تنتاب العالم مخاوف من موجة التضخم الكبرى والتى تهدد بكساد كبير يضرب اقتصاديات العالم أجمع، بعد ان سجلت أسعار الطاقة والغاز ارتفاعات هائلة مع زيادة الطلب على السلع والبضائع في الفترة الماضية حيث وصل سعر برميل خام البترول برنت فوق مستوى ٨٥دولارا للبرميل، ولكن الزيادة في الطلب تحولت إلى نقص في الإمدادات مسببة أزمة طاقة.
كما واصل مؤشر منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة «فاو» لأسعار الأغذية ارتفاعه في سبتمبر وذلك بنسبة ٣٢.٨٪ على أساس سنوي و١.٢٪ على أساس شهري، وهو ما عكس الارتفاع المفاجئ في الزيوت النباتية والحبوب والسكر.
واتفق خبراء الاقتصاد، على أن موجة ارتفاع الأسعار التى يشهدها العالم في الوقت الحالى، ومن المتوقع استمرار تصاعدها الفترة المقبلة، لها عدة أسباب على رأسها تداعيات جائحة كورونا، بالإضافة إلى أزمة الطاقة التى تعانى منها الصين، أكبر منتج للسلع في العالم، وكذلك التغيرات المناخية التى أثرت على المنتجات الزراعية مما تسبب في رفع الأسعار.
وقال الخبير الاقتصادى، الدكتور رمزى الجرم، إن أزمة الطاقة في التنين الصيني، سيكون لها تداعياتها الخطيرة على غالبية الاقتصادات العالمية، وبصفة خاصة الاقتصادات المرتبطة بالاقتصاد الصيني، أو تلك التي تعتمد اعتمادًا رئيسيًا على استيراد السلع من الصين، تزامن ذلك مع زيادة أسعار النفط العالمية، والتي أدت إلى ظهور شكل من أشكال الركود التضخمي، والتي ظهرت بسبب زيادة حدة التضخم.
وأضاف «الجرم»، أن مصر، تستورد أكثر من ٦٠٪من السلع ومستلزمات الإنتاج من الخارج، منها ٤٠٪من الصين، مما ستكون هناك انعكاسات سلبية على ارتفاع أسعار السلع والخدمات، وبصفة خاصة، السلع الغذائية الأساسية. ولفت «الجرم»، إلى تغيير أنماط الاستهلاك لكثير من طبقات المجتمع المصري، بشكل غير مسبوق نحو الأسوأ، حيث ظهرت تحولات جذرية في سلوك وأنماط الاستهلاك منذ بداية الألفية الجديدة، زادت حدتها بشكل أكثر بعد ثورة يناير ٢٠١١.
وقال الدكتور محمد عبدالوهاب إن موجة الغلاء التي تضرب العالم متوقعة منذ فترة خاصة أن الأسباب واضحة وتحدث بعد أزمات عالمية وخاصة عند حدوث توقف تام للإنتاج وحركة السياحة والتصنيع إبان جائحة كورونا.
وأضاف «عبدالهادى»، وبعد تحسن العملية الاقتصادية يزداد الطلب عن المعروض في ظل ارتفاع التطعيمات عالميا وفتح الاقتصاد وبالتالي انخفاض المواد الخام التي تعتبر مدخلات للصناعة وارتفاع الطلب يؤدي إلى ارتفاع الأسعار.
وتابع الخبير: «إلى جانب ذلك لجأت أكثر الدول لمعالجة جائحة كورونا إلى سياسات التيسير الكمي لطباعة النقود بدون غطاء مما أدي إلى ارتفاع التضخم بنسب عالية وبالتالي ساهم في ارتفاع الأسعار». بالإضافة إلى قيام بعض الدول بالتنبؤ بتلك المشكلة مما أدي إلى تخزين الخامات والمنتجات بطريقه تؤدي إلى تعطش السوق من البضاعة ويتسبب في ارتفاع أسعار الخامات عالميا.
