قال د. عبد الحكيم الواعر، المدير العام المساعد والممثل الإقليمي للفاو في منطقة الشرق الأدنى وشمال إفريقيا، أن ندرة المياه في المنطقة العربية تشكل تحدياً كبيراً، ليس فقط على مستوى تقديم خدمات إمدادات المياه للأغراض المختلفة كالشرب والري، ولكن الأهم يتمثل فيما يترتب على هذه الندرة من تأثيرات مباشرة وغير مباشرة على الانتاج الزراعي وتحقيق الأمن الغذائي والتنمية الشاملة والمستدامة.
وأشار الواعر في كلمته خلال الجلسة الافتتاحية لفعاليات أسبوع القاهرة للمياه اليوم الأحد، إلي تناقص متوسط نصيب الفرد السنوي من المياه المتجددة في المنطقة العربية بحوالي 75% خلال الفترة من 1962 إلى 2017 وتشير التوقعات إلى استمرار هذا التناقص ليصل إلى ما دون عتبة 500 متر مكعب خلال الثلاثة عقود القادمة، الأمر الذي يمثل عائقاً حقيقياً للتنمية خاصةً إذا ما علمنا أن 14 دولة عربية تقع في الوقت الحالي ضمن أعلى معدلات الإجهاد المائي على مستوى العالم وأن 60% من سكان المنطقة و70% من النشاط الاقتصادي يتمركز في المناطق الأكثر عرضة وتأثر بندرة المياه.
وفي هذا الإطار تشير الشواهد والأدلة أيضاً إلى تفاقم ندرة المياه بسبب تأثيرات تغير المناخ من خلال زيادة تقلبات نمط هطول الأمطار وتناقص جريان المياه السطحية، واستنزاف المياه الجوفية، وتواتر فترات الجفاف والفيضانات، وتأثر انتاجية المحاصيل الزراعية في العديد من دول المنطقة. وتقدر التقارير العواقب الاقتصادية المترتبة على ندرة المياه بسبب تغير المناخ إلى إنخفاض اجمالي الناتج المحلي بين 6% و14% بحلول العام 2050.
وتابع: إضافة إلى تغير المناخ، سيواصل النمو السكاني والتوسع الحضري فرض ضغوط إضافية على المياه والأراضي والنظم الإيكولوجية، الأمر الذي يستدعي تكثيف الجهود وتنسيقها للخروج بحلول تكاملية تستفيد من التقدم التكنولوجي وفرص الشراكة والتعاون مع شركاء التنمية والاستفادة من آليات التمويل المتاحة.
وأكد المدير العام المساعد والممثل الأقليمي للفاو في منطقة الشرق الأدنى وشمال إفريقيا، أن قطاع الزراعة سيعاني، الذي يستهلك أكثر من 85% من موارد المياه، من صعوبات في الحفاظ على حصته من المياه في ظل استمرار الطلب المتزايد على المياه للاستخدام المنزلي والاستخدامات في القطاعات الأخرى مثل الصناعة والسياحة وبدون نهج تكاملي في التعامل مع الأمن المائي والغذائي، يمكن لتناقص المياه المخصصة للزراعة أن يؤدي إلى انخفاض الإنتاج الزراعي وزيادة الاعتماد على استيراد الأغذية وانخفاض سبل عيش فقراء المناطق الريفية وارتفاع معدلات البطالة والهجرة إلى المدن.
وأشار إلي أن ندرة المياه تمثل تحدياً في طريق تحقيق غايات الهدف السادس من أهداف التنمية المستدامة المتعلق بالمياه، والذي بدونه سيكون من الصعوبة بمكان تحقيق الهدف الأول، المتمثل بالقضاء على الفقر، والهدف الثاني، المتعلق بالقضاء على الجوع وسوء التغذية وتعزيز الزراعة المستدامة، ودون إحراز تقدم في تحقيق الهدفين الأول والثاني، فإن جدول أعمال التنمية المستدامة يصبح بأكمله مهدداً بالخطر.
وتشير تقديرات ما قبل جائحة كوفيد-19، إلي أن واحد وخمسون ونصف مليون شخص أو 12% من السكان، كانوا يعانون من الجوع في المنطقة العربية بزيادة قدرها 1.1 مليون شخص عن الفترة السابقة للعام 2019، وإذا ما استمر المعدل بنفس الوتيرة السابقة، فإن عدد الأشخاص المتضررين من الجوع سيتجاوز 75 مليون بحلول عام 2030، وعليه فإن من غير المرجح أن تحقق المنطقة هدف التنمية المستدامة المتمثل في القضاء على الجوع، كما سيؤدي تأثير الجائحة على اقتصاد المنطقة إلى تأثيرات وتحديات إضافية تحول دول تحقيق هذا الهدف.
