منذ أن بدأت الهيئة العامة لقصور الثقافة على يد الأديب أمين الخولى تحت مسمى «الثقافة الجامعة» كانت تسعى إلى إلحاق عامة الشعب بالتعليم، ولذلك كانت تابعة لوزارة المعارف «وزارة التربية والتعليم سابقًا» الأمر الذى خلق لها فرصة كبيرة للانتشار فى كل المحافظات والتواجد بين الجماهير من مختلف الطبقات.
ظل الأمر كذلك حتى جاء وزير الثقافة الأسبق الدكتور ثروت عكاشة، لتطوير الهيئة فتغير اسمها إلى مسمى «الثقافة الجماهيرية» عام 1965، والذى يُعد عصر القوة بالنسبة للهيئة وفى هذه الفترة شعر الجميع بتطوير فى الثقافة الجماهيرية بداية من المبنى نفسه حتى رؤساء القطاعات فى الهيئة نفسها وظلت هكذا حينها حتى تغير اسمها عام 1989 إلى المسمى الجديد الحالى وهو «الهيئة العامة لقصور الثقافة» ليتضاءل دورها ويتناسى الهدف الذى أنشئت من أجله.
ومع تقدم التكنولوجيا ووسائل الاتصال هل تستطيع قصور الثقافة فى ظل ما وصلت إليه خاصة أنها لم تعد كما كانت من قبل أن تواكب هذا العصر مع التقدم الهائل الذى نجده فى كل المجالات؟
«البوابة» تعيد فتح ملف تطوير «الهيئة» من جديد مع عدد من المثقفين فى ظل ما نراه من سعى الدولة جديا إلى مسايرة التطوير التكنولوجي، ويضع المثقفون فى هذا التقرير روشتة علاج لكيفية تطوير الهيئة العامة لقصور الثقافة وهل تستطيع مواكبة التحول الرقمى الذى تسعى إليه الدولة.
عز الدين نجيب: خلق كوادر قيادية جديدة.. والنظر فى توصيات كل مؤتمرات الهيئة
فى البداية، قال الفنان التشكيلى عز الدين نجيب، أحد المؤسسين للثقافة الجماهيرية: إن الهيئة العامة لقصور الثقافة تحتاج إلى تغيير كامل الاستراتيجية التى تحكمها، مشيرا إلى أن الثقافة كانت على رأس أولويات نظام ثورة يوليو بشقيها الرأسى والأفقى والرأسى وهو يتمثل فى الاهتمام بمجالات الإبداع الرفيعة كالأدب، والموسيقى، والباليه، والسينما، والمسرح، والفنون التشكيلية، وغيرها ورعاية المبدعين فيها وبناء المعاهد والمؤسسات الحاضنة لها.
وأضاف «نجيب»: «نجد قصور الثقافة الآن لا تمتلك كوادر فى المجالات المختلفة إلا عدد قليل جدًا لا يذكر فأغلب الموجودين بالهيئة هم موظفون غير أكفاء، كما أن هناك فى الهيئة قصور ثقافة كبيرة لا يوجد بها إلا 4 أو 5 موظفين فى الفرع كاملا وتحتاج إلى موظفين آخرين لإدارة المكان، فى حين تجد فى فرع آخر صغير كما هائلا من الموظفين لا قيمة لهم فلا توجد عدالة فى التوزيع».
وتابع: «يبرر الكثير تراجع دور قصور الثقافة لأن ميزانيتها ضعيفة، لكننى أرى أن الميزانية ليست العائق الوحيد أمام التطوير فهى أحد الأسباب لكن ليست كل شىء، ولذا علينا فى البداية أن نربى كوادر تستطيع أن تقود الهيئة وليس مجرد موظفين لا يقدمون شيئا».
وأكمل: «النشر الإقليمى بالهيئة مثلا يكلف الهيئة ميزانية ضخمة فى حين أننا لا نجد قارئ لهذه الكتب التى ينفق عليها بالملايين، فلو تم توفير هذه الميزانية لتنفق على الأنشطة والتدريب والتعليم فى الهيئة لكان أفضل، إلى جانب أن يتم النظر فى التوصيات والمقترحات التى تقدم فى مؤتمرات الأدباء وألا تكون حبيسة الأدراج لا يعرف عنها أحد شيئا، فالأدباء يبحثون وينظرون ويجتهدون ليخرجوا فى آخر كل مؤتمر ببعض التوصيات لكن لا تنفذ على أرض الواقع وهذا ما تسبب فى تدهور وتراجع الهيئة».