وقال الخبير الاقتصادى، الدكتور أحمد شوقى، إنه في ظل استمرار التداعيات السلبية لأزمة فيروس كورونا وفي ضوء متابعة التطورات الاقتصادية العالمية الأخيرة وصدور التقارير الاقتصادية عن المؤسسات الدولية بشأن الظروف التي يمر بها العالم الآن. وتساءل «شوقى»: «هل أزمة كورونا السبب الرئيسي لهذه الإضرابات؟؛ وبنظرة تحليلية لإجابة هذا السؤال أزمة كورونا هي أحد المسببات لهذه الإضرابات، لكن هناك بعض الأسباب ذات الأثر الكبير ما قبل أزمة فيروس كورونا وعلى رأسها الإضطرابات الجيوسياسية والتي كان لها اثر مباشر في اغلب هذه الاضطرابات وجاءت أزمة فيروس كورونا لتزيد من حدتها وتزيد من ذروتها».
وطالب «شوقى»، بزيادة الاعتماد على موارد الطاقة النظيفة كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح لخفض تكاليف الإنتاج من ناحية والحفاظ على البيئة من ناحية أخرى في ظل اهداف التنمية المستدامة. معالعمل على تيسير الإجراءات والتراخيص بشكل أكثر سهولة لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة والتي تمثل نحو ٨٠٪إلى ٩٠٪من حجم المشروعات.
وقال الخبير الاقتصادى، الدكتور محمد كيلانى، إن كورونا أثر بشكل كبير على قطاع مهم وهو قطاع التصنيع للسلع والخدمات ومنتجاتها التكميلية مما يعد معه وبلا شك أزمة اقتصادية تضرب العالم على فترات متباعدة من ارتفاعات في الأسعار نتيجة لدورة الإنتاج السريعة بعد توقف والشحن وخلافه.
وأضاف «كيلانى» قد يواجه المستهلكون على مستوى العالم موجة جديدة من ارتفاعات الأسعار مثلما حدث خلال العام الماضي، ومن الجدير بالملاحظات أن خلال العام الماضي ارتفعت أسعار الشحن من ٧٠٠دولار إلى ما يتراوح بين ٥٠٠٠و١٢ ألف دولار وهو ما يؤثر على سلاسل الإمدادات وربما تستمر الأزمة حتى عام ٢٠٢٢.
وأشار الخبير إلى ارتفاع أسعار الغذاء الدولية بنسبة ٤٧.٢٪ لتصل إلى أعلى مستوياتها منذ عام ٢٠١٤خلال شهر مايو ٢٠٢١،على سبيل المثال وخلال الفترة بين مايو ٢٠٢٠ومايو ٢٠٢١،ارتفعت أسعار فول الصويا والذرة بأكثر من ٨٦و١١١ في المائة على التوالي.
ويأتى السبب الثانى متمثلا في أزمة المناخ التى تسببت في وجود طقس جاف في البلدان الرئيسية المصدرة للأغذية، بما في ذلك الأرجنتين والبرازيل وروسيا وأوكرانيا والولايات المتحدة وقد أدى ذلك في بعض الحالات، إلى عدم تلبية المحاصيل. والسبب الثالث يتعلق بالطلب القوي على الوقود الحيوي الذي أدى إلى زيادة الطلب على المضاربة من قبل التجار غير التجاريين، كما أن قيود التصدير هي عوامل إضافية تدعم أسعار المنتجين العالمية.
وأوضح «كيلانى»، بدأت الزيادة الحادة الأخيرة في أسعار المواد الغذائية الدولية بالفعل تتغذى ببطء على أسعار المستهلك المحلي في بعض المناطق، لأن تجار التجزئة، غير القادرين على استيعاب التكاليف المتزايدة، ينقلون الزيادات إلى المستهلكين.
