مع بداية العام الدراسي الجديد، دخلت وزارة التربية والتعليم في تحدٍ كبير، وهو إلزام الطلاب بالحضور للمدارس وتفعيل الغياب، وذلك في ظل انتشار فيروس كورونا، مع تشديد وزارة التربية والتعليم على الإجراءات الاحترازية لمنع تفشي المرض بين الطلاب.
ولكن مع بدء الدراسة وتوافد الطلاب على المدراس على مستوى الجمهورية، انتشرت صورًا كثيرة على مواقع التواصل الاجتماعي تُظهر التكدس الكبير للطلاب في الفصول بدون أى إجراءات احترازية، ما جعل أولياء الأمور في حالة استياء شديدة خوفًا على أبنائهم من الإصابة بفيروس كورونا.
وهو ما دفع وزارة التربية والتعليم، بتوجيه المدارس ذات الفترة الواحدة ولديها كثافات بأن يتم توزيع الطلاب إلى فترتين، والمدارس ذات الفترتين وتعانى من كثافة طلابية، أن يتم توزيع الطلاب على ثلاث فترات دراسية، ولكن هل تم حل أزمة الكثافة الطلابية وفق هذا القرار ومدى جدواه؟ هذا ما سوف نرصده خلال هذا التقرير.
مدارس لم تلتزم.. والكثافة تصل فيها لـ100 طالب
رفض العديد من أولياء الأمور القرار؛ مشيرين إلى عدم جدواه، فيما رأى آخرون أن القرار أثر إيجابيًا من حيث تقليل أعداد الطلاب بالفصول، ولكنه أدى إلى تقليل وقت الحصة وهو الجانب السلبي في الأمر.
وقت الحصة غير كافٍ
وصفت منى سعد، ولية أمر، هذا القرار بالحل العقيم؛ مشيرة إلى أن المدرسين لا يسعفهم الوقت للشرح وبالتالي لا جدوي من ذهاب الطلاب للمدارس، فيما قالت ولية أمر أخرى "أسوأ قرار المفروض كانوا قسموا الدراسة لأيام".
وقالت "منى": عندنا مثلا خلوا البنات الصبح والأولاد بعد الظهر فبيشرحوا للبنات، والأولاد بيدخلوا الساعة ١١ ونص بيكون المدرسين تعبوا محدش بيرضى يشرح بيكتبوا للعيال الدرس على السبورة والعيال تنقل من غير فهم وعلشان المدرسين بيقولوا دى حاجة مش ملزمين بيها اننا نشتغل فترتين".
وأضافت ولية أمر أخرى، أن الوضع صعب جدا والفترتين مظلومين، حيث لا يوجد وقت متاح للتعلم أو نظام وعجز في المدرسين وحصة واحدة طول اليوم والطلاب في الملعب.
وقالت ولاء حسن ولية أمر: "مدرسة ابني فاروق وهدان التابعة لإدارة بولاق الدكرور التعليمية فترة مسائية تم تقسيم الدراسة بها إلى فترتين فأصبح اليوم الدراسي نحو ساعتين وربع بالطابور وتحية العلم.. طبعًا وقت قليل جدًا إن أي مدرس يلحق يشرح أي حاجة.. بيدخل الساعة ١٢ ويخلص ٢ وربع.. عدد الفصل أصبح ٤١ بس الحقيقة منظمين الدخول والخروج من البوابات".
واتفقت معها أميرة كامل ولية أمر، قائلة " القرار ساهم في تقليل الكثافة لكن أضر بمستوى التعليم، لأن المدرسين متوزعون على فصول كتير والأطفال بياخدوا مادتين بس وباقي اليوم فاضي ووقت الحصة مش كفايه للتركيز مع الأطفال وذلك بمدرسة السادات التابعة لإدارة العمرانية التعليمية".
مدارس لم تلتزم بالقرار
وأوضح أولياء الأمور أن هناك العديد من المدارس التي لم تلتزم بتنفيذ قرار تقسيم الدراسة لفترات لتقليل الكثافة الطلابية، مثل مدرسة المتحدة ٢ بمنطقة السيوف التابعة لإدارة المنتزه بمحافظة الإسكندرية، التي يصل فيها عدد الطلاب لـ٨٥ طالبًا في الفصل الواحد.