وشدد على ضرورة عمل قصر ثقافة نموذجى فى كل منطقة ليكون بمثابة الورشة التدريبية للمتدربين والعاملين بالهيئة أنفسهم ليكونوا على قدر المهمة التى يعملون بها.
سميح شعلان: إنشاء مواقع ثقافية جديدة بالقرى بهدف التطوير
وقال سميح شعلان، العميد السابق للفنون الشعبية بأكاديمية الفنون: إن الهيئة العامة لقصور الثقافة لعبت دورًا هادفًا ومؤثرًا منذ إنشائها كمؤسسة ثقافية وفنية لتنوير العقول وشحذ همة الإبداع والمبدعين فى كل ربوع الوطن، ويعود هذا التأثير الذى أحدثته عند كثير من المهمومين والمنشغلين بأمر الثقافة من خلال ما توفر لها من انتشار واسع فى ربوع مصر من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب ومن أقصى الشرق إلى أقصى الغرب فهى المؤسسة الثقافية التى نرجو لها النجاح وفى ذات الوقت تواكب العصر المتغير والحاجات الأكثر إلحاحا ومتطلبات البناء الوجدانى لهذا الشعب، واستعادة روح الوطنية وبث قيم الانتماء وتفعيل الطاقات وتبنى المبادرات وشحذ همة الاستنارة والتنوير فهى قادرة شريطة أن تنتبه الدولة إلى ميزانيتها المحدودة فى مقابل دورها الكبير.
وتابع «شعلان»: «لعلنى كواحد من أبناء تلك الهيئة الذى تعلم فيها وانطلق من خلال أنشطتها إلى آفاق واسعة من البحث والتنقيب عن أصالة هذا الشعب وعمقه الحضارى وملامحه الخاصة فأرجو من الهيئة أن تبادر فى تطوير بما يوافق التغير الذى طرأ، لتملأ فراغات ثقافية وتعيد جاذبية التلقى واللجوء إلى أنشطتها بوصفها الملاذ الذى يعين على استعادة الشخصية المصرية لعمق أصالتها وصد أذى الفكر المتطرف».
وعرض «شعلان» عددا من المقترحات التى تسهم فى تطوير الأداء وتفعيل دور الهيئة وهي: «عقد مؤتمر دولى كبير يناقش استراتيجيات عمل الهيئة وتطوير الأداء، ومواكبة التطور الذى يحدث بالقرية المصرية بإنشاء مواقع ثقافية بالقرى يطلق عليها دوار الثقافة يتم إنشاؤه بأحد الدوائر لكل قرية، إنشاء قناة إعلامية تهتم بإبراز أنشطة الهيئة واستعراض الثقافات المحلية والكشف عن ملامحها ومكونها الثقافى، وتفعيل العلاقة بين المواقع الثقافية فى المحافظات المختلفة وبقية الأجهزة الحكومية لتتولى عنها ومعها الدور التثقيفى لأنشطتها والمهام الخاصة بكل جهاز، والتوسع فى التعرف على الثقافات المحلية ورصدها وحفظها وأرشفتها وإتاحتها للمبدعين والباحثين والمهمومين بأمرها، وتطوير الأداء بأطلس المأثورات الشعبية بحيث يلعب دوره المنشود فى تتبع الكيفية التى تنشر بها العناصر الثقافية فى المجتمعات المحلية، والمساهمة فى وضع الخطط واستراتيجيات تطوير القرية المصرية بما يتوفر لديها من معلومات تفصيلية عن حاجات أفراد المجتمع وتصوراته ومداركه الخاصة».
سعد عبدالرحمن: يجب أن تتعاون قصور الثقافة مع الأدباء لتطويرها
وأوضح سعد عبدالرحمن الرئيس الأسبق للهيئة العامة لقصور الثقافة، أن المثقفين لا يريدون من الهيئة إلا أن تكون مؤسسة ذات فعل حقيقى ينفع الناس فيمكث فى الأرض، وأن يظل اهتمامها مركزا على المناطق المحرومة من الخدمات الثقافية بالأقاليم فى القرى والكفور والعزب والنجوع، وأن تحرص على أن يكون ثمة توازن بين الأنشطة الثقافية والأنشطة الفنية حتى لا يقال إن أنشطتها صارت أنشطة مهرجانات فقط.
