عاد تنظيم داعش للظهور من جديد، بعدد من مناطق العالم، لا سيما في أفغانستان، والعراق، الذي نفذت فيهما عناصره هجمات مروعة أدت لسقوط عشرات الضحايا، فما هي سيناريوهات تحرك التنظيم في هذين البلدين، وأساليب المواجهة المحتملة؟
على الرغم من انهيار تنظيم داعش الإرهابي في معظم أنحاء العراق، فإنه مازال قادرا على ارتكاب جرائم إرهابية، تؤدي إلى سقوط قتلى وجرحى بالعشرات، ما بين حين وآخر، لا سيما بمحافظة ديالي، الواقعة شرق البلاد.
وتعد محافظة ديالي، الواقعة في شمال شرق العراق، قرب الحدود الإيرانية، ومدينتها الرئيسة بعقوبة، وغالبية سكانها من السنة، هدفا للتنظيم الإرهابي، باعتبارها كانت مقرا رئيسا لعناصره في فترة سيطرته على أجزاء واسعة من العراق، حيث استطاع أن يحتل بلدتي السعيدية وجلولاء في المحافظة، خلال عام 2014، مما سمح بأن يكون له جيوب نشطة بالمحافظة حتى الآن.
جيوب نشطة
التنظيم شن عددا كبيرا من الهجمات على مدينة ديالي، مستخدما جيوبه النشطة الموجودة بالمحافظة حتى الآن، ففي الأسبوع الأخير من شهر سبتمبر الماضي، أعلن الأمن العراقي مقتل وإصابة 7 من المدنيين، ورجال الشرطة في هجوم بعبوة ناسفة استهدف مدينة بعقوبة، حيث انفجرت بقرية الحد الأخضر في ضواحي ناحية العبارة شمال شرق المدينة، أعقبها هجوم بأسلحة القنص استهدف تجمعا قرب مكان الانفجار.
وفي يوم الثلاثاء الماضي، عاود التنظيم الإرهابي هجومه على محافظة، وتحديدا في قرية الرشاد، بإطلاق الرصاص الكثيف عشوائيا على المنازل، مما تسبب في مصرع 13 مدنيا، وإصابة 15 آخرين بجروح.
ويرى هشام النجار الباحث في شؤون الجماعات المتطرفة، أن وجود جيوب نشطة لتنظيم داعش الإرهابي في ديالي، هو الذي يمكنه من استهداف هذه المحافظة المتاخمة للحدود الإيرانية.
وأوضح أن الهجوم المتكرر على المحافظة، يشير إلى أن الأمن العراقي مازال يواجه تحديا كبيرا في شمال شرقي البلاد، لغلق الثغرات الأمنية.
وأضاف: "على الرغم من أن العراق أعلن القضاء على تنظيم داعش قبل أربعة أعوام، فإن عمليات التنظيم لم تتوقف في ديالي على وجه الخصوص.
ولفت النجار إلى وجود عدد من الملحوظات، التي يجب الانتباه إليها من قبل السلطات العراقية، أهمها الأعداد المتزايدة للتنظيم في شمال شرقي العراق، وخاصة محافظة ديالي، الأمر الذي قد يشير إلى تحرك لعناصر التنظيم المنتشرة في أماكن انهياره داخل وخارج العراق، إلى ديالي، الأمر الذي ينذر بمعركة جديدة للتنظيم على الأراضي العراقية.
إثارة للفتنة
ويقول الدكتور عبد الحكيم الطحاوي، العميد السابق لمعهد البحوث والدراسات الآسيوية، إن تركيز تنظيم داعش على محافظة ديالي، يهدف لإثارة الفتنة بين السنة والشيعة، على أمل أن يؤدي ذلك لإشعال الأوضاع على الحدود بين العراق وإيران، مما يؤدي لنشر الفوضى التي لا يجد التنظيم فرصة للحياة إلا بوجودها.
وأضاف الطحاوي: "لا يجب النظر إلى الموقف على أن الاستهداف لديالي وحدها، وإنما هو استهداف لمنطقة شمال شرقي العراق بالكامل، باعتبارها بؤرة ساخنة تضم سنة وشيعة، ما يسمح بانهيار الأوضاع الأمنية بسهولة أكبر.
ولفت إلى أن التنظيم حقق جانبا من أهدافه بالفعل، وهو ما تجسد في خروج بعض العشائر الشيعية لتنفيذ عمليات انتقامية ضد قرى سنية كاملة، في عقوبة، ردا على هجوم داعش الذي وقع الثلاثاء الماضي.
بؤرة حساسة
من جهته وصف الدكتور رفيق الدياسطي، أستاذ الجغرافيا السياسية، المنطقة التي يستهدفها تنظيم داعش، بأنها بؤرة حساسة، متوقعا أن تشهد المزيد من العمليات الداعشية.