وأوضح، أنه بالرغم من هذه الصورة كثيرة التحديات والصعوبات، نلاحظ أن العديد من دول المنطقة يتجه نحو اعتماد وتنفيذ سياسات إصلاحية وبرامج مائية في الاتجاه الصحيح، حيث تعمل الدول على اعتماد أدوات ونهج المحاسبة المائية في التخطيط ورفع كفاءة استخدام المياه وتعظيم الانتاجية المائية في القطاع الزراعي والاهتمام بالزراعة المطرية ناهيك عن الاستثمار في تطوير موارد المياه غير التقليدية كتحلية المياه المالحة وإعادة استخدام مياه الصرف المعالجة، وفي هذا الاطار نشاهد في مصر أمثلة كثيرة على ذلك ليس آخرها افتتاح محطة معالجة مياه مصرف بحر البقر ومشروع تبطين الترع وغيرها من المشروعات وفي سبيل تعزيز استدامة الموارد المائية تقوم الأردن مثلاً بتنفيذ سياسات لتحديد سقف استهلاك المياه للزراعة والاستثمار في معالجة المياه العادمة وإعادة استخدامها لتغطية النقص في مياه الري ونجد أيضاً توجه لرفع الاستثمار في التحلية لاغراض الاستخدامات المنزلية والصناعية ومعالجة مياه الصرف الصحي بهدف إعادة استخدامها في انتاج الغذاء في عدد من دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، بالإضافة إلى أنشطة كثيرة في العديد من الدول لا يسمح الوقت هنا للتطرق لها بالتفصيل.
وفي وقت سابق من هذا العام، اعتمدت منظمة الأغذية والزراعة إطارًا استراتيجيًا جديدًا يسعى إلى دعم خطة التنمية المستدامة لعام 2030 من خلال التحول إلى أنظمة غذائية زراعية أكثر كفاءة وشمولية ومرونة واستدامة من أجل إنتاج أفضل، وتغذية أفضل، وبيئة أفضل، وحياة أفضل، والتأكيد على عدم ترك أي أحد خلف الركب.
وفي هذا الإطار تقوم "الفاو"، من خلال المبادرة الاقليمية لندرة المياه، بدعم جهود دول المنطقة من أجل تحقيق الإدارة المستدامة للموارد المائية وتحسين الأمن الغذائي، وذلك من خلال رفع القدرات البشرية والمؤسسية في مجالات المحاسبة المائية وانتاجية المياه ورفع كفاءة الاستخدام في الري والترابط القطاعي بين المياه والطاقة والغذاء وتناغم السياسات المائية والزراعية وتنمية وإدارة موارد المياه غير التقليدية وغيرها من الأنشطة.
وأوضح الواعر، تحظى مبادرة ندرة المياه باهتمام متزايد من قبل شركاء التنمية العاملين في مجالات المياه كمنصة حيوية لتسهيل التنسيق في تنفيذ الانشطة المختلفة وتبادل الخبرات الفنية والدروس المستفادة من المنطقة وخارجها وتوفير فرص لخلق التآزر والتعاون بين الشركاء، كما تشكل المبادرة أحد الشراكات الرئيسية الداعمة للأنشطة الرسمية لمنظمات العمل العربي المشترك والمتمثلة في المجالس الوزارية والمنظمات المنخرطة تحت مظلة جامعة الدول العربية كالمجلس الوزاري العربي للمياه والمنظمة العربية للتنمية الزراعية والمركز العربي لدراسات المناطق الجافة والاراضي القاحلة (أكساد) على سبيل المثال لا الحصر.
وأضاف، لقد أثمرت الشراكة بين المجلس الوزاري العربي للمياه والمنظمة العربية للتنمية الزراعية والفاو والاسكوا إلى خلق آلية مؤسسية للتنسيق القطاعي بين المياه والزراعة ونتج عنها الاجتماع الوزاري المشترك الأول بين وزراء الزراعة ووزراء المياه في أبريل من العام 2019 والذي تم خلالة اعتماد إعلان القاهرة كرؤية مشتركة لتحديد معالم التعامل مع ندرة وقضايا المياه من منظور تكاملي يشمل التداخلات والتأثيرات المباشرة وغير المباشرة للقطاعات ذات الصلة، ونتطلع لعقد الاجتماع الوزاري المشترك الثاني خلال هذا العام، كما تم أيضاً تشكيل اللجنة الفنية المشتركة رفيعة المستوى والتي تعقد اجتماعاتها السنوية على هامش أسبوع القاهرة للمياه ولقد حققت اللجنة من خلال التعاون مع الفاو والاسكوا تقدم في التطرق لبعض القضايا التقاطعية بين الزراعة والمياه مثل إعداد مسودة الخطة التنفيذة لإعلان القاهرة وإعداد مسودة الدليل الخاص بتحصيص المياه للزراعة والتي سيتم مناقشتهما خلال اجتماع اللجنة يوم الثلاثاء القادم ضمن فعاليات الأسبوع.
وأكد المدير العام المساعد والممثل الأقليمي للفاو في منطقة الشرق الأدنى وشمال إفريقيا، أن ما تقوم به الفاو من دعم على المستوى الاقليمي في مجالات إتساق السياسات المائية والزراعية وتحسين مستوى التعاون بين القطاعين يتم تعزيزه أيضاً بأنشطة ميدانية على المستوى الوطني من خلال المشروعات المختلفة في العديد من الدول، وفي هذا الصدد تقوم الفاو بالعمل على دعم جهود إعادة تأهيل القطاع الزراعي بما يشمل ذلك من منشأت الري في الدول التي تواجة أزمات وصراعات داخلية، وقد أدت هذه التدخلات إلى إعادة تنشيط الزراعة في بعض المناطق وتحفيز عودة النازحين إلى مناطقهم ودعم الاقتصاد المحلي من خلال الانتاج الزراعي والمساهمة في تأمين الأمن الغذائي.