وأَحسنُ منكَ لم ترَ قطُّ عيني.. وَأجْمَلُ مِنْكَ لَمْ تَلِدِ النّسَاءُ
خلقتَ مبرًأ منْ كلّ عيبٍ .. كأنكَ قدْ خلقتَ كما تشاءُ.
في ذكرى مولدك تفيض الرحمات، رحمة للعالمين فيما هو ماضٍ وآتٍ" يا طِبَّ القلوب ودواؤها.. يا من تزيَّنتْ لك السماوات.
في ذكرى مولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم لا تفي الكلمات مدحًا ولا تستطيع الحروف أن تعطيه قدره، وإنما نطرح بعضًا من سيرته الطبية التي تملأ الدنيا عدلا وحقا، ندفع بها الظلم والبهتان الذي يردده الغرب سواء عن جهل بالحقيقة أو استنادا إلى معلومات خاطئة في التراث.
وفي البداية بُعث النبي محمد للناس أجمعين ليتمم مكارم الأخلاق ويهديهم إلى طريق العدل والحق؛ فلم يقتصر على فئة معينة، ورسالته متجددة حتى يوم الدين؛ حيث قال: "بلِّغوا عني ولو آية".
وما دفعني لكتابة هذا المقال حب النبي صلي الله عليه وسلم والدفاع عنه مما يتردد في الأوساط الغربية الحقوقية وغير الحقوقية من اتهامات له بأنه انتهك حقوق المرأة والطفل بتعدد الزوجات متهمين إياه بالشهوانية، وكذلك بانتهاك حقوق الطفل؛ بزواجه من السيدة عائشة وفقًا لرواية تاريخية، وليست حديثا صدر من النبي صلى الله عليه وسلم ، وكل شيء مردود عليه إلا القرآن والسُّنة.
ومن المنطقي أن غير المسلم لا يؤمن بكتاب الله وسُنة رسوله، ويجب مخاطبته بالدليل العقلي؛ وهذه أسس كتب التوحيد في الأزهر الشريف الذي تعلمنا منه وتخرجنا فيه.
وفي البداية فإن فكرة عدم احترام النبي لحقوق المرأة وتعدد الزوجات ووصفه بأنه شهواني بالدليل العقلي مردود عليه بأن زيجات النبي صلى الله عليه وسلم والتى كما قيل 15 زوجة من أمهات المسلمين كانت للتكريم والترابط الأسري.
فإن أقوى علاقة وتكريم للمرأة حتى فى الغرب الارتباط بها، والزواج منها والتقرب والترابط مع أسرتها وعائلتها؛ لذا من الممكن أن النبي أراد أن يقدم منهجا للجميع، إنه تزوج المرأة الأرملة، والمرأة الكبيرة في السن، والمرأة المعيلة، وبنات أصدقائه، وبنات أعدائه ليُعطي درسًا أن الزواج من مِثل هذه الحالات إنما يُقوِّي العلاقات الإنسانية، ويفتح بابا للحب والوئام والسلام، ويُعظِّم دور المرأة في أن تكون جسرًا لهذا السلام المجتمعي؛ خصوصًا وأن أغلب زوجات النبي لم يكن شابات في مراحل الجمال والفتنة، بل عجائز لا يرغب من هو شهواني في الارتباط بهن من الأساس، فلم يكن زواجه للشهوة والمتعة بل للتكريم بأن يرتبط اسم هذه النساء العظيمات اللاتي قدمن تضحيات كبرى باسم النبي؛ فمثلا قبيل زواجه من أم المومنين أم سلمة كان معنى كلامها الذى يؤكد ذلك أن النبي لم يتزوج للشهوة ولا الولد؛ حيث قالت لرسول الله: "مِثلي لا يصلح للزواج، فإنِّي تجاوزت السِّنَّ، ولا يُولَد لي". ومنهن من قدم النبي محبته وإكرامه لآبائهن مثل عمر وأبي بكر في الزواج من ابنتهما.
فالنبي محمد في مثل عصرنا أفضل من الملوك الذين لهم نفوذ، فإذا أراد الملك تكريم امرأة منحها تقديرا معنويا وماديا بوسام مملكته وأغدق عليه من الأموال، ولكن النبي لم يكن لديه ملك، فكان الوسام الأشرف الارتباط باسمه وتكريم أمهات المؤمنين من خلال الزواج منه التي قدمن تضحيات كبرى من أجل البشرية .
فالنبي الذي جاء ليتمم مكارم الأخلاق ووصفه الله بأنه على خُلُق عظيم، والأخلاق وفقا للتعريف الغربي كيف ينبغي أن يتصرف الإنسان، ولكن المثالية في كل التعاملات هي أعلى منها، والنبي هو نموذج يُقتدى به فى المثالية؛ لذا قال صلى الله عليه وسلم في حديث أخرجه البخاري ومسلم: "مَن حدَّث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبَيْنِ".
لذا وجب الرد بالعقل على هذه الادعاءات المستند في جزء منها إلى تراث تاريخي لروايات تراثية عن زواجه من السيدة عائشة وهي طفلة ابنة ست سنوات، وللعلم أننا لا نشكك في صحيح البخاري الذى أجمع علماء أهل السنة أنه أصح الكتب بعد كتاب الله وسُنة رسوله، ولا ننكر فضل الإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري الذي تُوفي في عام 870 ميلادية فيما قدمه من روايات تراثية أو أحاديث نبوية.
ولكن هناك فترة زمنية تم تدمير مكتبة بغداد التي كانت تحتوي على عصارة الكتب الإسلامية، ومن ضمنها والتي أُلقيت في نهر دجلة في عام 1258 ميلادية على يد التتار، ومن قبلها ب20 عامًا تم إحراق مكتبة قرطبة بعدما سقطت الأندلس.
وكانت هاتان أكبر مكتبتين تُحفظ فيهما أم الكتب، ثم تم إعادة الكتابة، وربما تم دس مثل هذه الروايات في فترات محاربة الإسلام، وتم وضع روايات تكون أداة لتوجيه النقد واتهام النبي بانتهاك حقوق الطفل.
ومما يفند ذلك لو أن النبي تزوج طفلة لالتقط المشركون ذلك وجعلوه سهاما للتشويه حتى لا يدخل أحد في الدين الذي يدعو إليه النبي الجديد عليهم.
ولو كما يرد فى الكتب أن سن بلوغ الفتاة هو التاسعة، فهناك بعض الكتب التراثية التي ورد فيها أن أساس الزواج هو الجماع وليس الاتفاق.
وفي النهاية لأن الجدال كثُر فى هذه المسألة يجب على كل عالم أن يجتهد في الدفاع عن النبي بالدليل العقلي، ويوجه ردودا مقنعة لبلاد الغرب ومنظماته الحقوقية بدلا من أن نستمر فى الهجوم على من يبحث عن الدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك من أجل من قام بحفظ معلومات من التراث، فلنُحكِّم العقول ولا نعطي للمتربصين بالنبي أداة للانتقاد من خلال الإصرار على ترديد ذلك، خاصة وأن الله تعالى قال في كتابه العزيز: {إنا كفيناك المستهزئين}. وقال سبحانه وتعالى: {مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ}. صدق الله العظيم.
ولنُصدِّر للغير كيف حفظ النبي حقوق المرأة وكرَّمها ومنحها كافة الحقوق والحريات.