القس سهيل سعود
«إذا ما عمل الله فينا، فالإرادة تتغيّر، ونخدم حاجات الناس لا كأننا مجبرون، وإنما برغبة وفرح».
المصلح مارتن لوثر
يقول اللاهوتي ديتريش بونهوفر، «إن معرفة التمييز بين الخير والشر هو الهدف من كل الاهتمامات الأخلاقية. إلا أن المهمة الأساسية للأخلاقية المسيحية هي تجاوز تلك المعرفة».
آمن «بونهوفر»، أن الإيمان المسيحي يحثّنا على القيام بأفعال أخلاقية تتجاوز السؤال الشرائعي، حول إذا ما كان نقوم به هو خطأ أم صواب. إن السياق الذى تحدّث عنه «بونهوفر»، هو دعوة حقيقية للعمل والخدمة التي تجعل الإنسان أن يكون منفتحًا نحو الآخر المحتاج، ومسئولًا أمام ما يراه، حتى لو لم تكن هناك أية تشريعات وقوانين أخلاقية.
رفض «بونهوفر»، أن تكون مواقف المسيحيين وتصرفاتهم وأفعالهم الأخلاقية محصورة بمجرّد تطبيق القوانين والأنظمة، لصالح اعتبارها بالدرجة الأولى مسئولية روحية تجاه الآخر لا سيما المتألّم.
أعتقد أن الكتاب المقدس يقدّم حقائق سامية بطرق إيجابية بسيطة وغير معقدة، نستطيع أن نستلهم منها أسلوب تصرفنا مع الآخر. في هذا السياق يقول المصلح «لوثر»: «الإيمان، يجعل الفهم يتواضع أمام الحقائق الإلهية، بل يتجاوز ويحبط فهمنا الإنساني. وفى الوقت نفسه، يحثّنا على نوع آخر من الاستجابة لحاجات الآخر التي أمامنا».
ويضيف: «إذا ما عمل الله فينا، فالإرادة تتغيّر، وتنسّم روحه علينا، فنتجاوب مع حاجات الناس باستعداد صادق، لا كأننا مجبرون وإنما برغبة وفرح ومحبة«.
في كتابه، «عبودية الإرادة»، يذكر المصلح مارتن لوثر، أن الله يحبط التمجيد الذاتي لقوانا وقدراتنا الإنسانية، فيصبح الصلاح متاحًا عندما يتخلّى الإنسان عن ادعاءاته، بأنه يتحكّم بمفاصل الأمور في الحياة، ويتغيّر بفضل عمل المحبة الإلهية، التي تغيّر إرادتنا لنخضع الكل إلى ما هو للمسيح.
ويضيف: «تمنح الإرادة المتغيّرة بفضل محبة ونعمة المسيح، نوعًا جديدًا من الفهم لا يستند على الشرائع والقوانين الأخلاقية، لكن يستخدم هذا الفهم الجديد نوعا آخر من التبريرات والدوافع، التي هي دوافع الإيمان التي تدفعنا للاستجابة مع حاجات الآخرين، لأن إرادة المسيح أن نخدم القريب المحتاج».
في عظته، بمناسبة أحد الثالوث، تحدّث «بونهوفر» عن سر الإله المثلّث الأقانيم، بالمقارنة مع سرّ الإنسان. مما جاء فيها، أن سرّ الإنسان الآخر يصبح أعظم، كلما كان ذلك الآخر أقرب إلينا. وإذ ما التقينا به وجهًا لوجه، فإن ذلك الآخر البعيد، يصبح قريبا منا، بل يواجهنا بمطلب أخلاقي وشخصي لا يمكننا الهروب منه، لأنه يتحدّانا في عمق هويتنا وادعاءاتنا كإنسان.
حدّد «بونهوفر» نوعية مسيحيتنا، بكيفية تجاوبنا مع حاجات ذلك الآخر. قال إن كيفية ونوعية تجاوبنا مع هذا الآخر القريب، هو الذى يحدّد هويتنا ونوعية الجماعة التي ننتمى إليها.
وصف لوثر هذه الديناميكية المسيحية لخدمة الآخر، بتصوّره للمسيح يخاطبنا قائلًا: «لا أختار أن آتى إليكم في جلالي وفي رفقة الملائكة، وإنما في هيئة متسوّل فقير يستجدى الطعام». يمكن أن تسألوا، كيف نستطيع أن نعرف هذا؟ يجيب المسيح: «لقد أعلنت لكم في كلمتي بأي شكل آتى إليكم. ولمن يجب أن تقدّموا المساعدة. ليس عليكم أن تصعدوا إلى السماء حيث إني جالس عن يمين أبى السماوي، لكى تقدّموا لي شيئًا. إني آتى إليكم في تواضع. أضع جسدًا ودمًا أمام أبواب بيوتكم، يقولون لكم: أعطوني لأشرب. إني لا أحتاج طعاما في السماء، لكنى أعلنت للعالم أجمع، أنه مهما فعلتم بأحد إخوتي هؤلاء الأصاغر، فبي قد فعلتم».
«متى25: 4»
البوابة القبطية
عبودية الإرادة
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق