تحتفل اليوم، الكنائس حول العالم، هذه الأيام بمرور 504 أعوام على الإصلاح الدينى الذى قاده الراهب الأوغسطينى مارتن لوثر فى 31 أكتوبر 1517، بعدما علق 95 اعتراضا حول قضايا مهمة، وتحمل الكثير من المشقات والتكفير والقطع، واعتبره البعض أنه خارج عن الإيمان حتى وقت قريب، ولكن هذا الأمر نجده يتغير.
حيث يعود البابا فرنسيس ويغير من هذه النظرة تجاه لوثر لذا قررت البوابة تتطرق إلى قضية «الإصلاح الكنسى داخل الطوائف المسيحية المختلفة»، حيث قرر سنودس النيل الإنجيلى المشيخى عقد جلساته تحت مسمى سنودس النيل بدأ من غد الإثنين ١ نوفمبر، وحتى ٥ نوفمبر.
كما دعت أيضا الكنائس الكاثوليكية إلى عقد سينودسها أيضا للتعرض إلى كل تحديات ومتغيرات عصرنا، كما نجد ايضا متغيرات واصلاح لاهوتى وفكرى يقوده قداسة البابا تواضروس والمجمع المقدس هذه الأيام والى التفاصيل.
الإصلاح يواكب التطورات الحديثة
قال الدكتور القس نصرالله زكريا، مدير المكتب الإعلامي للكنيسة الإنجيلية- مصر، إنَّ الإصلاح الفاعل والحقيقي، وديمومته واستمراره، يقوم على مبدأ النقد الذاتي" وبالإنجليزيّة "Self-criticism"، ويُعرَّف النقد عمومًا، على أنَّه دراسة جادة ونظرة عميقة للأمور سواء كانت أفكار، أو معتقدات، أو سلوكيات، لمعرفة الإيجابيات التي يمكن البناء عليها وتعزيزها، والسلبيات التي يجب إصلاحها وتقويمها.
وعند دراسة حركة الإصلاح الإنجيلي، نجد أنَّ كل من لوثر وكالفن وزونجلي وغيرهم من المُصلِحين، خاضوا تجربة النقد الذاتي لأفكارهم ومعتقداتهم، من جهة، وبين الممارسات الكنسيَّة التي كانت سائدة في عصرهم، قد أدرك المصلحون أهميِّة ودور الكتاب المقدس.
كما أدركوا حقيقة التبرير بالإيمان، وسيادة المسيح، وسلطان وكهنوت جميع المؤمنين، مقابل تعليم الكنيسة عن دور الأعمال، تعظُم سلطة البابا، فساد الكهنة والكهنوت، أما على المستوى الشخصي فقد كان لكل منهم خبرته في النقد الذاتي مما أثّر في خبرته الدينيِّة والعمليِّة.
وقد جاءت دعوة لوثر لإصلاح الكنيسة عندما علَّق إطروحاته على باب كاتدرائية ويتنمبرج، نموذجًا للنقد الذاتي، للمؤسسة التي ينتمي إليها، ولأن الكنيسة وقتها لم تعي قيمة وأهمية النقد الذاتي والموضوعي الذي يسعى إليه المُصلحون، أسس المُصلحون "الكنيسة المُصلَّحة"، التي تنادي وتحيا وفقًا لمبادئ الإصلاح الإنجيلي.
إنَّ ما فعله لوثر ورفقاؤه، كان شبيهًا بما قام به المسيح، الذي أكَّد على أنَّه يمكن للإنسان أن يُقيم علاقة مباشرة مع الله، ويتمتع بغفران الله لخطاياه دون وسيط من البشر، هذا ما لم يفهمه رجال الدين اليهودي، الذين أسسوا مؤسسة دينية ضخمة تتحكم في كل كبيرة وصغيرة في حياة الإنسان.
ولأنَّه لم يكن في ذهن السيد المسيح وهو يتحدث عن الكنيسة أن تتحول الكنيسة إلى صورة طبق الأصل من المؤسسة الدينية اليهودية التي قامت بمحاكمته، طوَّر المؤمنون والرسل الأوائل نموذجًا للحياة المسيحيّة مستقلًا عن الديانة اليهودية.
وبعد نجح الإصلاح الإنجيلي في عصره، وأمام التحديات اللاهوتية التي أثارها أمام المؤسسة الدينيّة وقتها، ظهر داخل المؤسسة ما قادها، لأن تقوم بحركة إصلاح عرفت في التاريخ بـ"الإصلاح المضاد"، حيث عقدت مجمعي ترانت (1545-1547)، والفاتيكاني الثاني (1962-1965)، اللذين كانت بصماتهما الإصلاحية ذات تأثير إيجابي على الكنيسة في العالم.
إنَّ الرسول بولس علَّمنا عن أهميِّة تغير الشكل، وتجديد الذهن، لنختبر إرادة الله الصالحة الكاملة المرضية (رومية 12: 2)، إنَّ النقد والمراجعة الموضوعيّة الهادفة، البناءة الإيجابية، ضرورةٌ مُلِّحة، لاتخاذ خطوة جريئة نحو الإصلاح، كما يلزم أن يُصاحب عمليِّة النقد مزيدًا من الصدق والصراحة والشفافيِّة، والجرأة، والإقدام، تقود إلى تحمل المسئولية، وتحقق الاعتراف بالأخطاء، والقدرة على مواجهتها وتصحيحها.