وقالت ولية أمر أخرى: "مدرسة أبو بكر الصديق للتعليم الأساسي التابعة لإدارة ٦ أكتوبر التعليمية خلوا ابتدائي الصبح وإعدادي بعد الضهر وفصل بنتي ١٠٣ بنات ولم يتم التقسيم".
وقال طالب بإدارة المنتزة التعليمية إنه لم يتم تقسيم الدراسة بمدرسته، وما زالت مشكلة الكثافة قائمة حيث يبلغ عدد الطلاب ٧٥ في الفصل الواحد، والمدرسة في الأساس فترتين ولم يتم تقسيم الدراسة لثلاث فترات لتقليل الكثافة، وهو ما تكرر في العديد من المدارس ذات الفترتين.
وقالت عبير جمعة ولية أمر "مدرسة بنتي كثافة الفصول ٨٥ فأعلى.. ولم يتم تقسيمها وهي أساسًا فترتين بإدارة المرج التعليمية".
وتزايدت الشكاوى بشأن الكثافة في مدارس المرج، حيث أكدت ولية أمر أن ١٠٠ طالب في الفصل بمدرسة براعم المستقبل إدارة المرج، بالرغم من أن المدرسة بها تقسيم لثلاث فترات.
كما تصل الكثافة في بعض مدارس القاهرة لـ١٠٠ طالب بحسب أولياء الأمور، حيث قالت غادة شبل ولية أمر "احنا مدرسة حكومة الشهيد عبد الخالق نبيل وكمان فترتين، بالنسبه للفترة الصباحية اللي احنا فيها تضم الطلاب بدءًا من الصف الأول حتى الثالث الابتدائي.. بيروحوا الساعه ٧ لحد الساعة ٩.٣٠ وبعد كده من سنة رابعة لحد الصف السادس من ٩.٣٠ لحد ١٢.٣٠ والفصل عندنا ١٠٠ طفل".
وأشار طلاب إلى أن الكثافة في الفصول تتعدى الـ٦٠ طالبا بمدرسة السيدة خديجة الرسمية المتميزة لغات التابعة لإدارة البساتين التعليمية، ولم يتم تنفيذ قرار التقسيم، وهو ما تكرر في العديد من مدارس القاهرة حسبما أكد طلاب مدرسة الخلفاء الراشدين الإعدادية بنين بمصر الجديدة أن الفصل الواحد يضم ٥٤ طالبا و٣ طلاب يجلسون في المقعد الواحد بدون أي تباعد اجتماعي أو إجراءات احترازية ما يعرضهم للخطر في ظل ظروف انتشار فيروس كورونا.
وقالت ولاء محمد ولية أمر إن كثافة الفصول تتعدى الـ٥٠ طالبا في معظم مدارس العبور، ولم يتم تنفيذ قرار تقسيم الدراسة لفترات.
عجز المعلمين
وأشار أولياء الأمور إلى مشكلة قلة أعداد المعلمين التي تعوق تنفيذ قرار تقسيم الدراسة لفترات، فقال أحد أولياء الأمور "المشكلة مش إن الكثافات عالية.. المشكلة الحقيقية نقص المعلمين.. أنا في مدرسة أولادي مش عارفين يقسم فترتين أصلا لأن المدرسين مش مكفيين فترة واحدة.. أعداد الطلاب في الفصل وصلت ٧٦ طالبا.
كما اشتكت عائشة هشام من عدم تنفيذ قرار التقسيم قائلة " لم يتم تنفيذ قرار التقسيم في مدرسة شابور الرسمية لغات التابعة لإدارة كوم حمادة بالبحيرة بسبب عدم وجود مدرسين كفاية.. ما زالت الفصول مزدحمة ومعظم الطلاب لا يلتزمون بالكمامات أو بأي من الإجراءات الاحترازية".
اقتراحات لحل الأزمة
واقترح أولياء الأمور عددًا من الاقتراحات التي قد تساهم في حل أزمة الكثافة الطلابية مثل جعل الحضور للطلاب بالمدارس اختياريا وليس إجباريا خاصةً لطلاب مرحلة الثانوية العامة، فيما قالت مروة محمود ولية أمر "ياريت ترجع ثلاثة أيام حضور زي السنة اللي فاتت".
