هو لم يكن ربيعاً عربيًا، بل كان حرباً ممنهجة منظمة على الشرق كله، ولن نجد خير دليل على كلامنا غير جملة من كتاب الباحثة الإنجليزية "فرانسيس ستونر سوندر" الذي يحمل عنوان "الحرب الباردة الثقافية"، حيث تؤكد الباحثة - وبالبراهين القاطعة - على خطة أمريكا لتطويق الصفوة وتوريطهم فيما يخدم المصالح الأمريكية، وخطتها لتقسيم الشرق الأوسط.
تؤكد "ستونر" أنه قد تم تجنيد يساريين سابقين وتم وضعهم وتحريكهم كقطع الشطرنج، واستفاضت في الحديث عن الدعم المباشر وغير المباشر للكتاب والمثقفين، وأن كل هذا لإرساء "نظام قيم كيفي مصطنع"، بمعنى أن هذا النظام يقوم بتقديم الأكاديمي وبتعيين محرري المجلات وبدعم الدارسين، وكل هذا يتم حسب الولاء للمؤسسة الممثلة لأمريكا؟.
الكتاب كبير ومهم لمن يريد أن يرى كيف وصلنا لما نحن فيه، وهل هو ربيع عربي أم خريف أمريكي حلّ على الشرق الأوسط كله؟، بل إنه خريف تساقطت معه أنظمة شمولية لتطفو على السطح جماعات فاشية تسعى إلى الخراب العام لتبقى هي شاهدة على قبور الأوطان.
اليمن تمّ تقسيمه إلى 5 مناطق، ليبيا إلى 3 مناطق، السودان إلى شمال وجنوب، وسوريا لا عودة لكيانها كما كان في أمد قريب، لبنان في طريقها إلى سيناريو حرب أهلية، والعراق "كان زمان".
ومصر تسعى بكل قوتها إلى لملمة جراحها لتقوم من كبوة حكم فاشي استعبدها عاما كاملا لم يخلفها عقوداً عديدة فقط، بل ما زال يهدد وحدة كيانها على أيدي الجماعات الإرهابية ذات الأسماء الدينية والعاملة بخطط شيطانية، فبيت المقدس وأنصار الإسلامى وغيرهما، جميعها جماعات شيطانية تسعى إلى الخراب والدمار لتقيم دولة الكفر والتخلف والعنصرية.
لقد تمّ تحطيم الجيش السوري والجيش العراقي والسوداني واليمني، وتمكن المرتزقة من مناطق أمّموها لحسابهم، ورفع الجميع راية دولة الإسلام، في العراق وفي سوريا، ويتطلّعون ويسعون إلى مصر أيضاً، وقبل سقوط كل الأنظمة - تبعاً للخطط الشيطانية - صرح رئيس كل دولة بالقول: نحن لسنا تونس ونحن لسنا ليبيا، والواقع يؤكد أننا من الممكن أن نكون سوريا في أقرب وقت، فبدأت سوريا بحرب وتفجيرات وانتهت إلى جيوش مرتزقة ممولة من قطر وتركيا مع رعاية معلوماتية ولوجيستية من الولايات المتحدة الأمريكية.
مصر الآن تسير على خطى سوريا، وإن لم نفهم ونعي ذلك جيداً ونتخذ الدروس من تاريخ دول الجوار القريب، لن نخرج من الأزمة الحالية، وستنتهي وحدة مصر إلى الأبد، المرحلة الحالية تتطلب يداً قوية قادرة على الردع، ومحاكم ثورية، إضافة إلى إحكام تأمين الجبهة الداخلية المصرية، وأهمها وحدة وتماسك الشعب المصري، مصر في حالة حرب حقيقية تترصدها دول عديدة للنهش في جسدها وجسد أبنائها، مصر تعاني من ضعف الإدارة وغياب القانون الناجز، ومن طابور خامس يتحيّن الفرصة لإسقاطها.
مصر تحتاج إلى مؤسسة خارجية قوية قادرة على تغيير اتجاه الرأي العام العالمي، وإيضاح خطر الإسلاميين على أمان المنطقة والعالم، مصر تحتاج أحكاما ثورية على قيادات الإخوان: بديع والشاطر والبلتاجي وحجازي ومرسي، إنها دعوة لإنقاذ مصر، فكل يوم يمر دون أحكام ناجزة بمثابة شعاع أمل ونسمة حياة للجماعات المتطرفة، مصر تحتاج تقدماً ملموساً في الانتخابات المقبلة، مصر تحتاج ظابطاً ومجند شرطة، لا يكفي أن يستشهدا في سبيل الوطن، بل أن يكونا قادرين على الرد وبسرعة على كل من يستهدفهما، مدافعين عن نفسيهما وعن الوطن.
كل صوت يصرح: نحن لسنا سوريا أو نحن لسنا ليبيا هو خائن، نحن الأقرب إلى السيناريو السوري، إن لم نكن على مستوى المسؤولية فعلى الأقل نترك الساحة لمن يملكون القوة والسطوة لتحقيق الأمان لمصر وللمصريين في الداخل والخارج.