وقدم «عبدالرحمن» رؤيته لتطوير الهيئة ذاكرًا أنه حتى تغدو الهيئة مؤسسة ثقافية عصرية لها استراتيجية عمل لا تتغير من حين إلى آخر كلما تغير رئيسها فلا بد أن يضع استراتيجيتها المثقفون لا الموظفون وخطة يشارك كل من يأتى لرئاسة الهيئة فى استكمالها بدلا من طمسها والبدء من جديد كل حين ويكون وضع هذه الخطة بالتعاون والتشاور مع كوادر الهيئة وقياداتها الكفئة.
وأضاف: «لا بد أن يكون اعتماد الهيئة الأساسى على البشر لا على الحجر، وأقصد بالبشر الكوادر الواعية المدربة تدريبا جيدا على إدارة العمل الثقافى وذلك من خلال التعاون مع المثقفين كالأدباء والفنانين وغيرهم فهؤلاء هم صناع الثقافة لا غيرهم».
وأشار «عبدالرحمن» إلى أن قصور الثقافة قادرة على مواكبة التحول الرقمى الذى تسعى إليه الدولة حاليا وذلك إذا أسند الأمر فى الهيئة لأهله من الكوادر والكفاءات لا سيما أبناءها، لقد مضى أكثر من عقد زمنى على الدخول فى عالم تكنولوجيا المعلومات والوسائط الحديثة وفى الهيئة منذ ذلك الوقت إدارة مركزية للوسائط وتكنولوجيا المعلومات تتبعها ثلاث إدارات مهمة: الإدارة العامة لنوادى تكنولوجيا المعلومات التى انتشرت ونشطت عدة سنوات فى كثير من المواقع بالأقاليم ثم لم نعد نسمع الآن بنشاطها والإدارة العامة للدعم التكنولوجى ومع الأسف لم تقم تلك الإدارة بنشاط يذكر وأصبحت مجرد اسم على غير مسمى، ثم الإدارة العامة للنشر الإلكترونى التى ظلت هى الأخرى بدون فعل حقيقى ملموس، ولكن طالما أن الهيئة تعمل بشكل اجتهادى عشوائى دون استراتيجية حقيقية ودون خطة وتهتم بالحجر أكثر من اهتمامها بالبشر فلا أمل قريب فى التطوير.
وذكر «عبدالرحمن» أن الهيئة تستطيع أن تنجح فى تطوير نفسها بالتزامن مع رؤية 2030 التى يطرحها الرئيس عبدالفتاح السيسى وذلك بالانخراط من خلال استراتيجيتها للتطوير فى استراتيجية الدولة ومن خلال العمل مع مختلف قطاعات الدولة وفى مقدمتها قطاعات وزارة الثقافة بروح الفريق
أحمد عبدالرازق أبوالعلا: التخلص من القيادات غير القادرة على تطوير المُنجز الثقافى.
وقال الناقد والكاتب أحمد عبدالرازق أبوالعلا: «لقد أعلنت عن موقفي، وطرحت رؤيتى لتطوير أداء العمل الثقافى داخل إدارات هيئة قصور الثقافة، سواء المركزية، أو فى الأقاليم، وذكرت المشكلات التى تواجهها، خاصة خلال السنوات السابقة لرئاسة د. أحمد عواض لها، وكتبت مقالات كثيرة نشرتها – وقتها – فى الصحف المختلفة، أوضحت فيها ما ينبغى أن تقوم به، لتطوير أدائها، وتحقيق أهدافها بما يتلاءم مع المتغيرات الجديدة التى طرحت نفسها فى واقعنا، وحرصى على تطوير أدائها، جاء من منطلق - ليس فقط بصفتى مثقفا من المثقفين المتعاملين معها - ولكن – أيضا- من خلال خبرتى العملية، حين كنت كادرًا ثقافيًا بها وانتقلت بين إدارات مهمة بها مثل النشر، والمسرح ولهذا السبب أعلم مشكلاتها».
