الإثنين 23 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

"ريش" فن وأشياء أخرى

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

بعد أن هدأت العاصفة قليلا حول فيلم "ريش"، وحالة الجدل التي سادت وسائل الإعلام المختلفة، والسوشيال ميديا، بين مؤيد ومعارض، وحالات الإتهامات لكلا الطرفين، ودخول أطراف مختلفة لحوارات الجدل، وضاعت معها الرسالة الأساسية التي استهدفها "ريش" وهي تسليط الضوء على حياة المهمشين، بغض النظر عن اهتمام الدولة بهم في هذه المرحلة من تاريخ مصر، مثلها مثل حالات اهتمام قامت بها الدولة في مراحل مختلفة، وبدرجات مختلفة.
قضية المهمشين في كل دول العالم ستظل قائمة، ومن يزر دول متقدمة في الكرة الأرضية سيرى حياة هؤلاء، وتظهر مع الفروق الإجتماعية التي هي سمة من سمات البشرية، حيث تضيق الفروق وتتسع مع اختلاف متغييرات الحياة، فخلال الـ70 عاما الأخيرة شهدت هذه القضية في مصر العديد من المتغييرات.
ومعالجة مثل هذه القضايا في مختلف الفنون، وعلى شاشات السينما أو الدراما بشكل عام، وفي الأدب بمختلف قطاعاته، أو حتى في التحليلات السياسية والكتابات الصحفية، لم نسمع أن مثل هذه المعالجات تسئ إلى الدولة في يوم من الأيام، لأن خطط التطوير مستمرة وهي مهمة الدولة في كل المراحل، وإن إختلفت من فترة أو أخرى.
تركيزنا هنا على فيلم ريش، وليس شئ آخر، وكل صاحب رأي له كل الحق فيما يراه، ولا خلاف على ذلك، بينما القضية هنا تتعلق بكون العمل الفني، هل جاء القصد منه مع سبق الإصرار والترصد الإساءة لمصر؟، فقد شعرت من بعض الكتابات أن الفيلم جاء بقصد الإساءة، وهذا أمر لا يمكن استيعابه، فمن لا يعرف أن كل عمل فني، وربما ابداعي يتم للجمهور يخضع لتدقيق وإشراف مباشر من الجهات الرسمية، بدرجة وأخرى.
"الفيلم" في مجمله عمل فني قابل للنقد والتحليل، لكن تحويل الأمر إلى موقف سياسي، فهذا بخرج عن نطاق الرؤية الفنية، ومن هنا جاء اللغط حول "ريش"، الذي استهدف إلقاء الضوء على حياة شريحة من المجتمع، كثيرا ما كانت اهتمامات الفنون المصرية على الدوام.
والسؤال المهم الذي شغل الكثيرون بشأن سبب الهجوم على فيلم ريش، هل لأنه جاء في هذه الفترة من عمر الدولة المصرية، وهل  أظهرها بشكل غير حقيقي، وفقا لرؤى البعض، أم أنه عالج "فنيا"، قضايا الأماكن العشوائية في مصر؟!، أم أنه قدم صورة ليست واقعية عن حياة المصريين والمجتمع المصري؟!.. كل هذا وغيره مثار الجدل الذي دار في الأيام الأخيرة.
الجدل بالشكل الذي جرى كأنه يطالب بوضع قيود على الفن، ووقف أي محاولات فنية تسلط الأضواء على حياة وأوضاع أفراد المجتمع، سواء الإجتماعية أو الإقتصادية منها، وهذا خطأ كبير في طرق النقد، وتحويل النقد- وهو حق- إلى سيف نسلطه على الإبداع.
المؤكد أن الفيلم فيه مشاهد متناقضة في المعالجة للقصة الرئيسية،خصوصا في تصرفات العائلات الفقيرة في مصر، بل في كل دول العالم، فلا يمكن أن نقبل ما جرى في حفلة "عيد ميلاد" إبن البطل والبطلة، والمأكولات وطبيعة الحفل، فهذا لا تفعله عائلة فقيرة، مثل تلك التي ظهرت في الفيلم، كما أن الفقر لا يعني القذراة، والفقر لا يعني أن تكون "الدعارة" هي الحل لكسب المال، ولا تكون عند كل الفقراء في تشغيل الأطفال، وغير ذلك من المشاهد التي تتناقض، مع حالة الفقر التي تظهر في عائلة فيلم ريش من خلال مشاهد المنزل الفقير جدا، وطبيعة المأكولات التي ركزت عليها المشاهد الأولى بقوة.
هذه بعض من كل في الفيلم، ولكن يبقى الخلاف حول التركيز على أن "ريش" هو الخطة المحكومة والمدبرة للإساءة لمصر دولة وشعبا وتاريخا،.. وإختصار مصر في شريط سينمائي مدته أقل من ساعتين (ساعة و52 دقيقة"، يختلف حوله الفنانون والنقاد والجمهور.
والسؤال المهم، هل منع الإساءة لمصر من جهات وقنوات وإعلاميين وأشياء أخرى مدفوعة أو مأجورة، ستنتهي بمنع فيلم، أو الخروج من قاعة العرض، أو كتابة "بوست" على الفيسبوك، أو تويتر،.. بل دعونا نناقش الفيلم، ونحلله، ونوجه له النقد الفني، وتكامل العمل الفني فيه، والرسالة التي استهدفها،.. من المهم ألا نقف موقف المترصد، لأي عمل فني لنا موقف منه، أو نقول رأينا وأعينا على هدف أخر، نغازل من خلاله أطراف أخرى.
دعونا نضع الأمور في نصابها، ونركز على فحوى الرسالة، ونقول رأينا لتحسين أفضل وأفضل لهذا البلد في كل مناحي الحياة، مع الإبقاء على حرية التعبير كرسالة نستهدفها كوطن ومواطنين.