وكان لأميرة محمود رأي اتفق عليه العديد من أولياء الأمور؛ حيث قالت "اعتقد لو تم التقسيم على أيام كان هيكون أفضل ويكون يوم دارسي كامل لأن الدراسة أصبحت عدد ساعات قليلة والمشكلة الأكبر لما بتكون الأم عاملة ولديها أكثر من ابن بمراحل تعليمية مختلفة بيكون إجهاد كبير عليها لتوصيل أبنائها ورجوع الأبناء الآخرين".
تعامل المديريات مع الأزمة
وردًا على شكاوى الطلاب وأولياء الأمور وكيفية تعامل مديريات التربية والتعليم مع الأزمة، قال مجدى الجيار مدير عام مديرية التربية والتعليم بالجيزة، إنه طبقًا للكتاب الدورى الذي صدر من وزارة التربية والتعليم تم التعامل مع أزمة تكدس الطلاب بالفصول بتقسيم الدراسة لفترات في المدارس على مستوى الإدارات بالمديرية حسب كثافة كل إدارة تعليمية وحسب طلباتها.
وأضاف "الجيار"، في تصريحات خاصة لـ"البوابة"، أنه تم تقسيم الدراسة بالمدارس من الأسبوع الماضى لتضم فترتين وثلاث فترات اذا استدعى الأمر، حيث إنه هناك إدارات تعليمية ذات كثافة عالية مثل إدارات الهرم وبولاق وأوسيم ومناطق البراجيل وبشتيل.
وتابع: محافظة الجيزة من المحافظات الجاذبة للسكان مما جعل هناك كثافة كبيرة في كافة المدارس، حيث وصل عدد طلاب المديرية إلى ٢ مليون ونصف طالب وطالبة في مختلف المدارس سواء كان التعليم الأساسي أو الفني والثانوي.
وأشار "الجيار"، إلى أنه تم حل أزمة عجز المعلمين مع وجود أكثر من فترة، وذلك بالاعتماد على خريجى الجامعات في الخدمة العامة، وذلك بالتعاون مع التضامن الاجتماعي، وأيضًا المتطوعين والذين لديهم خلفية تربوية، وايضا بالإشراف عليهم من التوجيه بالمديرية ومعظمهم خريجى كليات التربية والآداب ودار العلوم، وذلك محاولة لسد العجز في أعداد المعلمين.
وأضاف الجيار أن الأمور حتى الآن ناجحة، وتم توزيع الطلاب على الفترات المختلفة، كما أن المديرية تواصل الإشراف بشكل دقيق على الإجراءات الاحترازية وارتداء الكمامة لهيئات التدريس والطلاب حفاظًا على صحة الطلاب وجميع العاملين بالمدارس.
آراء الخبراء
وقال الخبير التربوي، الدكتور حسن شحاتة، أستاذ المناهج بكلية التربية جامعة عين شمس، إننا الآن في وقت استثنائي مع انتشار فيروس الكورونا في العالم وفي مصر، ومع قرار حضور الطلاب جعل العام الدراسي بالاستثنائى بشكل كبير، الأمر استدعى فتح فترتين وثلاث فترات في المدارس وجعل هذا الأمر ضروريا خوفا على الطلاب ما يترتب عليه توفير عدد أكبر من المعلمين وأيضا فتح المزيد من الفصول.
وأشار "شحاتة"، إلى أن هناك مجهودا ملموسا لمحاولة سد عجز المعلمين، وذلك من خلال نظام المعلمين بالحصة، أو استقدام المحالين للمعاش لحل الأزمة، وأن وزارة التربية والتعليم تحاول جاهدة في تذليل العقبات في سبيل استكمال العام الدراسي دون وجود أي عقبات.
وأكد، أن أزمة قلة أعداد المعلمين بالمدارس، كان السبب فيها وزارة المالية التى لم توفر بدورها الاستحقاقات اللازمة للمعلمين الجدد، قائلًا إن المشكلة ليست لدى وزارة التربية والتعليم؛ مطالبا وزارة المالية بمحاولة توفير رواتب المعلمين حتى تنجح تجربة الفترتين والثلاث فترات في المدارس.
وأضاف أنه على رجال الأعمال والمنظمات المدنية مساعدة التربية والتعليم في توفير الفصول وأيضًا بناء المدارس الجديدة، كما انه لديهم القدرة على إدخال التكنولوجيا بشكل أو آخر للمدارس.