وتابع: «أستطيع أن أقول إنه لا يمكننا الحديث عن مواكبة الهيئة للتطور الرقمى أو التكنولوجي، بمعزل عن المشكلات التى تواجهها وتؤثر بشكل بالغ على أدائها، ومن أهم تلك المشكلات، وجود كوادر وقيادات تعمل داخل الهيئة، لا علاقة لها بالعمل الثقافى، لأنها دخلته من باب التعيينات التى أتاحتها إعلانات الوظائف، التى تقدم لها عدد كبير من خارج العاملين بها وزارة التربية والتعليم خاصة!، واستبعاد الكوادر المثقفة بداخلها، فتدهور الأداء - نتيجة طبيعية لذلك - والشواهد كثيرة، خاصة فى الإدارات الحيوية مثل المسرح، والثقافة العامة، والقصور المتخصصة، ومعظم مديريات الثقافة فى المحافظات، وبها من يكرهون العمل الثقافى ذاته، ولا يهمهم مردوده، أو تحقيق أهدافه للأسف».
مصطفى عبيد: يجب وضع خطة محددة الأهداف لتطوير قصور الثقافة
وقال الكاتب والمترجم مصطفى عبيد إننا نريد من قصور الثقافة أن يعود دورها الفاعل في تنمية الإبداع وتبني المواهب الجديدة باعتبار أن الإبداع هو حائط صد ضد الإبداع، ننتظر استعادة لتجارب المسارح الموسعة المنتشرة في القرى والنجوع لأن فن المسرح هو فن تعبير يرسخ ثقافة قبول الآخر ويشجع على التعددية وبحالة الفكر.
وتمنى عبيد عودة فعاليات الجوائز الأدبية الإقليمية في الشعر، والرواية، والقصة استنادا على أسس موضوعية معلنة بشفافية تامة، كما نأمل أن يعلن رئيس الهيئة خطة عمل واضحة محددة بأهداف يمكن تقييمها ويقيم محاورات مع المثقفين والمبدعين في مختلف المجالات لرسم خريطة الدور المنتظر للهيئة.
سامي شاكر: القصور يجب أن تعود لأسمها الحقيقي "الثقافة الجماهيرية"
في حين أوضح الشاعر سامى شاكر، مدير عام فرع ثقافة القاهرة سابقًا: إن الهيئة العامة لقصور الثقافة تقبع فى المواقع المبنية، والمواقع المبنية فى معظمها غير مؤهل للنشاط، وحينما نشأت الثقافة كان فى عام ١٩٤٨، تحت مسمى «الجامعة الأهلية»، وفى عام ١٩٥٨ سماها الزعيم الراحل جمال عبدالناصر «الثقافة الجماهيرية»، وتولى قيادتها سعد الدين وهبة، وبنى هذا الصرح ليكون إدارة عامة فقط، وكانت مفعلة فى المناسبات الوطنية وفى غير المناسبات الوطنية، تفعيلا على أعلى مستوى، فالثقافة الجماهيرية كانت تنزل إلى الشارع وإلى الفلاحين والقرى والنجوع والميادين بشاشات السينما، وحاليا نستطيع أن ننزل بالمعلوماتية الجديدة ونقدم التراث بشكل مقبول وإمكانيات أخرى فى ظل التقدم التكنولوجى الذى نعيشه حاليا.
وطالب «شاكر» بإعادة قصور الثقافة إلى اسمها السابق «الثقافة الجماهيرية»، لأن الثقافة الجماهيرية هو الاسم الحقيقى للمعنى والدور الواجب علينا أن نقوم به تجاه شوارع مصر وعشوائيتها ومدنها الجديدة، وعليه أن يبحث عن جميع لغات الجماهير ويعى مفرادته الحياتية كلها. وأضاف «شاكر»: «عندما تحولت الثقافة الجماهيرية إلى مسمى قصور الثقافة وإلى أقاليم مفتته، فقدت خلالها المفهوم الذى أنشئت من أجله، وكانت ترتكز على الدفاع عن عادات الشعب وتأصيلها فيجب علينا تأصيل القيم والنهوض بالمجتمع فى مختلف الجوانب الحياتية من الاقتصادية، والاجتماعية، والزراعية، وتقديم كوادر جديدة من مواقع الثقافة نفسها الملمة بمشكلات الهيئة نفسها، وتشعر بالقضية التى أنشئت من خلالها قصور الثقافة».
وأكد «شاكر»، أن بعض العاملين لا يريدون العمل أو بمعنى أدق يتقاعسون عن أداء عملهم ولذلك يحتاجون إلى الشدة والحزم، مشيرا إلى أن الكوادر العسكرية المثقفة هى أفضل من يقوم بذلك.