تشهد الكنيسة هذه الأيام تذكار الرسولين القديسين يهوذا (تداوس) وسمعان الغيور (القانوي)
وتداوس باليونانية من الأصل الآرامي تيدي وتعني القلب الشجاع واسمه العبري يهوذا، وهو أخو يعقوب الرسول (الصغير) ومن أقارب يسوع بحسب الجسد (إخوة الرب)، ويقول التقليد أنه ابن كلوبا زوج مريم قريبة السيدة العذراء، وهي أحد المريمات اللاتي كن واقفات عند صليب يسوع. هو بالطبع ليس يهوذا الإسخريوطي الذي سلَّم المسيح، وتذكره الأناجيل وسفر الأعمال أيضاً ضمن الرسل الاثني عشر.
يذكره الإنجيل شخصياً حين كان الرب يتكلم بعد العشاء الأخير، فيظهر مُتسائلاً:
قالَ له يَهوذا، غَيرُ الإِسخَريوطيّ: يا ربّ، ما الأَمرُ حتَّى إِنَّكَ تُظِهرُ نَفْسَكَ لَنا ولا تُظهِرُها لِلعالَم؟
أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: إِنْ أَحَبَّنِي أَحَدٌ يَحْفَظْ كَلاَمِي، وَيُحِبُّهُ أَبِي، وَإِلَيْهِ نَأْتِي، وَعِنْدَهُ نَصْنَعُ مَنْزِلاً.
(يوحنا ١٤-٢٣).
يظهر في الأيقونات حاملاً على صدره صورة يسوع المسيح نسبة لأشهر معجزات الشفاء التي حصلت على يديه لملك الرها، وفي أيقونات أخرى حاملاً لرسالته الإنجيلية التي يضمها العهد الجديد.
يقول التقليد بأنه بشّر بالإنجيل في اليهودية والسامرة وسوريا وبلاد ما بين النهرين وليبيا، كما أنه مع القديس برثلماوس كانا أول من أوصل بشارة المسيح لأرمينيا، وإن كان القديس غريغوريوس المنير قد حمل لقب رسول أرمينيا في فترة تالية لهما.
بحسب المؤرخ يوسابيوس، عاد يهوذا تداوس إلى أورشليم عام ٦٢ وشارك في انتخاب شقيقه يعقوب الصغير كأسقف لأورشليم.
تركز رسالته المُدونة في العهد الجديد على مقاومة بدع السيمونيين والنيقولاويين والغنوسيين التي كانت قد بدأت في الانتشار مبكراً في زمن الرسل.
ويذكر المؤرخ يوسيبيوس أيضاً في كتابه تاريخ الكنيسة معجزة شفاء ملك الرها بيد يهوذا تداوس:
كان ملك الرها أبجر معاصراً لزمن تجسد يسوع وقد أصيب بكامل جسده بمرض الجُزام، فأرسل إلى الرب يسوع يطلب إليه الحضور إلى الرها في رسالة يلتمس منه فيها أن يأتي ليشفيه، وأرسل الرسالة مع حنانيا وكان رسّاماً وكلّفه أن يرسم صورة للمسيح، يسوع أجابه برسالة:
مبارك أنت الذي آمنت بي، رغم أنك لم تراني، لأنه مكتوب أن الذين رأوني لم يؤمنوا بي والذين لم يروني آمنوا ونالوا الحياة.
وبخصوص ما كتبته أن آتي إليك فإنه من الأفضل أن أتمّم كل ما قد أرسلت من أجله وبعد ذلك أعود إلى أبي الذي أرسلني.
وعندما أصعد إلى أبي سأرسل لك واحداً من تلاميذي فهو يشفيك ويمنحك ومن معك الحياة والسلام.
وكان التلميذ الذي وعد المخلص بإرساله هو تدّاوس الذي بشّر بالإنجيل في الرها وشفى الملك وعمّده مع جموع من الشعب.
وصل القديس يهوذا تداوس في بشارته إلى بلاد فارس حيث استشهد بقطع رأسه مع القديس سمعان الغيور حوالي عام ٦٥ م.
ورفاتهما محفوظة في سرداب ببازليك القديس بطرس بروما تحت أحد المذابح الرئيسية المكرسة للقديس يوسف البار.
تعيد لهما الكنيسة الكاثوليكية يوم ٢٨ أكتوبر و٢٩ وتعتبر الكنيسة القديس يهوذا تداوس شفيع الأمور الميئوس منها.
أما الرسول سمعان الغيور فذُكِرَ في عدة مواضع من الإنجيل ضمن التلاميذ المختارين ويقول أحد التقاليد أنه هو عريس عُرس قانا الجليل.
اشتهر بلقب الغيور والقانوي نسبة لقاناي وهي اسم حركة يهودية قومية ظهرت في القرن الأول الميلادي وسمي أتباعها بالغيورين على الشريعة والهوية اليهودية.
انتسب سمعان لهذه الحركة قبل أن يعرف يسوع المسيح، لكنه عندما تعرف إليه، تغيَّرت طباعه المتطرفة ومال إلى السلام والمحبة يتبع مشيئة الله فقط ويبشر بملكوته، إلا أنه ظل يُدعىَ بلقب الغيور كنوع من التمييز له عن سمعان بطرس.
بحسب التقليد فإن سمعان الغيور بشر في مصر لفترة قصيرة، ومن بعدها في لبنان وأرمينيا، ثم اتجه بصحبة يهوذا تداوس الرسول إلى بلاد فارس واستشهدا معاً فيها، ويُذكَر أن سمعان الغيور استشهد عام ٦٥ بتقطيع جسده بمنشار ضخم وحاد، وهي أحد الميتات الشديدة العذاب والبشاعة.