وأوضح أن التنظيم سينفذ المزيد من العمليات استغلالا لتدفق أعداد كبيرة من أتباعه على تلك المنطقة، بالإضافة إلى رغبته في كسب الرافضين لما يجري في أفغانستان، بعد التنازلات التي قدمتها حركة طالبان، مقابل الوصول إلى السلطة.
وقال إن داعش يتعمد تكثيف وجوده في شمال شرقي العراق، التي تعاني على ما هو واضح من فراغ أمني، مضيفا: "التنظيم سيعمل على إثارة ضجة واسعة قدر الإمكان، ليقدم نفسه بديلا لطالبان، مستفيدا من ميزة أنه مازال في منطقة الشرق الأوسط، حلم التنظيم الأساسي".
ولفت إلى أن البيئة الجبلية الموجود في تلك المنطقة، تساعد التنظيم على تحقيق أهدافه، وهي السبب الأساس في وجود فراغ أمني بها، لا سيما إذا أضيف إليها الأماكن الأخرى التي يختفي فيها التنظيم، مثل: كركوك، ونينوى.
استراتيجية جديدة
في غضون ذلك يرى الدكتور محمد عثمان عبد الجليل، أستاذ التاريخ بمعهد الدراسات الآسيوية، أن تنظيم داعش يسعى لتدشين استراتيجية جديدة، لوجوده في العراق.
وأوضح أن هذه الاستراتيجية، تعتمد على تقسيم مناطق النفوذ، وتصغير مساحتها، بحيث يمكن لعناصره في ظل تراجع أعدادهم، أن يحكموا قبضتهم على تلك المساحات الضيقة، وأيضا فإن التنظيم يريد الظهور في عدد من الأماكن للإي
للإيحاء بسيطرته على مناطق متعددة، وتشتيت أية قوة تحاول مواجهة التنظيم، وتوسيع نطاق الاشتباك معها.
وأشار عبد الجليل إلى أن داعش يعتمد على المقاتلين القادمين من جميع الجهات التي لقي هزائم فيها، وهم بالمئات، لذا فإن استراتيجيته الجديدة تنفيذ خطط محكمة لهجماته، بغرض إحداث أكبر تأثير بأقل عدد من الإرهابيين، وبشكل يسمح لهم بسرعة الانسحاب، دون تكبد المزيد من الخسائر البشرية، لافتا إلى أن أسلوب التنظيم أصبح يستهدف إثبات وجوده بالظهور المركز، وأيضا تشتيت القوات الأمنية.
تاريخ دموي
وعلى الرغم من أن الأمن العراقي أعلن في يناير من العام 2015، طرد تنظيم داعش الإرهابي، من ديالي، فإن الأحداث التالية، تثبت أن التنظيم له خلايا مازالت موجودة داخل المحافظة،
قائد عمليات دجلة، قال في الـ26 من يناير 2015، إن القوات العراقية دحرت مسلحي داعش من المناطق التي كانوا يسيطرون بمحافظة ديالى، بعد معارك أدت إلى سقوط عشرات القتلى في صفوف التنظيم
وأعلن الفريق الركن عبد الأمير الزيدي، آنذاك، تحرير محافظة ديالى من تنظيم داعش، رسميا، بعد معارك شاركت فيها قوات الجيش العراقي، وقوات الحشد الشعبي، وأبناء العشائر، وانتهت وأسفرت عن مصرع ما لا يقل عن خمسين إرهابيا.
وأكد الزيدي وقتها أن القوات العراقية فرضت سيطرتها على جميع مدن ديالى، بعد 3 أيام فقط من الهجوم العسكري على معاقل التنظيم، مشيرا إلى مطاردة فلول التنظيم في باقي المناطق الخاضعة لسيطرتهم في مدينة الرمادي بمحافظة الأنبار.
وفي أعقاب هذا التاريخ نفذ تنظيم داعش عشرات الهجمات على محافظة ديالي، أسفرت عن سقوط عدد كبير من الضحايا، حتى وصل الأمر إلى ارتكاب عناصر التنظيم لأعنف جرائمهم على الإطلاق في تلك المنطقة، بحلول الثلاثاء 26 أكتوبر الحالي، عبر إطلاق عشوائي للرصاص بمناطق تجمع المواطنين، بالإضافة إلى ذبح تسعة منهم بالسكاكين.
رد الفعل
وفي الوقت الذي توعدت فيه السلطات العراقية بالرد على التنظيم، وتطهير ديالي منه، تصاعدت نبرة رد الفعل الدولي على الجريمة الأخيرة، حيث أعرب التحالف الدولي لمواجهة داعش في العراق، عن إدانته للعملية الأخيرة، مقدما تعازيه لأهالي الضحايا.
واتفق المراقبون والمحللون الدوليون على ضرورة أن يعزز الأمن العراقي من وجوده في المنطقة، لا سيما بالقرى النائية، التي يرتع فيها التنظيم الإرهابي حاليا، وينفذ هجماته الخاطفة، ثم يختفي قبل وصول القوات الأمنية.