في أكتوبر من العام 1994 نشر المفكر الاجتماعي الدكتور السيد ياسين، مقالا بعنوان "اغتيال العقل" أدان فيها المحاولة الآثمة لاغتيال أديب نوبل الروائي نجيب محفوظ، شارحًا عددا من الأسباب كان من شأنها إنتاج عقليات دموية خططت لاغتيال أهم روائي مصري.
وفي تعليقه على الحادث قال "ياسين": إن سكين الإرهابي التي طعنت نجيب محفوظ لم تكن موجهة له فقط، ولكنها كانت موجهة لعقل مصر لاغتياله، باعتبار أن نجيب محفوظ هو المثل البارز للعقل المصري الأصيل المتفتح على العالم، والذي يؤمن بالعقلانية والحرية، ويكافح من أجل الدفاع عن الكرامة الإنسانية.
وأكد "ياسين" أن محاولة اغتيال العقل المصري جاءت عن طريق نشر الفكر المتطرف، واعتماد العنف الدموي وسيلة للتغيير الاجتماعي.
وقال "ياسين": إن اللبنات الأولى التي وضعها رواد النهضة في مصر لم تجد من يبني على أساسها مؤسسات راسخة، تقوم على حماية حرية الفكر من كل عدوان في مواجهة المؤسسات التقليدية التي تعيش للدفاع عن كل موروث ومتخلف وبغض النظر عن مفارقته لروح العصر.
ويشير "ياسين" إلى أن جماعات الفكر الديني المتطرف قد استفادت من جهود المؤسسات الدينية التقليدية من ناحية، ومن سلبية ممثلي التفكير النقدي من ناحية أخرى.
ولفت المفكر الاجتماعي إلى أن المؤسسات الدينية التقليدية قانعة بأداء دورها التقليدي في الوقوف سدًا منيعًا ضد الاجتهاد الفقهي الحقيقي، وهي معزولة عن الجماهير، ولا تتصل بها إلا من خلال خطاب ديني شكلي في المناسبات الدينية، أما الجماعات المتطرفة فقد استطاعت نتيجة سلسلة من القراءات المشوهة للإسلام أن تنتج نصوصًا معتمدة على النص الرئيسي لهم وهو "معالم في الطريق لسيد قطب" لكي تنشر دعوتها وتجند لها الأنصار من الأميين وأنصاف المتعلمين بل والمتعلمين الذين لم يستطع النظام التعليمي أن يدعم في عقولهم ملكات التفكير النقدي.
وأشار "ياسين" إلى عدد من العوامل الداعمة لفكر الجماعات المتطرفة، تمثلت في الأصوات التي تصف نفسها بالاعتدال بينما هي تلعب مباشرة لحساب الجماعات، لأنهم يحلمون بقلب النظام واستعادة الفردوس المفقود المتمثل في الخلافة.
ومن هذه العوامل اختراق الجامعات، التي كانت تاريخيًا معقل الفكر النقدي وممارسة التفكير الحر الإبداعي بغير قيود، لكنها لم تعد كذلك بعدما غزتها مجموعات من الأساتذة ممن يميلون إلى الاتباع ويبتعدون عن الإبداع عجزا أو انحيازا لأفكار محافظة.
ونقطة هامة يوضحها "ياسين" وهي خاصة بـ"أفراد المثقفين" الذين يكافحون التطرف بينما هم يقفون في العراء بغير سند أو مؤسسة هنا أو هناك، فمحنتهم تظهر في عدم إدراكهم الكامل لخطورة تشتتهم، وأهمية انتظامهم في مؤسسات ينشئونها هم بأنفسهم لكي يصوغوا من المشاريع الفكرية على اختلاف أنماطها، ما يمثل الدفاع ضد كل محاولات اغتيال العقل المصري بواسطة تيارات الإسلام السياسي المعادية للحداثة ولكل منجزاتها.