك فؤاد الأول.

كيرلس السادس.. "مينا الباراموسي"
وتستمر مسيرة الإصلاح إلى البابا كيرلس السادس " 1902/ 1971 "وترهبن بدير البرموس بوادي النطرون عام 1927، وأصبح يُعرف بـ"مينا الباراموسي، تدرج "مينا الباراموسي" في المناصب الكنسية، حتى أصبح "كيرلس السادس" البابا رقم 116 كخليفة لمار مرقس الرسول مؤسس الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، في مايو 1959.
وقد تميّز عهد البابا كيرلس السادس بالإصلاح لدور الكنيسة القبطية سواء في مصر أو خارجها، فدُعمت في عهده صلة الكنيسة المصرية بالكنيسة في إثيوبيا علي غرار البابا كيرلس الرابع، ومشاركة الكنيسة في فعاليات الكنائس في أفريقيا والعالم، جمعت البابا كيرلس والرئيس عبد الناصر علاقة متميزة.
وتجلت في موافقة عبد الناصر على مساهمة الدولة بنصف مليون جنيه في بناء الكاتدرائية المرقسية بالعباسية، وتبرع أولاد عبد الناصر بمدخراتهم لبناء الكاتدرائية المرقسية، وقال الرئيس للبابا حينها: "أنا علمت أولادى وفهمتهم إن اللى يتبرع لكنيسة زى اللى يتبرع لجامع، والأولاد لما عرفوا إنك بتبنى كاتدرائية صمموا على المساهمة فيها، وقالوا حنحوش قرشين ولما ييجى البابا كيرلس حنقدمهم له، وأرجو ألا تكسفهم وخذ منهم تبرعاتهم".
ولعب دورا وطنيا عظيما في العمل على إزالة آثار العدوان الإسرائيلي على مصر بعد 5 يونيو 1967 واستطاع ان يقنع الإمبراطور هيلاسلاسي بقطع علاقاته مع إسرائيل مما أدي إلى قطع 30 دولة أفريقية للعلاقة مع إسرائيل.
رحيل البابا شنودة واختيار تواضروس الثاني
ونصل إلى البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكنيسة القبطية الأرثوذكسية الـ118. تاريخ ومكان الميلاد: 4 نوفمبر 1952 بدمنهور، اول بابا صيدلي، حصل على بكالوريوس الصيدلة من جامعة الإسكندرية سنة 1975 بتقدير جيد جدًا مع مرتبة الشرف.
ونال درجة الأسقف في 15 يونيو 1997 (في عيد العنصرة)، كأسقف عامًا لمساعدة نيافة الحبر الجليل الأنبا باخوميوس المطران، باسم الأنبا تاوضروس أسقف عام مطرانية البحيرة، بعد رحيل قداسة البابا شنودة الثالث في 17 مارس 2012،ً وفي، يوم 4 نوفمبر 2012 تم إقامة قداس القرعة الهيكلية.
ووقع الاختيار على الأنبا تواضروس البالغ من العمر 60 عامًا؛ واستمر البابا تواضروس في مسيرة الإصلاح لملايين الأقباط في الداخل و500 كنيسة في الخارج بـ64 دولة تقريبا ويحاول أن يصنع لها نظاما إداريا حديثا، ولعل البابا تواضروس أول بابا قبطي يحاول عمل إصلاحات لاهوتية للتقارب بين الكنائس.
هكذا تمضي مسيرة الإصلاح الكنسي من كيرلس الرابع وحتي تواضروس الثاني 137 عاما رغم الاضطهادات والتحديات.