وقدم «كيلانى» روشتة التحكم في الأسعار متمثلة في، الإبقاء على سعر الغاز للمصانع عند مستوى ٤.٥ دولارا مقابل سعر عالمي حاليا ١٢دولارا مرشح للزيادة، وتحمل الحكومة تكلفة دعم الكهرباء بالإضافة إلى عدد كبير من الإجراءات لمنع وجود ارتفاعات كبيرة في الأسعار مع زيادة التكلفة.
ويقول سمير رؤوف المحلل المالي والخبير الاقتصادي: «منذ بداية عام ٢٠١٧بدأت تظهر موجة كبيرة من ارتفاع الأسعار نتيجة اضطرابات منطقه الشرق الأوسط والتي بدأت بوادرها على العملات نتيجة الإجراءات التي اتخذتها بعض الدول مثل مصر بتحرير سعر الصرف».
وأضاف: «لأن مصر جزء من هذا العالم، فبدأت المخاوف من تأثرها بموجة من التضخم وارتفاع الأسعار، وتزايدت التساؤلات منها، هل نحن مقبلون على تضخم وزيادة الطلب ام قلة الإنتاج؟، وهل نفتح المصانع بكامل الطاقة لحل أزمة اقتصادية؟». وتوقع استمرار ارتفاع التضخم في الربع الرابع من ٢٠٢١،مع ارتفاع التضخم الشهري بنسبة ١.٦٪ في أكتوبر متأثرًا بالإنفاق الموسمي فضلا عن الأسعار الجديدة للوقود.
من جانبه؛ توقع الدكتور عبدالمنعم السيد، مدير مركز القاهرة للدراسات السياسية والإستراتيجية، ارتفاع الأسعار للسلع على المستوى العالمي بعد زيادة نسبة التضخم، مؤكدا أن التضخم على مستوى العالم ارتفع من منتصف عام ٢٠٢١،وهذه الزيادة جاءت بسبب أن شعوب العالم بدأت في زيادة الطلب على السلع، خاصة السلع الأساسية في ظل أزمة كورونا.
وأضاف «السيد»، أن زيادة الطلب نتج عنها انخفاض المعروض في هذه السلع، نتيجة أن المصانع كانت متوقفة، أدى إلى زيادة متوسط الأسعار على مستوى العالم؛ مشيرا إلى أن السبب الثاني يرجع إلى ارتفاع أسعار النفط عالميا حيث وصل سعر برميل البترول إلى ٨٥دولارا في بزيادة تراوحت بين ١٠إلى ١٣دولارا عن الفترة الماضية.
وأشار، إلى أن إنجلترا تعاني من أزمة نقص العمالة خاصة في عمليات الشحن، والذي نتج عنها زيادة كبيرة في الأسعار، وأعلنت منظمة «فاو» زيادة الطلب على السلع والأسعار بنسبة تجاوز ٣٢٪ويتوقع أن تصل إلى ٤٠٪مع نهاية العام الجاري، مشددا على أنه يمكن أن ينخفض التضخم مع عودة العمل إلى المصانع مرة أخرى.
وقال «السيد»، إن مصر تعاملت بشكل جيد مع الأزمات العالمية، على الرغم من التأثر بالتضخم، ولكن هناك بعض العوامل التي قللت من آثار الأزمة بوجود احتياطي يكفي لستة شهور والذي أدى لتوفير السلع في الأسواق.
وقال الخبير الاقتصادي، أشرف غراب، نائب رئيس الاتحاد العربي للتنمية الاجتماعية بمنظومة العمل العربي بجامعة الدول العربية، إن موجة الارتفاع في أسعار الغذاء التي يشهدها العالم أجمع وفق ما أعلنته منظمة الفاو من ارتفاع أسعار الغذاء للشهر الثاني في سبتمبر لتبلغ ذروة ١٠سنوات.
وأضاف «غراب»، في تصريحات خاصة لـ«البوابة»، أن صندوق النقد الدولي توقع في تقريره الأخير أن يستمر التضخم الاقتصادي العالمي إلى منتصف عام ٢٠٢٢،وأن السبب في ذلك زيادة الأسعار المستمرة وحالة الركود الاقتصادي.