يحتفل المسلمون في كل عام بمناسبة عظيمة وعزيزة على قلوبهم؛ وهي ولادة النبي محمد عليه الصلاة والسلام والتي كانت في الثاني عشر من ربيع الأول من عام الفيل، المولد النبوي الشريف مناسبة عظيمة لها قدسية كبيرة لا مثيل لها وهو ميلاد للخير والحق، ولد فيه سيد البشرية جمعاء فهو النبى الهادى للأمة الذى جاء برسالة الإسلام السمحة ليمحو التخلف والجهل والطائفية وينبذ الكفر والشرك.
يعتبر مولد النبى أيضا إيذانا ببدء عهد جديد وتمهيدا لنزول الرسالة السماوية الخالدة إلى كل الناس وهى رسالة الإسلام، حيث ختم الله سبحانه وتعالى الأنبياء والرسل جميعا بنبيه محمد وبرسالة الإسلام التى جاءت بالدعوة الخالدة إلى توحيد الله سبحانه وتعالى، وعدم الشرك به، وأداء العبادات جميعها، والالتزام بأركان الإسلام الخمسة، وهى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا.
يختلف الزمان وتتغير ملامح العصر لكن تبقى العادات والتقاليد الشعبية راسخة وثابتة في أرجاء مصر، حيث يظهر ذلك جليا في الاحتفالات السنوية بذكرى المولد النبوي الشريف، وتنوعت فرحة المصريين علي مر العصور بالمولد النبوى الشريف منذ أن دخل الإسلام مصر عام 20 هجريًا وحتى اليوم، تذكر كتب التاريخ أن الفاطميين هم أول من احتفل بذكرى المولد النبوي الشريف كما ان الدولة الفاطمية احتفلت بعدة موالد دورية عدت من مواسمها كان يوزع فيها الحلوى والصدقات.
كان اول من احتفل بالمولد النبوى بشكل منظم كانت الدولة الايوبية في عهد السلطان صلاح الدين الايوبى، والملك مظفر الدين، اذ كان يحتفل به احتفالا كبيرا في كل سنة، وكان يصرف في الاحتفال الاموال الكثيرة والخيرات الكثيرة، وفي عهد العثمانيين كان لسلاطين الخلافة العثمانية عناية بالغة بيوم المولد النبوى الشريف اذ كانوا يحتفلون به في احد الجوامع الكبيرة بحسب اختيار السلطان، فلما تولى السلطان عبد الحميد الثانى الخلافة قصر الاحتفال علي الجامع الحميدى، اما خلال الحملة الفرنسية عندما احتل الفرنسيين مصر بقيادة نابليون بونابرت خلال الفترة ما بين عامى 1798 و1801، انكمش الصوفية واصحاب الموالد فقام نابليون وامرهم بإحيائها طبقا لما ذكر المؤرخ الجبرتى في كتابيه (عجائب الآثار) و(مظهر التقديس بزوال دولة الفرنسيس)، ويأتى عصر محمد على تنصب خيام وسرادقات للدراويش الذين يجتمعون كل ليلة للاحتفال بالمولد النبوى الشريف وإقامة حلقات الذكر، ويجتمع الناس في النهار للاستماع الى الشعراء والرواة وتنتشر في بعض الشوارع المراجيح، وباعة المأكولات والحلوى وتكتظ المقاهى بالرواد، ويتجمع الناس لمشاهدة حلقات الذكر التي تستمر حتى الفجر.
في عصرنا الحالى العصر الحديث لم تنقطع الاحتفالات بالمولد النبوى الشريف رغم فتاوى بعض المتشددين بتحريمها حيث يقوم علماء الأزهر الشريف بدور فعال فى الرد على هؤلاء وبيان مدى مشروعية تلك الاحتفالات والتعبير عن الفرحة بمولد النبي الكريم بشتى المظاهر بتعليق الزينة وإقامة حلقات الذكر والإنشاد الدينى والتهادى وشراء الحلوى المعروفة وغيرها.
سيظل يوم المولد النبوى الشريف يوما شاهدا على أعظم ذكرى في تاريخ الأمة الإسلامية وهو يوم يمنحنا العبر والدروس ويحيي فينا الشوق لنبينا محمد ويؤجج القوة الإيمانية في نفوس المسلمين بأن يحفز على العبادة والذكر والصلاة على صاحب الذكرى بالإضافة إلى العمل بسنة النبي والأحاديث النبوية الشريفة، فيظل المصريون على درب أجدادهم في الاحتفال بالمولد النبوى الشريف تعبيرًا عن عشقهم لنبيهم الشريف.