وطالب "شحاتة"، بعودة التكليف مرة أخرى لطلاب كليات التربية، قائلًا إن إلغاء التكليف كان أكبر خطأ وكان يمكن الاعتماد عليهم في هذا الوقت؛ حيث إنه لدينا ٢٧ كلية تربية على مستوى الجامعات، حيث إنها تستطيع أن توفر ربع مليون معلم كل عام.
وطالب المحافظون بالتشديد على المديريات والإدارات التعليمية بفتح الفترات المتعددة للدراسة، وتذليل أي عوائق أمام فتح فصول جديدة في سبيل حماية الطلاب في هذا العام الاستثنائي.
وقال أحمد سلامة، الخبير في شئون تطوير التعليم، إنه كان يجب علينا التفكير في حلول مبتكرة قبل بدء العام الدراسي تكون مجربة أو تم تجريبها بشكل فعلي في أي دولة ومن ثم تجربيها في المحافظات ذات الكثافة الطلابية العالية مثل القاهرة والجيزة والقليوبية، والتى تمتلك أكبر عدد من المدارس الحكومية حيث إننا نمتلك في الجمهورية ٦٠ ألف مدرسة تقريبا وفى المحافظات السابق ذكرها نحو ١٣ ألف مدرسة حكومية وهذا يعتبر عددا كبيرا قياسيا بباقي المحافظات.
وأشار إلى أنه في أحد الفصول بمدرسة مصطفى كامل التابعة لإدارة بولاق الدكرور التعليمية نحو ١٢٠ طالبا وهناك فصول تصل الأعداد بها إلى ٩٠ أو ٨٠ طالبا، وهذه مشكلة كبيرة كان لا بد من حلها قبل بدء العام الدارسى، مؤكدًا أن مشكلة الكثافة الطلابية تسير بالتوازي مع مشكلة عجز المعلمين موضحًا أن سبب العجز التجديد للمعلمين وعدم الاستفادة من الجيل الجديد من المعلمين الشباب.
وأكد سلامة أن تقسيم الطلاب إلى فترتين أو أكثر ليس حلا جذرىا ينهى المشكلة لأنه مع حل المشكلة هذا العام وانتفاء السبب سيعود الطلاب إلى الكثافة العالية مرة أخرى، وهذا بالطبع يؤثر على جودة العملية التعليمية، وأيضا الكثافة العالية بين الطلاب يمكن أن تحدث مشكلات أخرى بين الطلاب وظهر هذا في وفاة عدد من الطلاب بسبب العراك مثل ما حدث مع طالب أكتوبر وطالب كفر الشيخ.
وأضاف سلامة ان الأمر الثانى في وضع حل الفترات، هو التضارب الذى سيحدث بين الطلاب من ناحية والمشرفين والمعلمين من ناحية اخرى، حيث يتسم الامر بعدم تنظيم وهذا سيؤثر على حضور الطلاب وغيابهم ويمكن ان يعاقب طالب في درجاته لمجرد عدم معرفته بميعاده الذى سيحضر فيه.
من ناحية أخرى؛ أشار "سلامة"، إلى وجوب وجود معلمين لديهم التدريب الجيد على إدارة الفصول بشكل تعليمى لائق واستخدام التكنولوجيا بمعنى ان عددا كبيرا من المعلمين تجاوز أعمارهم الـ٤٥ والـ٥٠ عاما ولم يتم تدريبهم بشكل جيد، ويتم التجديد لهم بعد وصولهم لسن المعاش، ومع تقسيم الفترات وجدنا مشكلة عجز في عدد المعلمين وهذا ظهر بشكل كبير على مستوى الجمهورية.
أما عن الحلول المقترحة؛ فقال كان المفترض دراسة كافة مشكلات التعليم خلال العامين الماضيين، وذلك لإيجاد حلول حقيقية واقعية مناسبة لعودة الثقة بين أولياء الأمور والوزارة، ومن المفترض أن يتم عمل ورش عمل داخل الإدارات التعليمية والتوسع في إنشاء المدارس الحكومية بسبب الكثافات العالية غير الموجودة في المدارس الخاصة والتجريبية، وأيضا عمل حوار مجتمعى بين أولياء الأمور وممثلي الوزارة للقضاء على تلك الأزمة.