ولأن الإصلاح حركة وليس تاريخًا جامدًا، فلا نهاية لإصلاح الكنيسة، بل في كل عصرٍ تحتاج الكنيسة لفحص رسالتها، ذاتها، رؤيتها في ضوء كلمة الله، من جانب، وفي ضوء المتغيرات من جانبٍ آخر، على الكنيسة الآن أن تواجه أسئلة وتحديات ما بعد الحداثة، وأن تواجه موجات الإلحاد، وأن تُجيب عن هذه الأسئلة في عقيدتها وعبادتها، ولا تنسى أنها مِلحًا للأرض ونورًا للعالم.
تواصل
من جهته؛ قال القس سهيل سعود، من سنودس سوريا ولبنان، إنه بعد 500 عام على مرور الإصلاح الإنجيلي. وبعد دراسة موضوعية لكتابات وحياة ومواقف، مطلق الإصلاح الإنجيلي، المصلح مارتن لوثر. تغيرت نظرة الكنيسة الكاثوليكية والبابوات، في العصر الحديث إليه. وقد ظهر هذا التغيّر في تصريحاتهم، منها:
صرّح البابا يوحنا بولس الثاني في العام 1983، لمناسبة ذكرى مرور 500 عام على ولادة لوثر، قائلا: "لوثر هو اللاهوتي الذي ساهم في طريقة كبيرة، في تغيير راديكالي في الواقع الكنسي والعلماني في الغرب.. إن عالمنا لا يزال يختبر تأثيره الكبير على التاريخ حتى اليوم".
وتابع البابا، "الذكرى هي مناسبة للتأمل بحقيقة مسيحية ووضوح في ذلك الحدث المحفور في التاريخ، الذي هو زمن الإصلاح.. لقد حان الوقت كيما نبعد أنفسنا، وننظر نظرة واقعية إلى الأحداث التاريخية، ونتأكد أنها تفهم بشكل أفضل وتثار بشكل أفضل".
البابا بنديكت الرابع عشر، فإنه في 23 أيلول من العام 2011، وأثناء زيارة الدير الذي صرف فيه لوثر 6 سنوات من عمره كراهب أوغسطيني، في "ايرفرت" في المانيا. صرّح البابا قائلا "مارتن لوثر هو مصلح عصره، الذي انتقد كنيسة لم تكن نموذجا يحتذى بها...مارتن لوثر طرح ويطرح تحديا روحيا ولاهوتيا لكاثوليك اليوم. فالذي شغل فكر وحياة لوثر باستمرار كان سؤاله عن الله. كيف أجد إلها منعما؟.
وهو الشغف العميق الذي ساد عليه كل حياته. هذا السؤال الذي أصابه في الصميم، يمكن وضعه في إطار بحثه اللاهوتي وصراعه الداخلي. فبالنسبة للوثر، لم يكن اللاهوت دراسة أكاديمية، وإنما هو صراع نحو الذات، والذي هو في نفس الوقت، صراع مع الله ولأجل الله".
البابا فرنسيس، وبعد مرور 499 عاما على الإصلاح الإنجيلي، فإنه في 31 تشرين الأول 2016، زار مدينة "لوند" السويدية، وشارك مع الكنائس اللوثرية في الصلاة. وصرّح قائلا، "مارتن لوثر كان غاضبا من خطايا الكنيسة في القرن السادس عشر، لانغماسها في الأمور الدنيوية".
كما قال، "بامتنان، نحن نعترف ونقدّر، بأن الإصلاح ساهم في إعطاء الكنيسة الكاثوليكية، اهتماما ومركزية أكبر للكتاب المقدس، في حياتها وحياة أعضائها ". ثم أكّد على ضرورة استمرار الأبحاث والدراسات التاريخية واللاهوتية المشتركة، بين الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة اللوثرية، التي تقود إلى فهم موضوعي لأحداث ولاهوت الإصلاح.
وقال: "علينا أن ننظر بمحبة وصدق إلى تاريخنا، ونعترف بأخطائنا ونسعى للمسامحة والغفران... نحن نتوق لأن نشفي هذا الجرح، في جسد المسيح. هذا هو الهدف من سعينا المشترك، الذي نسعى لتنميته بتجديد التزامنا في الحوار اللاهوتي". ومما لا شك فيه، أن الذكرى التاريخية، وتصريحات البابوات الحديثة، والتوبة أمام الله.
والاعترافات الصادقة المتبادلة بين الكنائس في العالم، لها نتائجها الإيجابية، على علاقات الأفراد المسيحيين والكنائس مع بعضها البعض. من المؤكد، أنه لا يمكن تغيير التاريخ الماضي، إذ لا يمكن تقديم تاريخ مختلف. لكن من الممكن في ذكرى مرور 500 عام على الإصلاح الإنجيلي، أن نغيّر حضور الماضي في الحاضر.
لهذا نحن مدعوون ككنائس مشرقية، أن نقدم في الحاضر شهادة مسيحية صادقة مشتركة، في زمن تشهد فيها الكنيسة، في مشرقنا العربي، تحديات وصعوبات جمة، حتى يؤمن العالم، أن الله أرسل السيد المسيح ليخلّص البشر، لتكون لهم حياة، ويكون لهم أفضل.